ينشر بالاتفاق بين أريفينو و الكاتب د.جميل حمداوي عن كتابه ثقافة الأمازيغيين وحضارتهم من الأكيد والثابت أن للأمازيغيين، مثل الشعوب البدائية، معتقداتهم الدينية والوثنية الخاصة بهم، فقد كانت طقوسهم السحرية تعبر عن تفكيرهم الأسطوري الساذج الذي ارتبط بالطبيعة ارتباطا وثيقا، يقوم على الإحيائية والأنسنة والتجسيد. بمعنى أن الإنسان الأمازيغي أسطوري منذ تواجده على الأرض. وفي هذا الصدد، يحصر دوطي (Douté) وثنية الأمازيغيين في اهتمامهم الكبير بالطقوس والقرابين المقدسة بقوله:" ففي الحين الذي تتغير فيه المعتقدات، يظل الطقس باقياً كتلك المحارات المستحثة للرخويات المنقرضة التي تساعدنا على تحديد العصور الجيولوجية. إن بقاء الطقس و ثباته هو علة البقاء والرواسب التي نصادفها في كل مكان« [1] ويعني هذا أن الإنسان الأمازيغي كان إنسانا طقسيا، يمارس شعائره الدينية الأسطورية عبر فعل الطقس والسحر والقربان، والإيمان بالجن والقوى الخارقة، وعبادة الحيوانات وقوى الطبيعة المختلفة كباقي الشعوب البدائية الأخرى. وفي هذا السياق، يقول الباحث الإسباني غريلي(Ghrili) :" إن كل تلك المعتقدات التي تبناها البربرتباعاً، لم تتمكن من تحطيم العمق الديني البدائي البربري، أعني عبادة قوى الطبيعة . و عبادة الجن المتحكمين في هذه القوى، وطبيعة الماء، والعيون والنار...إلخ، والممارسات السحرية التي لا زالت سارية الاستعمال إلى الآن."[2] هذا، ويرى هيرودوت (Hérodote) بأن " جميع الليبيين يقدمون القرابين للشمس والقمر، وأنه للشمس والقمر وحدهما يقدمون القرابين"[3] هذا،وقد عبد الأمازيغيون العناصر الطبيعية ، مثل: السماء، والشمس، والقمر، والنار، والبحر، والجبال، والكهوف، والغابات، والأحراش، والوديان، والأنهار، والأحجار، والأصنام، وكل الآثار المقدسة، كما كانوا يأكلون الخنازير، ويشربون دماء الحيوانات المقدسة، متأثرين في ذلك بالديانات المصرية القديمة. هذا، ويقول ليون الأفريقي في كتابه (وصف أفريقيا) بأن الأمازيغ الأفارقة، في الزمن القديم، كانوا" وثنيين على غرار الفرس الذين يعبدون النار والشمس، ويتخذون لعبادتهما معابد جميلة مزخرفة توقد داخلها نار تحرس ليل نهار حتى لاتنطفىء، كما كان يفعل ذلك في معبد الإلهة (فيستا) عند الرومان.ذلك مالاتفتأ تواريخ الأفارقة والفرس تتحدث عنه.ومن المعلوم أن أفارقة نوميديا وليبيا كانوا يعبدون الكواكب، ويقربون إليها القرابين، وأن بعض الأفارقة السود كانوا يعبدون (كيغمو)، ومعناه في لغتهم رب السماء. وقد أحسوا بهذا الشعور الحسن دون أن يهديهم إليه أي نبي أو عالم."[4] كما يشير إبراهيم حركات إلى هذه المعتقدات الروحية الطقوسية بقوله:" وفيما يخص المعتقدات الدينية، فإن السكان قد لجأوا إلى تعظيم ظواهر الطبيعة منذ القدم، حتى إذا ما دخلوا في طور المدنية الزراعية عملوا على حماية مزارعهم ومواشيهم بالوسائل الروحية التي اهتدوا إليها، ودخل الخوف من الجن قلوبهم في هذه الفترة، فظنوهم في الأشجار والكهوف والأحجار التي استمر تقديسها إلى زمن متأخر. وزعم بعض المؤرخين الفرنسيين أن الاعتقاد في بركة بعض الأشخاص أثر من آثار هذا الماضي السحيق لم تستطع الديانة المسيحية ولا الإسلامية القضاء عليه في هذه المناطق، مع أن الاعتقاد في بركة القديسين المسيحيين مايزال راسخا في أذهان كثير من النصارى الذين يقطنون أرقى بلاد العالم وأكثرها ارتباطا بالحضارة المادية."[5] ومادام الأمازيغ يسكنون منطقة تامازغا أو ما يسمى أيضا بشمال أفريقيا المحاذية للبحر الأبيض المتوسط، فقد كان من الطبيعي أن يتشربوا معتقدات الشعوب المجاورة لهم تأثرا وتأثيرا. لذا، فقد تأثروا بالمعتقدات الفارسية، والفينيقية، والمصرية، واليونانية، والرومانية، والأيبيرية، والصقلية. كما أثر الأمازيغيون، بدورهم ، في الشعوب المجاورة من حيث المعتقد والدين والطقس. وكانت علاقة الأمازيغي باليونان وثيقة جدا ، فقد عبد الإغريق الإله بوصيدون ، وهو إله أمازيغي محض. وفي هذا، يقول هيرودوت:" لقد جاءت أسماء الأرباب كلها تقريبا من مصر إلى بلاد اليونان.أما أن هذه الأسماء قد جاءتنا بالفعل كلها من الخارج، فهذه قضية وصلت إلى معرفتها أثناء بحثي. وأعتقد أنها جاءت من مصر على الخصوص؛ فإذا استثنينا اسمي (بوصيدون) و(الدير سكوري)[6]، فإن أسماء هيرا وهيستا وثميس وكارتييس ونيريد وجدت دائما في مصر ومنذ القديم.وهنا، أعيد هنا ما يقوله المصريون أنفسهم.ويبدو لي أن البلاسجيين[7] هم الذين أطلقوا هذه الأسماء على هذه الأرباب التي يعلن المصريون عدم معرفتها بها إلا الرب بوصيدون الذي اقتبسه اليونانيون عن الليبيين (الأمازيغ)، لأن اسم الرب بوصيدون لم يكن موجودا، ومنذ البداية ، عند أي شعب من الشعوب غير الليبيين الذين ظلوا على الدوام يعظمون هذا الرب.[8]" كما تأثر الأمازيغيون بالديانة المصرية، فقد عبدوا معبوداتهم، سيما الربة المصرية إيزيس.لذا، فقد كانوا يحرمون أكل لحم البقرة وتربية الخنازير احتراما لهذه الربة. وفي هذا السياق، يقول هيرودوت:" فمن مصر على بحيرة تريطونيوس يعيش الليبيون الرحل الذين يأكلون اللحم، ويشربون اللبن. وللسبب نفسه الذي دفع المصريين إلى الامتناع عن أكل لحم البقرة، والامتناع عن تربية الخنازير؛ فالليبيون بدورهم يعرضون عن لحم البقرة وعن تربية الخنازير. بل إن نساء قورينة يعتبرون أكل لحم البقرة نوعا من الإثم احتراما لإيزيس الربة المصرية التي يكرمنها بالصيام والاحتفالات .كذلك تمتنع نساء برقة عن أكل لحم البقرة والخنزير بسواء."[9] وقد عبدوا أيضا ديانة المجوس، كما قال ابن خلدون في كتابه (ديوان المبتدإ والخبر):" وكان دينهم دين المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب إلا في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم.فإن الأمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم، فقد غزتهم ملوك اليمن ... مرارا على ما ذكر مؤرخوهم، فاستكانوا لغلبهم، ودانوا بدينهم."[10] وقد تأثروا كذلك بالفينيقيين حين الاحتكاك بهم في قرطاجنة، وقد كانوا يشكلون معا مجتمعا واحدا، وكانت لهم ديانة واحدة ومعتقدات وعادات وأعراف واحدة. وفي هذا الصدد، يقول محمد محيي الدين المشرفي:"هذا، ولم يحذ المغاربة حذو القرطاجنيين في الشؤون المادية والاقتصادية فحسب، بل اقتفوا آثارهم في سائر الميادين الأخرى، فأخذوا عنهم ماكانوا يتحلون به من أخلاق، وقلدوهم حتى في وثنيتهم، فجعلوا يعبدون الكبش(عمون)، كما كان يعبده القرطاجنيون من قبلهم، قلدوهم في كل شيء، وأخذوا عنهم كل شيء حتى كادت أن تبتلعهم تلك الحياة الجديدة."[11] وقد عبدوا أيضا معبودات فنيقيا في قرطاجنة ، مثل: بعل وتانيت. وفي هذا الصدد، يقول اصطيفان اكصيل (Stéphane Gsell):" كان المعبودان الأكبران للقرطاجنيين هما بعل حمون وتانيت بني بعل اللذان يظهران أن أولهما كان إله الشمس، بينما كانت الثانية إلهة قمرية.وقد اختلط لدى الأهالي بعل حمون بأمون ...، ولكن ليس هناك مايؤكد أن بعل حمون هذا، الذي ورد من فينيقيا، لم يصبح إلها شمسيا إلا بعد طروئه على شمال أفريقيا.كما أنه يستحيل تأكيد كون تانيت بني بعل قد تحولت في هذه المنطقة إلى إلهة قمرية بعد تقمصها هي لإحدى الربات الأهلية، بل ربما يراودنا السؤال عن عبادة الشمس والقمر المنتشرة بين الليبيين في عهد هيرودوت حوالي وسط القرن الخامس ق.م، وهل لم تأتهم من الفينيقيين؟ أما فيما يتعلق بالقمر، فإن الوثائق تعوزنا لتبديد شكوكنا. وليس الأمر كذلك فيما يخص الشمس، إذ هناك أسباب قوية تجعلنا نقبل أن عبادة هذا الكوكب بأرض المغارب قد سبقت توطيد الاستعمار الفينيقي."[12] وقد تأثر أهل تامازغا بالرومان كذلك عندما غزوا شمال أفريقيا واحتلوها ، وجعلوها مقاطعة استعمارية تابعة لهم، فقد تمثل الأمازيغ معتقداتهم ودياناتهم. كما تأثروا، بشكل من الأشكال، بديانات البيزنطيين والوندال.و بعد ذلك، تأثروا بالديانة الإسلامية ، وصارت هي ديانتهم الوحيدة إلى يومنا هذا. [1] – إد موند دوطي: السحر و الدين في أفريقيا الشمالية ، ترجمة : فريد الزاهي ، منشورات مرسم ،مطبعة بورقراق الرباط،2008 ،ص:415. [2] – أنجلوغريلي :أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب، ترجمة عبد العزيز شهبر،منشورات وزارة الثقافة ، مطبعة دار المناهل، الرباط،2009،ص: 200. [3] – اصطيفان اكصيل: تاريخ شمال أفريقيا القديم، ترجمة: محمد التازي سعود، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى 2007م، ص:209. [4] – ليون الأفريقي: وصف أفريقيا، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1983م، ص:67. [5] – د.إبراهيم حركات: المغرب عبر التاريخ، الجزء الأول، دار الرشاد الحديثة، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:16. [6] – الديرسكوري: هما كاستور وبوليديكس من أبناء زيوس وزوجته ليدا. [7] – البلاسجيون هم أقدم شعب سكن أرض هيلاس، قبل أن يغزوها الهيلينيون (أبناء هيلاس). [8] – هيرودوت: أحاديث هيرودوت عن الليبيين(الأمازيغ)، ترجمة: مصطفى أعشي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، دار المعارف، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:30. [9] – هيرودوت: أحاديث هيرودوت عن الليبيين(الأمازيغ)، ص:68. [10] – ابن خلدون: ديوان المبتدإ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، الجزء السادس، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة 2000م، ص:139. [11] – محمد محيي الدين المشرفي: أفريقيا الشمالية في العصر القديم، دار الكتب العربية، الطبعة الرابعة سنة 1969م، ص:46. [12] – اصطيفان اكصيل: تاريخ شمال أفريقيا القديم، ص:210.