نظم مركز الريف لحفظ الذاكرة مساء يوم السبت 14 نونبر 2010 بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بالناظور ، ندوة دراسية حول موضوع : أحداث الريف لسنتي 1958 و 1959 : السياق ، التمثلات والاستعمالات . أطرها مجموعة من الأساتذة الكبار نذكر الدكتور زكي مبارك والأستاذ عمر لمعلم .. وبحضور نوعي ساهم في إثراء الموضوع . وتأتي هذه الندوة في سياق العودة القوية للنقاش حول الماضي وعلاقته بالانتقال الديموقراطي في أبعاده السياسية والدستورية والحقوقية والتنموية ، والذي أضحى مع مرور الوقت مجالا لطرح العديد من التساؤلات المرتبطة مع الأبعاد التي أخذتها إشكالية الذاكرة الجماعية . كما يأتي اللقاء أيضا في إطار التمظهرات الكبرى لتاريخ المغرب المعاصر ومحاولة النبش في ذكراة التاريخ المتعلقة بالأحداث الدامية ، و إثراء النقاش حول ماجرى بالريف خلال خريف 1958 و شتاء 1959 ، باعتماد مقاربة موضوعية وعقلانية لهذه الأحداث . وأعرب الأساتذة المتدخلون في معرض كلمتهم بخصوص انتفاضة الريف سنوات 1958 و 1959 بكونها جاءت نتيجة التهميش والإقصاء الذي تعرض له الريف من قبل الدولة بعد حصولها على الاستقلال ، الأمر الذي دفعهم إلى الثورة التي شارك فيها أهل الريف وكل مناصري قضاياهم من اجل العزة والكرامة . حيث اعتبر الريفيون في تلك الحقبة أن استقلال المغرب كان ناقصا من خلال إقصائهم . هذا ولم يغفل المتدخلون الإشارة إلى كون حزب الاستقلال في تلك المرحلة كان معروفا بعدائه للريف ، من خلال اقتحامه الريف عنوة وفرض نفسه بالقوة وعمله على تعيين موظفين من خارج الريف مواليين للحزب ، بل الأكثر من ذلك عمل على إقصاء كامل لأبناء الريف سواء في الناظور أو الحسيمة أو الشاون في الوظائف ، زد على ذلك مساهمته في تدني الخدمات الاجتماعية والاقتصادية … كما اعتبرت المداخلات ان حزب الاستقلال كان مسؤولا عما وقع بالريف في تلك المرحلة ، وكانت أهدافه واضحة تمثلت في السيطرة على مقاليد الحكم . هذا وأكدت المدخلات ايضا الى كون حزب الحركة الشعبية في شخص احرضان كان يدعي مؤازرته للريف والحقيقة غير ذلك من خلال مسايرته في تلك المرحلة لتوجهات حزب الاستقلال دون اظهار ذلك .. امام هذه التناقضات التي كانت تعتمل وسط الساحة السياسية والصراع حول التحكم في المجتمع ، ونتيجة استمرار الظروف المزرية بالريف وعدم اخذ مطالبها بعن الاعتبار اندلعت شرارة انتفاضة الريف التي زاوجت بين أسلوب العصيان المدني والحوار . وفي الوقت الذي كان يرتقب أن تستجيب الدولة لمطالبها تدخل الجيش وقام بمحاصرة المنطقة جوا وبرا وبحرا وعمل على الهجوم على المداشير والقرى مستخدمة مختلف آليات العنف والمعدات الحربية وامتدت بعض أيادي عناصره الى اغتصاب النساء وبقر بطون الحوامل … ولم تصمد مقاومة الريف بزعامة محمد عبد الكريم اخطابي والحاج محمد سلام امزيان و …. امام هذا الامر ، حيث صعد الناس الى الجبل ورفضوا العمل والتعامل مع السلطة . هذا واعتمدت الدولة في اخمادها لثورة الريف على طائرات كان يقودها طيارون فرنسيون ارتكبوا لمدة عشرة أيام متواصلة جرائم بشعة . واعربت المداخلات ايضا عن اسفها على هذه الحقبة السوداء من تاريخ الريف ، حيث عبر الاستاذ عمر لمعلم أنه في الوقت الذي كان يجب انقاذ المنطقة من الفقر والغبن ، تدخل الجيش لاغراقه في الدم . وقارن بين احداث الريف في تلك المرحلة وتعامل السلطة مع ماجرى مؤخرا بالعيون . الحرب على الريف استمرت 157 يوما واتت على الأخضر واليابس ، ونزل المنتفضون من الجبال مكرهين بعد استسلام عبد الكريم الخطابي . هذا وبعد مرور 52 سنة على انتفاضة الريف ، تم تسجيل : اقصاء الريف من فرص التنمية ، اسكات صوت الريف ، عدم الاستفادة من ثمار الإستقلال ، تهجير السكان الى أروبا … وخلصت المداخلات الى كون المغرب قام باطلاق عملية جبر الضرر الجماعي من خلال هيئة الانصاف والمصالحة ، والتي خرجت بتقرير يتضمن العديد من التوصيات ، واشارت الى عمل الجمعيات الحقوقية على المطالبة بتطبيقها على ارض الواقع ، واغفالها لمطالب اخرى من قبيل تعويض جميع ضحايا احداث انتفاضة 58 و59 و 84 من القرن الماضي . كما تم التأكيد في الاخير الى كون الغرض من الندوة يكمن في الاعتراف بالجرائم المقترفة بالريف في تلك المرحلة ، من خلال تقديم اعتذار رسمي ، والعمل على تأسيس الهوية المغربية القائمة على المصالحة الجماعية والعمل على كشف حقيقة ماجرى من انتهاكات لتفادي تكرارها في المستقبل . وقد نوهت المداخلات بالسياسة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بالريف من خلال زياراته المتتالية للمنطقة واطلاق مشاريع ستساهم لامحالة في تحقيق تنمية مستدامة .