خلال شهر رمضان أصابه مخاض عسير، يعيش حالة الابتسار والاعتسار والاعتصار، عيناه مدشت فما عليه إلا أن يتمدل بالمنديل، يشقى طوال النهار يتوق إلى الأكل وشرب الماء وتدخين سيجارة وما يشبه التبغ، وفي الليل يحن إلى الراح والرقص من الغبوق إلى الصبوح… ويقوده حب الاستطلاع وهو أم البلاء إلى التطلع. إلى عورات الناس… وهذه المرة قيدته الظروف كالطير… فأصبح يعيش في الاحتقان… كثيرا ما كان يحمل عودا، يخال نفسه إسحاق الموصلي أو زرياب الأندلسي وما أظن أنه يعرفهما… ربما يعرف العزف العشوائي الفوضوي، لأنه يعقد جلسات يجتمع فيها الندمان المدمنون. وماذا ستنتظر من المدمن؟ فهو كالصفر على اليسار… وربما لا يتقن لا العزف ولا الغناء فيصبح كذي العور الذي لا يعرف المشي والمعور مع الناس ويبعو عليهم… خلال هذا الشهر كاد أن يكون فقيها تقيا ورعا ولكن تنقصه الصلاة والتراويح… يظن نفسه نجما أو عظيما، أو شيخ القبيلة، أو حاكم المدينة… وأنه سيفعل ما يريد… إنسان حر حديث ذو حداثة و[موضة] ذكي وألمعي ولكنه ملدام أمرش مدش باغز… وكما قال حسان بن ثابت مجوف نخب هواء… يجلس على أريكة في انتظار [تنفيحته] قد تكون شرقية أو غربية أو شمالية عوض الراح، كأنه يوليوس قيصر أونيرون يريد فعل شيء، أو إحراق القبيلة أو قتل المارة إذا لم تحضر [التنفيحة] التي تأتيه بعد المغرب أو العشاء… في ليلة العيد، عاد إلى عادته كما عادت حليمة، فلم يقل ما قاله إمرؤ القيس: اليوم خمر، وغدا أمر، فهو كان أسرع ولم يكن صيامه تاما، وكأنه قال: الليل خمر وصباحا عيد، وأي عيد هل وأطل عليه، لأنه نام كالخنوص وشخيره انتشر في الفضاء، يسمعه القريب والبعيد، وخبره ذاع وشاع بين الناس… ولم يؤد صلاة العيد كباقي الأنام، ولم يخرج زكاة الفطر، ولم يتصدق ولو بدرهم واحد… فأين محله من الإعراب؟ لا محل له من الإعراب والإفصاح والإعجام، ولا يمكن صرفه، لأنه لا ينصرف، ووقع فيه الإعلال والإبدال والإدغام والخبن والقبض، ولا يعرف أصله، خارج عن القاعدة، ومن جاء على أصله فلا سؤال عليه… إن ليلة العيد معظمة عند الله، قد تكون ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هدى للناس، وهي خير من ألف شهر، ويعادل العدد ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر، وهي سلام وذكر وتسبيح وتكبير، وتلاوة للقرآن حتى مطلع الفجر، وهذا الخبيث يقضيها في الخبائث والمحرمات وهو من مرتكبي الكبائر، هذا السلوك لا يقدم عليه حتى الذي لا ملة له.