وليد الركراكي: المباراة أمام الغابون ستكون "مفتوحة وهجومية"    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة لقصيدة ربحار أمزيان للشاعر الريفي علال قيشوح
نشر في أريفينو يوم 02 - 04 - 2013


تمهيد:
أبدأ بهذه القولة: “الشعر متعة الأديب، وذوق البلاغي، وحجة المفسر، وسند الأصولي، ودليل الفقيه، وشاهد النحوي، وميزان العروضي، ووثيقة المؤرخ، وخارطة الجغرافي، ثم هو من قبل ومن بعد، بوح العاشق، ونفثة المصدور، وحنين الغريب، وأنين الفاقد، وبهجة الواجد، ومرثية العزيز، وآهة الملتاع، وتجربة الحكيم”.
أمامي: وفوق طاولتي، ورقة بيضاء كعقل الطفل أثناء ولادته، وخروجه من العدم إلى الوجود، شفافة خفيفة ولكن من حيث عنوانها ومضمونها ثقيلة، لأنها تحمل اسم ربحار أمزيان، والبحر قدسه الإنسان وسمي بالبحر لعمقه واتساعه، وعبده دهشة وخوفا إلى أن اتخذه إلها كما في الميثولوجيا، وقد خافه العرب من حيث ركوبه قال أبو الوليد هشام الوقشي:
لا أركب البحر ولو أنني /// ضربت فيه بالعصا فانفلق
ما إن رأت عيني أمواجه /// في فرق إلا تناهى الفرق
وقال آخر:
لا أركب البحر خوفا /// علي مني المعاطب
طين أنا وهو ماء /// والطين في الماء ذائب
أمامي ثلاثة آلهة:
أ بوسايدين الإغريقي أو بوسيدون أو بصيدون أو سيدي بوزيد جنوب مدينة الجديدة، وهو إله البحر والمحيطات والعواصف البحرية، وحسب الميثو لوجيا الأمازيغية هو أب البطل الأسطوري الأمازيغي أنتايوس، وما أورده هيرودتس فقد كان يكرم من قبل الأمازيغ الذين سكنوا حول بحيرة تريتونس إلى جانب آلهة أخرى وحسب المؤرخ الإغريقي بأن بوصيدون إله أمازيغي الأصل وهي كلمة أمازيغية.
ب نبتون إله البحر والملاحة عند الرومان وله سلطة على الرياح.
ج أبولو إله الشعر والفنون والشمس، وقد ظهرت جماعة أبولو الشعرية إحدى المدارس الأدبية في الأدب العربي مؤسسها الشاعر أحمد زكي أبو شادي، واتجاهها اتجاه رومانسي.
أما ربحار أمزيان أو البحيرة فهي تصغير للبحرة، أما البحر فيصغر على أبيحر، كانت تسمى سبخة بوعارك والسبخة في اللغة أرض نز وملح أو ما لم يحرك ولم يعمر، وكذلك ما يعلو الماء كالطحلب، إلا أن النصارى أطلقوا عليها البحيرة الصغيرة منذ القرن العاشر الهجري، وقد عرفت غزوات كما يرى بعض المؤرخين ومعارك خلال العهود القديمة وعهد الحماية، وقد حاول بعض المجاهدين ردم مدخل سبخة بوعارك للحد من جولات رؤساء البحر الأتراك، وقد غرقت فيها السفينة الجزائرية سنة 1780م.
وحينما نتحدث عن البحيرة، يتبادر إلى ذهننا عائشة البحرية، وأسطورة بحيرتي: إيسلي وتسليث، الخطيب والخطيبة. تتحدث الأسطورة عن شابين متحابين من قبيلتين متعاديتين رفضت أسرتهما السماح لهما بالزواج، فأجهشا بالبكاء إلى أن تشكلت من دموعهما هاتين البحيرتين حسب رواية بعض الباحثين، ورواية أخرى تقول: بأنهما التقيا بنفسيهما في البحيرتين اللتين أصبحتا تحملان اسميهما، ويعقد موسم إيملشيل للاحتفال الذي يدوم ثلاثة أيام، اليوم الأول لتنظيم مسابقات ثقافية ورياضة القنص، سهرات فلكلورية على ضفاف بحيرة إيسلي، اليوم الثاني مراسيم الخطوبة، وعقد قران عروس وعريس الموسم بأحد قصور المنطقة، وفقا لتقاليد وعادات المنطقة، اليوم الثالث زيارة ميدانية على ظهر البغال للمواقع الأثرية والسياحية التي تزخر بها المنطقة، وكذلك قصة الساحر مارلين يدعو البحيرة لإنقاذه من الديناصورات والأعداء، فخرجت الجنية من البحيرة حيث منحته سيفا سحريا بتارا ثم غرسه في صخرة فتحركت بعض الصخور ونطقت إلى آخر القصة الأسطورية التي تتحدث عن الحب والخيانة والغدر وقوة السحر وقضية الأبوة وعدم طاعة الابن لأبيه الملك، وصل إلى حد الاقتتال حول الحكم، بسبب الخيانة الزوجية من جهة الأم… والصراع بين الساحر مارلين والساحرة مارا وأختها الجنية. إلى جانب عدة خوارق لا يقبلها العقل.
إن البحر حرك مشاعر الإنسان منذ القديم، وهو الذي دفع بفلاسفة اليونان إلى القول بأن أصل الكون هو الماء، من ضمن العلل المعروفة، وما زال يحرك مشاعر الشعراء بعرين غواربه، إذ لا بد من علاقة حميمية رومانسية تشكل عمقا في الشعور والإحساسات، وتحدث انسجاما بين الذات والموضوع، تتمخض عنها قصائد وهواجس وتيه وإبحار مع البحر، واختبار وابتسار واستفسار، وحوارات قد تكون صوفية أو سريالية لا صلة لها بالواقع، وأسئلة تذهب مع رياح البحر، وصخب الأمواج بلا أجوبة، ومطران شاعر القطرين حينما شكا إلى البحر اضطراب خواطره، أجابه برياحه الهوجاء.
والشاعر استهل قصيدته “ربحار أمزيان” التي ترجع إلى يونيو 2001م بالنداء والمناجاة، وهو واقف به، كما وقف الشعراء الجاهليون بالأطلال مستفسرين عن الظاعنين، ولكن الشاعر كان واصفا ومتسائلا هذه البحيرة الجميلة، وهو دائما يتردد ويقضي عطلته بالقرب من البحر والبحيرة، وظروف قولها كما يبدو من التاريخ في صيف 2001م، هو عاشق لثيزارث وشاطئها وبحرها المتوسط والبحيرة، ومن المهتمين بالبيئة والتراث والأماكن الرطبة والطيور والأعلام المحيطة ببني انصار، وسبق للقناة الثانية عبر برنامج “تبقال” أن حاورته حول الأماكن الرطبة بثيزرث، فهو يجمع بين المجال العمراني لكونه تقنيا، والفني والجمالي لكونه شاعرا رومانسيا، محبا للطبيعة هاربا من ضوضاء المدينة، كما فعل شعراء المهجر الذين فضلوا الغابة على المدينة، إن النزعة الخطابية بادية منذ أول بيت يوجه الخطاب إلى البحيرة، وهي نفسها عبارة عن أسئلة طويلة كالحبل بدون أجوبة، يشوبها الغموض والضبابية، وفي نفس الوقت هي مرآة السماء في أرض الشاعر الجميلة، ثنائية متناقضة الشفافية والوضوح // الضبابية والتساؤلات.
في الفقرة الثانية ذات الأشطر الأربعة (أي ذات بيتين) هي أيضا خطابات، كأنه يتغزل أو يمدح، واصفا جمال البحيرة الذي هو جمال للأطفال والحياة، هذا الجمال الذي يظمأ إليه الناس يشفي غليلهم، ويجعلهم مستمتعين بأحسن اللحظات، وهم أنشط من ظبي مقمر، وفي غرير ورتع ورغد بالقرب من البحيرة الجميلة بعد غبن وضيق وضنك.
في الفقرة الثالثة:
إن شعرا حول البحيرة شيء عظيم وكبير، يتلألأ ويلمع ليلا كالنجوم، وينمو ويكبر كنمو شقائق النعمان، هذه الصور جميلة: جمالية النجوم في الليل في فضاء رحب واسع لا نهاية له، ثم لون شقائق النعمان الأحمر القاني الزاهي الباهي، صور فيها رمزية ومستقاة من الطبيعة الجميلة، بياض النجوم ولمعانها في الظلام فهذه لوحة رائعة رغم تناقض الألوان، ربما الرسام يعجز عن رسمها بريشته، لذلك قيل الشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت، وأحيانا يعجز الاثنان عن نقل الواقع، وفي هذا الباب ناقش الأدباء قديما نظرية المحاكاة التي أفضت بهم إلى خلافات وآراء متذبذبة…
وفي الفقرة الرابعة: ينتقل من الجمال إلى الحديث عن ألم البحر الكبير الذي ليس بصغير ولا بهين، كتب عنه التاريخ بالوشم فوق الماء، والكتابة فوق الماء لا تجدي، ربما يشير الشاعر إلى التاريخ المنسي المهمش والذي لم يؤرخ بعد، لما عاينه البحر، وقاساه من ويلات الحروب، ربما من عهد الفنيقيين إلى الاستعمار الغاشم والأحداث، وربما إلى يومنا هذا. وما في أحشائه من جثث وسفن وطائرات…؟؟ والوشم رغم صعوبة محوه وإزالته، فلا يمكن أن يستقر على أديم اليم نظرا لأمواجه المتحركة المضطربة.
وفي الخامسة يشير إلى أن احتجاج البحر عبارة عن دموع تسقط وتنهمر فوق ثيزرث، يريدون لها الضيق الذي ينمو يزداد ويطول من الصعب جدعه والقضاء عليه… احتجاج البحر هل هو خير؟ يجلب الخيرات من سمك وغيره أم سيحمل فيضانا لا يمكن رده؟؟، وربما الشاعر يشير إلى كل تلك الاحداث التي مرت على تلاوين أو أطلايون والبحيرة.
في الفقرة السادسة يتحدث عن الحياة في البحر، تبكي دموعا عبارة عن أمواج ولكن يتساءل ماذا ستفعل الأمواج التي تأتي من ثيزرث،؟ فهل يشير إلى الساكنة التي تعاني من التهميش والإقصاء، ولكنها لا تنسلخ ولا تنفك من عزلتها المزمنة، وإن احتجت أو غضبت مما تعانيه؟
في السابعة يقول: الحياة فيك تبكي عن احتجاج السمك، وهل سيجدي الاحتجاج الذي لا تصغي إليه الآذان وفعلا الحيتان في قاع البحر لا يسمع صوتها فهو كصيحة في واد، فكأن الحياة منعدمة في هذا الفضاء الذي يتحدث عنه الشاعر، ويصفه بالعدم، فتدرج من جمالية الطبيعة والبحر، إلى الحديث عن الألم والحوادث وحياة الوجوم والصم والبكم.
في الفقرتين الأخيرتين انتقل الشاعر إلى الحديث عن جبل كوركو الذي يراه شيخا بسبب هموم الزمن، يناجيه بتوجيه أسئلة إليه: هل تقف في وجه الوديان كي لا تصب في البحيرة؟، هل عيونك جفت بعد أن كانت جارية.؟… إن مزوجة تعني أرض العيون، في نضوب وجفاف العيون إشارة إلى الجمود والركود الذي يخيم على بني انصار، وفي جريان الماء دليل على النشاط والحركة…
وفي حديثه عن الجبل الذي شاب وشاخ، إشارة إلى قدمه وهو بدوره ذاكرة وتاريخ كالبحيرة الصغيرة، يذكرني بجبل ابن خفاجة:
وقور على ظهر الفلاة كأنه // طوال الليالي مفكر في العواقب
فحتى متى أبقى؟ ويظعن صاحب // أودع منه راحلا غير آيب
ابن خفاجة يحاور الجبل وشاعرنا يخاطب جبل كوركو أو أكركور، أما امرؤ القيس فإنه يصفه وقد هطل عليه أول المطر، فخططه بما جره من الأعشاب والشجر والوحول، وقد شبهه بسيد كبير في قومه يلبس كساء مخططا يقول:
كأن ثبيرا، في عرانين وبله، // كبير أناس في بجاد مزمل
هذه قراءة مختصرة عابرة، لهذه القصيدة التي تتناول المجال البحري والبري، يتردد عليهما الشاعر صيفا وربيعا وخريفا، للترويح والاستجمام والتأمل والاستطلاع، والبحث في المجال البيئي، والتنقيب في المآثر التاريخية، والبحث عنها، ورصد أنواع الطيور في الأماكن الرطبة، والاحتفاء بحميميات المكان، وبالهوس والهيام والتفاعل، وذلك ما يفسر انزياحات ذات الشاعر إلى التعبير عن هذه المشاهد والمواقف والمناظر، وسبر أغوار البحيرة، واستفسار جبل كوركو عن دوره في هذه الحياة وما يحيط به.
أما بناء القصيدة أو تركيبها أو معماريتها فهو من الشعر العمودي الأمازيغي الريفي، يخضع لميزان للابويا، إلا أننا لا نعرف أولية الشعر الأمازيغي الريفي، ولا تركيب القصيدة، إلا ما وصل إلينا من شعر مسجل بالإذاعة الوطنية للشيخ أحمد شعطوف 10أبريل 1955م، يلتزم في قصائده وزن للا بويا والقافية والتصريع والوقوف على السكون وهو يمثل المدرسة الكلاسيكية والرومانسية، لأن تغزله رحمه الله كان تغزلا عفيفا عذريا كما عند جميل بثينة أو قيس صاحب ليلى… لأنه لم يتزوج بميمونت، ولا بد من الإشارة إلى أن وزن للابويا قد يكون فيه اختلال أثناء القراءة للقصائد، ونحن جميعا لا نعرفه، إذ لا بد من دراسة الوزن، للوقوف على عيوبه، كما صنع العرب قديما مع الشعر العربي، من حيث الزحاف والعلل لأنه أسبق من الأوزان التي استخرجوها فيما بعد، ويرى بعض الباحثين أن الشعر أسبق من النثر…!!، نعم لا نعرف أوليته رغم أن الباحثين استغرقت أبحاثهم أزيد من أربعين سنة. ولم يشيروا إلى أولية الشعر وتركيب القصيدة..؟ هذا ضعف وتقهقر في ميدان البحث، إن الذي يهمنا هو الجانب العلمي لا الجانب السياسي، يجب التأسيس والترسيخ والتكريس ثم التسييس، إن التحرر من الأوزان قد يؤدي إلى اضطراب الإيقاع أو غيابه من بعض القصائد الخالية من التوازنات اللفظية والصوتية، فتشعر أنك أمام نص نثري خال من رنة الشعر والموسيقى الشعرية، لا يحرك وجدانك وشعورك، والقصيدة مكتوبة بالخط اللاتيني، أحيانا يصعب قراءته، وكذلك بالنسبة للخط العربي، أما خط تيفيناغ فيجب تعلمه وحفظه فقراءته ثم كتابته… تتألف من ثمانية عشر بيتا صنفها الشاعر على شكل فقرات كأننا أمام شبه موشحات، ولكنها تشبه قصيدة الشعر اللاتيني (كالقصائد الإسبانية أو الفرنسية أو أمريكا اللاتينية) من حيث الأبيات، لذا كان من الأجدر، (مجرد رأي) أن تقاس بالمقاطع لا بالتفعيلات كما هو الشأن في الشعر الغربي، ففي كل بيت يتوفر على عدد من المقاطع ثمانية أو عشرة أو أكثر أو أقل.. والمقاطع تتكون من مقطعين طويل وقصير، قد يبدأ بالطويل أو بالقصير، فإذا أخذنا كلمة: تتألف من مقطعين: VOILA، الأول قصير والثاني طويل VOIL-A، وإذا تتبعنا هذه الطريقة يسهل على الشعراء الأمازيغيين قرض الشعر على طريقة الوزن الشعر الغربي ليكسب الشعر مصداقية فنية معياريا ونمطيا.
شاعرنا بدأ القصيدة بالنداء “أربحار” “أيسغون” “أتيسيت” نعته بالحبل والمرآة، ثم يكرر النداء في الفقرة الثانية أربحار أيازري بالمد يحمل دلالة النداء، لأن أزري يبدأ بالهمزة فهو اسم والهمزة أصل فيه، أياذرار الأصل أذرار وفي النداء زيد حرف الياء، وكذلك بالنسبة لأسغون، ثم أسلوب الاستفهام: منغاكنت أرموجاث؟ من غاثك أثغوييث؟ ما أتعاذيذ إغازران؟مايوزغانت رعناصار ؟ما يخياق أوجنا؟ هذه الاستفهامات فيها حوارات وخطابات للبحر دون أن يجد الشاعر جوابا شافيا من البحر أو البحيرة، وكذلك بالنسبة لجبل كوركو، بينما ابن خفاجة جبله يرد عليه ويحدثه:
وقال: إلى كم كنت ملجأ قاتل // وموطن أواه تبتل تائب
وكم مر بي من مدلج ومؤوب// وقال بظلي من مطي وراكب
والجبل لم يكتف بالجواب وإنما هو بدوره يتساءل:
فحتى متى أبقى؟ ويظعن صاحب // أودع منه راحلا غير آيب.
الروي متغير وهذا من عيوب الشعر العمودي تارة النون في معظم القصيدة، والثاء في الفقرة السادسة والسابعة، إن كان مقبولا في الشعر الحر ولكنه خاضع للتفعيلة، ويلاحظ غياب القافية في الصدر والعجز لا ينطبق مع النون، فهناك: أوجنا، ثوذارث ،يارني ،اومزروي… فشعطوف يلتزم بالقافية في الصدر والعجز.
أميمونت أميمونت ميمونت مهلكين// الحلاة أنتمزي إشميسبوهرين
الروي هو النون
أميمونت اميمونت أمثاورن أسرونت // ماذشتن إثنيذ ما أتناين أذعذونت
الروي هو التاء
أميمونت،اميمونت مشواف إشدن خوزجيف // مايوشام ورنم انرامي ثبدرذ الليف
الروي الفاء
ايسيغ سينيث أزايس أرياغ غر أدروج // أركاس ذايي غيوضان أرقاث شم أخدوج
الروي الجيم
تشبيهات: البحيرة بالمرآة، جمالها يعادل جمال الرضعاء والحياة والدموع كالأمواج إشارة إلى الكثرة، جمل فيها استعارات كالحياة تبكي وقد كررها في فقرة أخرى.
طباق أمزيان / أمقران الظلام / اللمعان.
جناس ايسرمان /إيسيمان وضعيف إيمزران.
كلمات متداولة إلا أومزروي وتعني التاريخ، وقد كرر الشاعر بعض الكلمات فهذا يدل على قلة الثروة اللغوية أو قلة المرادفات: أجان/إيسرمان، ثوذارث، ثترو، كلمات مستقاة من البادية بنعمان، إسرمان من البحر.
الأسلوب سهل مفرداته ليست غريبة ماعدا كلمة أمزروي غير متداولة بكثرة وهي تعني التاريخ، هناك حروف تؤدي جرسا موسيقيا كالنون لثوي شديد أنفي، وهناك النون الخفية والنون الخفيفة، والراء لثوي مجهور مرقق مكرر، والسين أسناني لثوي مهموس مرقق، والشين مهموس مرقق غاري، وهو من حروف التفشي الذي هو في علم القراءات، انتشار الهواء في الفم من النطق بالحروف، وذلك بتوسيع ما بين اللسان وأعلى الحنك، وله حرف واحد وهو”الشين” هذا الحرف وارد في بعض الأبيات: يشنان /أزري النش/ ورحريق أنش /إشابش/… وهذا الحرف بمثابة ضمير المخاطب يعني أنت أو كاف الخطاب، هذه الحروف وغيرها من الحروف المطبقة والمنفتحة، لها صفاتها ومخارجها ونظامها الصوتي، فهي جميعا تؤدي وظيفة صوتية، ولها وقع موسيقي من حيث المخارج، فالنفس يرتبط بالهمس والصوت يرتبط بالجهر.
قيمة النص:
من الناحية الجغرافية: البحر الصغير ويقابله البحر المتوسط السماء، الأرض، كوركو وديان عيون ثيزيرث، النجوم، من الناحية النباتية: شقائق النعمان، من الناحية الصناعية: إسغوان ثسيث، من حيث الطبيعة جمالية البحر وما فيه من حيتان، والجبال والوديان تساعد على القيام بمشاريع سياحية، من الناحية الاجتماعية خروج الناس للتنزه والاستجمام في الصيف والخريف والربيع، وحتى في الشتاء للذين يمارسون هواية صيد السمك، من الناحية النفسية والوجدانية: الشعور بالجمال جمالية النجوم وهي تتلألأ في الظلام، الدموع الحزن التألم، الضيق المتزايد الطويل المدى، أثر الزمن في كوركو، حركية الأمواج، وحركية المياه الجارية من الينابيع، هل السماء حزينة؟ وهل كذلك الحيتان وهي في قاع البحر؟ بكاء الحياة، حتى الطبيعة حزينة رغم جمال المجال والفضاء، من الناحية التاريخية: يشير الشاعر إلى أحداث بطريقة لا يحس بها القارئ العادي، هي توثق للبحيرة إذا ما اندثرت مستقبلا والله أعلم، لأنه حسب بعض المراجع هي حديثة العهد، فكم من جزيرة تختفي وتظهر أخرى، وكذلك بالنسبة للبحيرات من خلال تسونامي، فبحيرتنا بها مطامير من جهة “بورسض” دليل على أنها كانت أرضا يابسة ، ولا ننسى أن البحيرة عندما قل ماؤها بسبب انسداد الترعة القديمة، بقيت الحيتان فوق سطحها، ويقول القدماء في هذا الحدث عام “أوبوري”، وحينما نذكر البحيرة يتبادر إلى أذهاننا الشخصيات الأسطورية القديمة كعائشة البحرية وإيسلي وثسليت…
تحدثت عن القصيدة، ونسيت ترجمة الشاعر التي لا بد منها للتعريف بشخصيته: وهو من مواليد أث العربي (أث أنصار) بتاريخ: 8/8/1968م، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة القرية وهي الأندلس حاليا، (آث انصار) ثم المرحلة الإعدادية بحمان الفطواكي فطارق ثم الثانوية بمؤسسة الكندي بالناظور، والدراسة الجامعية: جامعة محمد الأول بوجدة، شعبة العلوم الفزيائية، وهو اليوم يشتغل ببلدية بني انصار كإطار تقني، بدايته الشعرية كانت في سنة 1989، له مجموعة من القصائد باللغة الأمازيغية الريفية ومن بينها هذه القصيدة التي تعرضت لها بالقراءة والدراسة، و تعرض لها الشاعر من ناحية الزمن النفسي والتاريخي والحسي والزمن الحاضر، والفضاء الحميمي، هذا الشاعر يجمع بين التقنية في العمران والبناء، وبين الشعر في إظهار جمالية البحيرة التي قاس عمقها، ومسح عرضها وطولها بإحداثية المكان تقنيا، وسبر غورها، ووصف أديمها وما يحيط بها شعرا، ويكفيه فخرا أن يكون عضوا لمنتدى التعمير والبيئة والتنمية، ومشرفا بمعية الدكتور سعيد مراد، والأستاذ كريم سومع، حول أول عرض من نوعه يهتم ببحيرة مار تشيكا تحت عنوان “وقع الفتحة الجديدة على التنوع البيئي ببحيرة مار تشيكا” من إعداد الطالب يونس بن الشيخ، وقد نوقش العرض يوم: 24/8/2012م، الذي انتهى بالنجاح والتوفيق، بعد هذه الإشارة أعود فأقول: إن شعره مليء بالاحتفائية بالأرض والبحيرة وشتى مظاهر الطبيعة والتدبر والتسآل، لا أقول فيه: إنه ينحت من صخر، ولكنه ينهل ويمتح من نهره الشعري المتدفق الرقراق، الذي ينبع من ينابيع كوركو، ويصب في البحيرة الصغيرة، ويفنى شعره فيها ثم ينبجس من جديد، كلما تردد الشاعر على البحيرة أو وقف بها، أو ربما ينتصر أبولو على بوصيدون ونبتون، وربما تلهمه الجنية البحرية الساكنة فيها التي لا نعرف اسمها، وهي ملهمة الشاعر الذي عليه أن يستمر في إنتاجه الشعري مستقبلا، وألا يقف متقاعسا ما دام ربحار أمزيان مستمرا، وقد تحسنت حالته بعد فتح الترعة الجديدة، وألا ينسى في المرة القادمة ذكر تلك الطيور الجميلة كالنحام أو اللواء واللقلق، والنورس والبط… إن بني أنصار فقيرة شعرا ونثرا وإبداعا ونقدا بناء… فأين شبابها وشعراؤها ومبدعوها؟ ما هذا الصمت والوجوم والسأم والملل والعقد؟. “الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء” كما قال غاندي.
وقول قيس بن الخطيم الشاعر الجاهلي:
نحن بما عندنا وأنت بما // عندك راض والرأي مختلف.
وأخيرا أرجو من الباحثين في اللغة الأمازيغية وقد استغرق بحثهم كثيرا، أن يضعوا نصب أعين الشعراء الشباب الأوزان الشعرية للنظم بها، لأن هناك تذبذبا واضطرابا من حيث الأوزان في بعض القصائد، فلا هي ميزان للابويا، ولا الشعر الحر، ولا قصيدة النثر، أو شعنثر، مع غياب عنصر الطبع والجرس الموسيقي والتعابير العذبة النميرة، وكذا إيجاد قواعد اللغة للكتابة السليمة وللنطق الصحيح الفصيح، ولنرجع جميعا إلى تعلمها، وإلا سنكون (كأضل من ضب أو أعقد من ذنبه أو إلى أن يرد الماء…).
لذلك قلت سابقا التأسيس لا التسييس، فالعلم له قواعده، والأوزان الشعرية لها قواعدها، واللغة أيضا، والسياسة لها قواعدها المعروفة عند السياسيين… مع أنها علم وفن… وكل من بحث وأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وكل من سار على الدرب وصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.