أقول الوأد مجازا، كرة القدم ليست حديثة عهد في مدينتنا، فقد مارسها القدماء منذ الخمسينيات، ومع الأسف الشديد لا نملك أرشيفا، ولا توثيقا، ولا مستندات، لنعرف ونتعرف على مسار هذه الرياضة والرياضيين، وهي ما زالت حية ومحبوبة لدى معظم شباب بني انصار الذي يتوق إلى إحداث ملعب بلدي، وإلى مركب ثقافي وقاعة للرياضات المختلفة. الوأد فعل مستهجن شنيع، وسلوك فضيح فظيع، فيه اجتراح وتبريح، بل هو عمل إجرامي موفوض مردود، لا براح أنه لا يقبله الشرع، والدين الإسلامي، والقانون، والعقل، والمنطق والعرف، والتقليد، والعادة، والأمم، والمنتظم الدولي، والجمعيات الحقوقية، والمنظمات الدولية وغيرها… فهل الوأج يفضي إلى الوأد؟، وهل الإملاق يقود إلى القتل؟ أن نقتل الفقر ونحاربه لا أن نقتل الإنسان أو ندفنه وهو حي يرزق، كما جاء في مأثورة “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، القرآن الكريم نهانا عن القتل والوأد “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطئا كبيرا” الإسراء 31، وفي التكوير “وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت”، وما ثبت عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلعم قال: “إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال” رواه البخاري ومسلم. والوأد هو دفن البنات بالحياة، وكذلك كان العرب في الجاهلية يفعلون، وقد قام بذلك قيس بن عاصم التميمي. وأد الرياضة هو وأد للحياة والحركة والنشاط والتواصل، وفي مقالة سابقة “الرياضة في مدينتي” أشرت إلى دلالة الكلمة، ورأي بعض المفكرين والفلاسفة أمثال ابن سينا، وفي هذه اليوم أريد أن أشير للتذكير إلى رأي ابن مسكويه الذي طالب بتعويد الطفل الحركة والمشي وركوب الخيل والرياضة. وأد كرة القدم هو وأد للمسرح الذي من أهدافه النبيلة الفرجة والتسلية والتهذيب والمتعة والنقد والتوجيه، فأرضية الملعب هي الركح، ومكان لوقوع الأحداث حيث الصراع والتنافس واللعب، للظفر بالكرة لتسجيل الأهداف، والحصول على نقط مشرفة للوصول إلى المراتب العليا، كرة القدم هي مسرح بدون جدران، والجدار الرابع فيها مكسور، والمتفرج هو المشارك في الحوار، كالتشجيع بالتصفيقات الحارة، والأصوات المختلفة القوية فيها جلبة وصخب وغناء ورقص، وترديد شعارات، وفيها زجل، واحتجاجات برئية، الهدف من كل هذا الترفيه والقضاء على الرتابة والملل، لا نريد لهذه الكرة الموت أو العدم كما سماها الأستاذ إسماعيل العثماني في مقالته “كرة العدم”، وهو من المنافحين عن الفريق ماديا ومعنويا وكتابة، لا نريد قطع رؤوس الشباب المنضوي تحت فريق مزوجة سبور، كما كان يقول الحجاج بن يوسف الثقفي في إحدى خطبه” وإني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها” ولكن نريد له التشجيع، لا قتل المواهب بالتقتير والشح والحرمان من الدعم، أين دعم الفريق لهذه السنة؟ المواهب في كرة القدم في الدول المتقدمة غالية وعزيزة، والكل يدافع عنها لما لها من دور اجتماعي واقتصادي وصحي وتنافسي وتواصلي وترفيهي وتثقيفي وتهذيبي.. لقد بادرت نخبة من المثقفين، ومحبي كرة القدم، والغيورين عليها، والمحسنين ببني انصار، باكتتاب رمزي للمساهمة المادية ولأجل دعم الفريق الوحيد الذي يمثل بني انصار ويكابد ويقاسي من جراء غياب الملعب البلدي والمنحة الممنوحة… وختاما أقول للذين نسوا الفريق: ما هكذا تورد يا سعد الإبل، إن مع اليوم غدا يا مسعده، والنفس مولعة بحب العاجل كما قال الشاعر: إني لأرجو منك شيئا عاجلا // والنفس مولعة بحب العاجل ولكن في بني انصار، التسويف سائر، والتماطل حاضر، وكل ما يمت بالرياضة والتثقيف والتنشيط والفن والمسرح غائب، ويحدث لنا ما يحدث للمستغيث من الرمضاء بالنار، ونام عصام ساعة الرحيل… وحالتنا اليوم الانتظار الانتظار إلى أن يريد الشطار، ولكن حذار من الغضب والانفجار، ولكن ماذا تنتظر من الذي كان كراعا فصار ذراعا، يقيم ويقعد ويقرر ويرسم ويقضي ويفتي بكلام كالعسل، ويقوم بفعل كالأسل، وكلام لين وظلم بين. إن مدينة بني انصار غنية بالمواهب الرياضية وغيرها، وهذا لا ينكره ولا يجحده أحد، ودائما نكرره ونجتره، ولكن ليس هناك آذان صاغية، وعقول واعية، تعرف قيمة الرياضة والفن، لافتقارها إلى الثقافة وكل ما يبعث على الترفيه والتنشيط، ماذا تنتظر من عقل جامد متحجر فارغ؟، لا يعبد إلا الدرهم الأبيض مخافة من اليوم الأسود والغنيمة الباردة وجبل على غريزة حب التملك، يتحين الفرص، ويتربص بالضحايا ليوقع بها شرا بعد الفلاح، لا يعرف إلا الإقصاء والتهميش والحقد والانتقام والانفصام، بهذه الصفات الذميمة لا يمكن تسيير الشأن المحلي الذي أصبح اليوم عسيرا على كل من لا يفقه حرفا، ولا يستطيع كتابة جملة صحيحة، ولا يعرف القانون، ولا يقرأ ما يكتب وما كتب، ولا يقدر حتى على تهجية الحروف والكلمات.. ولا يعرف الكوع من البوع ولا الكاع من الباع ولا الهر من البر. فماذا تنتظر من حجر أصم، وصخرة صماء، وأرض صلد، من عجب العجاب ومما يبعث على الضحك والاستغراب، ومما يندى له الجبين، أن تجد في مدينتنا فريقا كرويا بدون ملعب وبدون دعم مادي، فريق يعيش بين برحى ومرحى وأخذ ورد ومد وجزر يواجه المخاطر والمصاعب إلى حد الاستماتة لكسب مرتبة عالية والرفع من مستوى مدينته على الصعيد الوطني والجهوي، لا يعينه أحد… تقنعه العلقة وتشبعه الجزة ويضمر الغمة والكربة، رغم أنه يعيش في الغصة، ولكنه دائما ينتظر الفرجة… وكما قال الطغرائي ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…!!! وبعد العسر يأتي اليسر… وتحضرني الآية الكريمة قوله تعالى “فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى” صدق الله العظيم. إن الكتابة هي أضعف الإيمان، والسكوت ضرب من الذل والجهل أحيانا، وإن كان من ذهب، وأحيانا يكون من قصدير، “فمن قرع بابا ولج بتضعيف الجيم ولج”، والعتاب خير من مكتوم الحقد، والعتاب قبل العقاب.