هل طوت الجزائر وإسبانيا صفحة الأزمة التي اندلعت بينهما في مارس 2022 في أعقاب إعلان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مساندة بلاده خطة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، واعتبرتها الجزائر "خروجا عن الحياد" إزاء هذه القضية التي هي محل خلاف بينها والجارة المغربية؟ وهل إعادة تفعيل "معاهدة الصداقة وحسن الجوار" التي كانت تربط البلدين منذ عدة سنوات بات أمرا وشيكا؟ بدون الذهاب إلى هذا الحد، ثمة بعض المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية الجزائرية والتي تشير إلى أن العلاقة بين مدريدوالجزائر العاصمة في طريقها إلى التحسن. المتغير الأول هو تعيين الجزائر لعبد الفتاح دغموم، الرجل الثاني في السفارة الجزائرية بإسبانيا سابقا، سفيرا جديدا لها في نوفمبر 2023 بينما لم يغادر سفير إسبانيا الجزائر رغم الأزمة التي طرأت بين البلدين. المتغير الثاني هو قطاع النقل الجوي الذي عرف انتعاشا كبيرا بعدما قررت شركة الخطوط الجوية الجزائرية زيادة عدد رحلاتها من الجزائر باتجاه مدن إسبانية. فعلى سبيل المثال بعدما كان عدد الرحلات بين الجزائر العاصمة ومدينة برشلونة حيث يقيم عدد كبير من الجزائريين يقدر بأربع رحلات أسبوعيا، ارتفع هذا العدد إلى سبع رحلات. نفس الشيء أيضا بالنسبة لمدن إسبانية أخرى، على غرار العاصمة مدريد وإشبيلية... هل سيزور بيدرو سانشيز الجزائر قريبا؟ ويتوقع النائب في المجلس الشعبي الوطني الجزائري محمد هاني ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في هذه الجمعية سابقا أن العلاقات بين إسبانيا والجزائر ستتطور أكثر في قادم الأيام. وقال في حوار هاتفي مع فرانس24: "هناك رغبة ملحة من قبل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو شانشيز بالقيام بزيارة إلى الجزائر لتذويب ما تبقى من الجليد بين البلدين والانطلاق في مرحلة جديدة من العلاقات الإستراتيجية". وبخصوص تاريخ هذه الزيارة، أجاب النائب الجزائري بأنها "وشيكة جدا، ربما ستأتي في الأشهر القليلة المقبلة". هذا، وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد صرح في حوار أجراه مع قناة "أثير" القطرية أن "إسبانيا لم تكن في يوم ما عدوة للجزائر". وتابع:" طبعا توترت العلاقة معها وسحبنا سفيرنا لأننا لم نتقبل أن تعرب بسهولة عن مساندتها لخطة الحكم الذاتي للصحراء "، مشيرا أن العلاقة مع هذا البلد الأوروبي تحسنت بعد "الخطاب الذي قام به بيدرو شانشيز أمام الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي حيث أعلن تغيير موقف بلاده ب 180 درجة ليصب باتجاه الموقف الأوروبي. وهذا ما كنا نطالب به". حلحلة الملف الإسباني لأهداف انتخابية؟ من جهته، أضاف النائب محمد هاني أن "صفحة الخلافات طويت بالفعل مع مدريد. والدليل على ذلك هو أن الرئيس عبد المجيد تبون أصدر تعليمات للبنوك والشركات الجزائرية بالتعامل من جديد مع المؤسسات البنكية والاقتصادية الإسبانية، متوقعا أن تكون الخطوة المقبلة "إحياء معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين البلدين". فيما أضاف مصدر آخر رفض الكشف عن هويته لفرانس24 أن "الرئيس تبون ربما يريد حلحلة الملف الإسباني تحسبا للانتخابات الرئاسية الجزائرية التي ستجري في نهاية السنة الجارية والتي سيحتاج خلالها إلى الدعم الإسباني وحتى الفرنسي". وفي سؤال هل تأثر الاقتصاد الجزائري من القطيعة الدبلوماسية التي وقعت بين إسبانيا والجزائر، أجاب محمد هاني بنعم، مشيرا بالمقابل أن "إسبانيا هي التي تأثرت كثيرا مقارنة بالجزائر كونها هي التي كانت تصدر بضائع أكثر إلى بلدنا. لكن هذا لا يعني بأن المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين لم يتأثروا بالقطع. بل بالعكس هناك عدة شركات، خاصة في مجال البناء والخزف أو ما يسمى "بالسيراميك" فقدت أرباحا مالية كبيرة". هذا، وعدا إمدادات الغاز الطبيعي التي استفادت من عقود طويلة المدى، أوقفت الجزائر جميع التبادلات الاقتصادية مع مدريد التي كانت بدورها تصدر ما يقارب 3 مليارات يورو من البضائع إلى الجزائر قبل الأزمة بين البلدين. التقرب من الجزائر، مناورة جديدة من سانشيز؟ ويري منصف سليمي، وهو صحافي ومحلل سياسي تونسي بأن خطاب بيدرو سانشيز في الأممالمتحدة، والذي أعلن فيه أن بلاده تساند الموقف الأوروبي في قضية الصحراء، أراد منه "إرضاء فقط الطرف الجزائري والاقتراب منه. والدليل على ذلك أنه لم يتراجع عن الموقف الذي قاله في اتفاقه مع الرباط فيما يخص نفس القضية". وقال سليمي في برنامج "النقاش المغاربي" الذي تبثه يوميا قناة فرانس24 تصريحات سانشيز ما هي سوى "مناورة إسبانية لكسب الجار الجزائري". وأضاف: "أعتقد أن إسبانيا عملت خيارات استراتيجية مع المغرب، وهي خيارات لا رجعة فيها"، معتبرا أن "التوجه الإسباني نحو إعادة العلاقات مع الجزائر ما هي سوى محاولة أولى ستعقبها محاولات أخرى هدفها تقريب وجهات النظر بين الجزائروالرباط". فهل يمكن وصف التقارب الجزائري الإسباني الجديد بالشكلي؟ عن فرانس 24 بتصرف