إن كانت أمريكا قد ضربها إعصار “ساندي” مؤقت و محدود الأضرار فإن إعصار “وهبي” الذي يواجهه الأمازيغ ذو أضرار لا حدود لها.. ف”الشلح مول الزريعة” تصريح وقح أثار ردود أفعال غاضبة في شمال إفريقيا للبرلماني عبد اللطيف وهبي من الأصالة و المعاصرة لكنه لم يكن أول إساءة بذيئة بهذا الحجم من الوقاحة للأمازيغ ، فقد سبقه تصريح لرئيس الوزراء نفسه، مما يدل على أن وهبي لا ينطق عن الهوى بل عن وحي يوحى.. كما هو معلوم ، لم يدم شغف العرب بالإسلام طويلا فْاْختزلوه في اللسان و المظهر و اْستبعدوه من القلب و الممارسة ، فأصبح شغلهم الشاغل إعلاء شأن العربية و لو على جماجم لغات الشعوب الأصلية ، متناسين أن هيبة اللغات تستمد من مواقف أصحابها المشرٌفة و اْحترامهم لثقافات الشٌعوب و حضاراتهم ، ومن الإنجازات العلميٌة والخدمات الجليلة التي يقدمونها للبشرية. فالعالم يتذكر الرئيس الأمريكي عند هبوط المركبة الفضائية الأمريكية على سطح القمر قائلا :”إنها خطوة صغيرة للإنسان و لكنها خطوة كبيرة للإنسانية ” ، فالأمريكيون عكس القومجيون العرب يؤمنون بأنه لا معنى لأي برنامج يستبعد البعد الإنساني . فشعوب العالم تقدر أمريكا ليس لتفوقها في جميع الميادين فحسب بل لأنها تتسابق إلى إغاثة المنكوبين في الكوارث الطبيعية و تخلص المستضعفين و الأقليات من الديكتاتوريات العربية.. وحتى الرأي العام الدولي الذي تحضي به إسرائيل لم تحظى به سوى لأنها تمتلك شيئا تفتقده الدول العربية ألا و هو الديمقراطية. فالعربي عندهم يعامل على أنه مواطن كجميع مواطني إسرائيل، ويتمتع بحرية التعبير و المحاكمة العادلة ، و تلقي الإعلام و التعليم بالعربية لغته الأم ولا أحد يحاول أن يصادر حقه في هويته العربية ولم نسمع يوما أنه أهين من طرف رئيس الوزراء أو برلمانيا إسرائيليا.. و هذه مبادئ إنسانية لو توفرت في الدول “العربية الإسلامية” لما ثارت شعوبها و لما خاطر أبناءها بأرواحهم في قوارب الموت. . قد لا يختلف اثنان في أن التيارين الإسلامي و القومي لم يتفق ا يوما كما اْتفقا الآن على إبادة اللغة الأمازيغية لأن أهلها يعتزون بها و يميلون إليها أكثر من ميلهم إلى العربية مستندين في ذلك على قوله تعالى ” ومن آياته اْختلاف ألسنتكم ” ، و عقابا لهم على ذلك قرر القومجيون شن حرب لا هوادة فيها يقحم فيها القرآن و السنة لما لهما من تبجيل في نفوس هؤلاء “البربر”، و ذلك باستعمال التهجير الصٌامت بدفعهم إلى هجرة شخصيتهم الأمازيغية المغربية الإفريقية الأصيلة إلى الشخصية العروبية المستوردة، و إلى هجرة لسانهم إلى لسان العرب، و الذي يعتبر القاسم المشترك عند العرب مع اختلاف أديانهم و طوائفهم ، أما الإسلام فينظر إليه بعضهم على أنه عامل تفرقة يمكن التضحية به و اْستغلاله عند الضرورة .. هكذا فمن يبتغ غير العربية لغة فلن تقبل منه و هو ” كافر بها و بكم أيها العرب ، دساس عليها و عليكم ، كائد لها و لكم ، عامل على قتلها و قتلكم ” ، و رغم أن هذا العروبي لا يؤمن بمحمد (ص) فإنه يؤمن إيمانا صادقا أنه لولا القرآن الذي كتب بلسان عربي فصيح لماتت العربية ، و لهذا ينصح إخوانه العرب ، أيا كانت دياناتهم ، أن يعلٌموا ” القرآن و الحديث في كل مدارسكم و جامعاتكم و لتقوم بالفصحى ألسنتكم ، و تتقوى ملكاتكم ، و يعلو نفسكم ، و تزخر صدوركم بالحكمة ، و تشرق طروسكم بساحر البيان “.. عيب هذا الاستغلال البشع للقرآن و السنة لأغراض دنيئة و دنيوية ، و عيب منه ازدواجية المعايير حيث يحاكم البعض في “الغرب العربي” بتهمة المسيحية في حين قدم لصاحب تلك الكلمات المخجلة في مجلة “العربي” بفخر و اعتزاز على أنه ” ولد على دين النصرانية إلا أنه صاحب سيرة عروبية ناصعة .. و بموته تنقضي صفحة مشرفة من تاريخنا و تراثنا “.. قد يشفع للقومجيين المشارقة أنهم يبحثون عن اْستقرار بلدانهم و أمنها القومي و السلم الأهلي ، و لكن تبعية القومجيين المغاربة للمشارقة لا تبرير لها لأنها ٌ تشكل خطرا على الوحدة الوطنية لبلد مختلف كل الاختلاف عن بلدان المشرق العربي . فإذا كان لبنان مثلا قد وضع حدا للحرب الأهلية بتبني العروبة لكونها القاسم المشترك بين الديانات و المذاهب و الطوائف اللبنانية فإن إصرار بعض المغاربة على العروبة و التعريب في بلد أغلب سكانه ليسوا عربا فذلك ضرب من التداوي بالتي هي الدٌاء لأن المشكل عندنا هو سوء تدبير التعدد اللغوي و الثقافي. . فكما أخذت كل طائفة حقوقها كاملة في لبنان و العراق يجب على الأمازيغية أن تتمتع بحقوقها غير منقوصة وبدون منة من أحد لكي لا تتكرر مثل تصريحات وهبي العنصرية.. إنها لمفارقة غريبة أن تدار شؤون المغاربة بعقلية عروبية، و توظٌف ضرائب الأمازيغ لشراء أفلام العرب، و يدرس التلميذ المغربي لغة الشرق العربي و تاريخه عوض تاريخ المغرب و لغاته. فمن الطبيعي إذن أن ينشأ شبابنا على هيئة أجسام المغاربة و عقول المشارقة، يميلون حيث تميل رياح الشرقي، و يفتحون قلوبهم لدعوات الإرهاب، و جيوبهم للبتر ودولار القادم من الشرق من طرف أناس يعتبرون بلادنا مغربا عربيٌا و آخرون يعتبرونه إسلاميا ليجد بعض المغاربة أنفسهم بين أمرين أحدهما مرٌ . أما الأمازيغ فيجدون أنفسهم بين عملة كلا وجهيها سيان .. عملة مزورة لم تعد تساوي شيئا في سوق القيم الإنسانية. . و لكي لا نطلق الكلام على عواهنه ، نستمع لصاحبنا القومجي في إحدى غضباته العربية مهدٌدا الأقليات المغلوبة على أمرها: “و على الأقليات التي يجرحها ذكر العروبة، و يؤلمها التغني بمناقب الإسلام، واحد من ثلاثة : فإما اْعتناق دين الأكثرية، و إما الرٌحيل إلى بلد آخر”. الرجل واضح هنا وضوح الشمس. . لا مساواة و لا تسامح و لا هم يحزنون ، فإما الرضوخ للهيمنة العسكرية و الثقافية العروبية أو التهجير القسري.. فمثل هذه الدعوات و التصريحات البذيئة و التهديدات هي التي هوت بالإسلام إلى الحضيض، و قوضت أسس الإمبراطورية العثمانية الإسلامية بالتواطؤ مع أعداء الإسلام ، و تهدد الوحدة الوطنية و التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد ، و أشعلت فتيل الحرب الأهلية في لبنان ، و مهدت الطريق أمام الغزو الأجنبي في العراق ، و أشعلت فتيل الحرب في ليبيا و اليمن، و لطخت صورة الإسلام بين الأمم … و أتباع أصحاب هذه الدعوات القومجية في الإدارة المغربية هم الذين يعرقلون قطار الديمقراطية ببلادنا ، وأبقوا الأمازيغية خارج الدستور حتى الآن ، و حرموا الأمازيغ من قنوات تلفزية رغم ثقلهم الديموغرافي، و استهزئوا بهم رغم كونهم أبناء العز و الشرف، ومنعوا الحزب الديموقراطي الأمازيغي من الساحة السياسية رغم كونها تعج بأحزاب بدون رصيد من الشعبية و المصداقية. . و لكن لا مرد لقضاء القومجيين فهم في كلٌ ميدان يهيمون ، و يمزجون الدٌين بالقومٌية و العربية بالإسلام ، و يظيفون عليه الكثير من الكذب و النفاق ، و يقدٌمونه طبقا شهيٌا ، و كوكتيلا رائعا لكلٌ من تنطوي عليه حيلتهم الشيطانية ، و يصاب بانفلوينزا القومجية و يسبٌح بشعار القومجيين الخالد : ” أنا العروبة لي في كلٌ مملكة // إنجيل حبٌ و قرآن إنعام ” .