بعد حرب الآيام الستة التي توقف فيها مشوار القومجي عبد الناصر والتي إنتصرت فيها دولة إسرائيل بمساعدة سرية للحسن الثاني “حسب رواية هيكل” ، سمح الأخير في تبادل للمصالح ، بهجرة اليهود من الريف إلى الأرض الموعودة عبر فرنسا وإسبانيا إنطلاقا من مليلية التي كان يتم إدخال اليهود إليها عبر بوابة ماري واري كما يحكي أبطال العملية الذين ما يزال بعضهم على قيد الحياة، تلك الهجرة التي تعدت المليون حسب الروايات المختلفة ، ومنها هجرة اليهود الريفيون الذين سكنوا بأراضي منطقة آيث سيذال التي كانت تحت نفوذ قبيلة آيث شيشار المحدودة بمنطقة بوعرك آنذاك . فقد شاءت الطبيعة عكس الإنسان المخرب، أن تحمي في تسلسل عجيب لتطوراتها البيولوجية ، بعض من بقايا المساكن المتواجدة بين دوار أيانن وآيث ثلاث والتي عاش فيها هؤلاء الريفيون المعتنقون للديانة اليهودية ليس ردة بل توارثا عن الاجداد إنطلاقا من زمن النبي موسى والديانة اليهودية التي جاء بها، في تعايش طبيعي جدا وقتها “وحسب الروايات” لم يكن يثير أي تعصب إلى أن حل التأسلم السياسي محل الديانة الإسلامية السمحاء، والضابطة لحدود التعايش باحترام متبادل وحرية اعتقاد مكفولة بنصوص قرآنية وآحاديث نبوية واضحة . ففي الزيارة التي قمنا بها للمنطقة، وقفنا فيها على مساكن عبارة عن كهوف مازالت تحتفظ عن بنيتها وشيء من زخرفتها ، أبواب وخزانات وأسرة ومطابخ ، وحوْش أمام كل كهف مغروسة على جنباته أنواع من الأشجار تسقيها سقايات تجري من منابع مائية صخرية عذبة المياه ومنذ الأزل، توظف في عملية السقي بالقطع الأرضية المتدرجة إلى أسفل الوادي، إحدى المنابع ” ثرا نثعابشت ” قام الإستعمار الإسباني بتمديدها عبر أنابيب إلى الأسفل لتصبح ” ثرا نتيجنت ” بغية حرمان المقاومة منها ” حسب الروايات المحلية دائما “، كما وقفنا على معالم المقبرة اليهودية التي تحوي العديد من القبور التي نبشت بشكل كامل وفظيع ، اللهم إن كان الأمر يتعلق بعمل مدروس من قبل الأبناء والأحفاد الذين زاروا المنطقة في زيارة جماعية قبل سبع سنوات حسب مصادر أكدها الجيران الذين عاينوا الحدث عن قرب، بقصد جمع رفات أجدادهم المعروفة عنهم دفن بعض الممتلكات البسيطة مع رفات المتوفى الذي يحشر واقفا حسب ما صرح به أحد السكان المحليين . اليهود هنا ” يقول أحد المواطنين الطاعن في السن ” هم من إخواننا الريفيين، كانوا عمال جديين وتجار وحرفيين ، إشتغلوا بالفلاحة المتنوعة، وصناعة الخزف والأدوات، والتجارة المختلفة، فقد بنا أحدهم مخبزة بالمنطقة مازالت معالمها قائمة، ويظيف: لقد شاركوا في الحرب ضد الإستعمار ومولوا المقاومة عن رضاهم وصنعوا الأسلحة للمجاهدين ، واحتموا داخل الكهوف في الجبال مع باقي الساكنة عندما اشتد القصف الهمجي لأبطال الحضارة الغربية ” الإسبان والفرنسيين” ” رعذو نغ ” يقول أحدهم . لقد كانوا قلة وتم إضطهادهم فيما بعد ، وبالتحديد بعدما تم توطيد ورفع راية إسرائيل في الأراضي المقدسة ، ساعتها خرجوا من المنطقة مرغمين كل إلى وجهة وتركوا ممتلكاتهم عرضة للنهب، ومنها أراضيهم التي توارثوها أبا عن جد ، لقد دخلوا مليلية خلسة لأن الإسبان كانوا يوقفونهم وأحيانا يقتلونهم لأسباب سياسية طفت إلى سطح الديكتاتورية الفرانكوية . علاقة الريفيون اليهود بمنطقة وأراضي آيث سيذال ، هي علاقة إنتماء محضة مثلها مثل باقي المناطق الريفية الأخرى، ولا تشوبها أية إختلالات عبر التاريخ الحافل بالعلاقة الأخوية والعرقية واللغوية والثقافية والحضارية بين مكونات الشعب الأمازيغي الريفي إذا نظرنا إلى الأمر من المنظور الديني الذي حمل لغة الإختلاف دون سواه إلى هذا الشعب العريق، لكن ثقافة ” لكل دين وطن ” كانت الفيصل في نزوح الكثير منهم إلى هذا الوطن المنشود ، وانصهار آخرين في ديانات أخرى بعد توالي الأيام ، لتبقى حقائق ثقافية تعلل المسميات ووالاعلام مثل الاسماء العائلية التي تستند إلى الألوان في تسمياتها ومنها : أزيزاو ، أبرشان ، أزكواغ ، أشمرار ، أوراغ ، واخرى شخصية منها : لخضر ، ميمون ، مسعوذ وووو ، كما تبقى تسميات دينية ساطعة في المشهد الثقافي للريفيون اليهود كاسم المسيح ” إيشو ” واسم ” توشا ” لإحدى النساء المشهورات عند اليهود . آيث سيذال التي خاضت معارك من كل نوع وتجارب لم ولن تنتهي ، مع حركة الهجرة البشرية اللامنتهية ، والحملات العسكرية التوسعية منذ فجر التاريخ ، شاءت في كبرياء غير معهود أن تنجب أخيار رجالات النضال والمقاومة ، وأساتذة التاريخ واللسانيات وباحثين في كل مجال ، إلى جانب أطباء وتجار ورجال أعمال وجالية لابأس بها من المواطنين العاملين بالديار الأروبية . تلك أيث سيذال التي ألفت كتبا ، آيث سيذال التي ألفت روايات ، آيث سيذال التي غنت على لسان أخيار فنانيها للأمة للعزة للنخوة والرجولة ، للهوية وللتاريخ ، للمقاومة وللحرية . ” تلكم آيث سيذال لم تنل نصيبها ولو كذبا ”