كثيرا ما يتأثر مزاج وسلوك الفرد بتغير درجات الحرارة الخارجية أثناء موجات الحر المرتفعة، حيث يصبح أكثر اندفاعا في مواقف عابرة وطبيعية، كما قد يتسبب في حوادث، سواء في المنزل أو في الخارج، قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم عديدة، منها القتل. وتشرح الدكتورة سكينة يعلاوي، أخصائية الأمراض النفسية والعصبية، أن "تأثير موجات الحر على سلوك الإنسان طبيعي؛ حيث ترتفع درجة حرارة الجسم ويقوم بدوره بالمقاومة من أجل الحفاظ على درجة حرارة الأعضاء الطبيعية، مما قد ينتج عنه اضطرابات في المزاج والسلوك". وترجع الأخصائية أسباب هذه الاضطرابات إلى "أنه خلال موجات الحر، يشعر الإنسان بالإرهاق، صداع في الرأس، الشعور بالغثيان، التعرق الذي يؤدي إلى فقدان الأملاح المعدنية كالصوديوم، ما يستوجب معه الحصول على تغذية متوازنة وشرب كميات كافية من الماء". ويتجلى تأثير موجات الحر في سلوك الفرد؛ إذ ينتج عما سبق، حسب الأخصائية ذاتها، "عصبية المزاج، الإحساس بالإرهاق والتعب، ضيق الخاطر، عدم تجاوز مشاعر الإحباط، واضطرابات في النوم، وبالتالي يصبح الشخص انفعاليا ومندفعا في أبسط المواقف، مما يصعب معه تجاوب الفرد مع الآخر". وتضيف أن "الضغط الخارجي، المتمثل في الازدحام المروري وضغط الوصول إلى العمل في الوقت المناسب، يشكل عاملا إضافيا إلى جانب موجات الحر في اضطراب سلوك الانسان". وتنادي الأخصائية نفسها ب"محاولة حماية العديد من الفئات التي تكون أكثر عرضة لاضطرابات في السلوك ككبار السن، الأطفال الرضع، المرأة الحامل، الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة، العمال الذين يضطرون إلى العمل تحت أشعة الشمس، ومن يعانون من الأمراض العقلية لاتباعهم أدوية تجعل ذواتهم تجف، وكذلك ذوي الإعاقة". ومن أجل تفادي تأثير موجات الحر على سلوك الفرد، يستحسن "حمل حقيبة صغيرة مخصصة لهذا الغرض تحتوي على رشاش للماء لتبريد الوجه، مروحة يدوية لتبريد الجسم وقنينة ماء، مع ارتداء الملابس الخفيفة، لاسيما القطنية التي تساعد على امتصاص العرق وتحافظ على رطوبة الجلد، مع محاولة تقليل الأنشطة الرياضية"، توصي الأخصائية. إلا أنه مع كل هذه الاضطرابات التي تسببها موجات الحر، يظهر جانب إيجابي لمنافع الحر على جسم الإنسان لا يتم الحديث عنه غالبا. في هذا الإطار، تقول الدكتورة هيبة بلمودن، أخصائية في التغذية العلاجية واضطرابات الأكل والتغذية: "أثناء موجة الحر، يقوم جسم الإنسان من تلقاء نفسه بعملية تنظيم درجات الحرارة، ويتجلى ذلك أولا من خلال إفراز الماء لتبريد الجسم، وهو ما يعرف بعملية التعرق. ثانيا، التنفس بطريقة سريعة لإخراج بخار الماء. ثالثا، توسيع الأوعية الدموية من أجل خفض درجة الحرارة على مستوى الجلد. وبهذا، فالجسم يلعب دور منظم الحرارة لتستقر درجة حرارته في حدود 36.5 درجة مئوية". وبالحديث عن منافع الحر على جسم الإنسان، تعتبر الأخصائية عينها أن سكان مدينة مراكش، على سبيل المثال، يعتبرون محظوظين على الرغم من موجات الحر التي تشهدها المدينة والتي تصل إلى 50 درجة مئوية، إلا أنها تعتبر حرارة جافة، ولهذه الأخيرة منافع كإخراج كافة سموم الجسم من خلال التعرق، وتحسين حركة الأوعية الدموية، ما يساعد في تحسين أداء عضلة القلب، استرخاء عضلات الجسم وتحفيزه على التقليل من التوتر. ومع ذلك، تحذر الأخصائية من التعرض لأشعة الشمس مباشرة ولمدة طويلة، وتنصح بالبقاء في أماكن الظل، واللجوء إلى الاستحمام بالماء البارد من أجل خفض حرارة الجسم. وتؤكد أن "فئة كبار السن ومرضى السكري والقلب والمرأة الحامل يظلون معرضين للخطر؛ إذ يمكن أن يتعرضوا خلال موجات الحر إلى فقدان الوعي أو الموت لا قدر الله". وقدمت الأخصائية نفسها ثلاث نصائح من أجل تفادي ارتفاع درجة حرارة الجسم، تتمثل الأولى في تناول خضروات وفواكه تحتوي على نسب كبيرة من الماء وتعتبر مثالية للحفاظ على رطوبة الجسم وتعويض السوائل في الجسم، من قبيل "الخيار" الذي يحتوي على نسبة 97% من الماء، الطماطم 95%، "الكرافس" 92%، "الدلاح" 96%، "الخس" 95%. النصيحة الثانية تتعلق بشرب كميات كبيرة من الماء عبر جرعات؛ ذلك أن كلى الإنسان تقوم بتصفية نصف لتر من الماء كل نصف ساعة، وهو ما يستدعي شرب حوالي 3 لترات على مدار اليوم، وليس في جرعة واحدة. وتهم النصيحة الثالثة تفادي أو تقليل التوابل في الأكل، خصوصا الملح والتوابل اللاذعة، لما تنتجه من إحساس بالعطش.