البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    نهضة بركان يدك شباك النادي القسنطيني الجزائري برباعية نظيفة    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    الربيع الأمازيغي يُوحّد الشعارات ويُقسّم الساحات.. احتجاجات بالرباط ومراكش تندد بتهميش اللغة والهوية    الامارات تحتضن مهرجانا يحتفي بالقفطان المغربي "عبر الزمن" بحضور مصممين دوليين    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    رشق بالحجارة داخل مدرسة .. مدير ثانوية في العناية المركزة بعد هجوم مباغت بطنجة    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العداء للمهاجرين في أوروبا...الخبز اليومي لليمين المتطرف
نشر في الرهان يوم 26 - 11 - 2010

بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.
بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
------------------------------------------------------------------------
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا جمال ريان
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.