*ذ: صبري الحو روائي وباحث أكاديمي وبالإضافة إلى ذلك فقد برع في الصحافة بلغتين أو أكثر، اهتم بالثقافة فأنشأ مركزا للدراسات أطلق عليه اسم طارق، إسوة بالقائد الأمازيغي الذي غزى الأندلس طارق بن زياد ،تلمس طريقه بين المثقفين والصحفيين وعرف عنه فصاحة في اللسان و هدوءا في إلقاء المحاضرات، هكذا عرف عنه على الظاهر. زميل الملك محمد السادس ورفيقه في الدراسة وبالإضافة إلى ذلك فأهله من تافيلالت وأخواله الأمازيغ تقاطعات وعوامل مشتركة بالإضافة إلى الكفاءة والرغبة في انفتاح القصر لربما شجعت الملك بعد توليه العرش صيف 1999أن يسند إليه منصبا مستحدثا : الناطق الرسمي باسم القصر . بداية الرجل مع السلطة السياسية هو ذلك التعيين بالرغم من سابق عمله في السفارة المغربية بواشنطن ،عهد الحسن الثاني، فكان الانقلاب الصعب من مركز المثقف المستقل اللامع إلى مثقف تابع مجبر على إتباع الطقوس و مفروض عليه حساب الكلمات و قراءة الحركات والسكنات ، علاوة على كون التعيين أثار غيض مجموعة من الأقطاب والأذرع المحورية من النفعيين المحيطين بالملك ، لما يسلط المنصب من ضوء على صاحبه والتصاق دائم بالقصر و بدائرة صنع القرار واطلاع على خفاياه وأسراره . فكان ما كان وكانت لهم الغلبة فتدحرج الرجل وانتزع منه المنصب، ليس لتلعثم في إلقاء البلاغات الرسمية، فهو فصيح وخطيب بل لمآرب أخرى صنعها المساهمون والمشاركون والضالعون في إبعاده ، وبرر ذلك في خطاب مسوق في حينه بحاجة الملك لأصدقائه والموثوق بهم لخدمة رعاياه في أقصى و عمق البلاد وسطها وشرقها وجنوبها. فعين أوريد واليا على ولاية مكناس تافيلالت . وبقي القصر دون ناطق باسمه إلى الآن. و قد اعتبر ذلك التعيين لأعدائه بمثابة المرآة المنكسرة والمجهر الذي يظهر ويعكس عيوبه ، فكان لهم ما يريدون ويصبون إليه ، فقد أضحى مرمى قاذفاتهم من كل صوب وحدب بقصد وسوء نية مبيت، ليقينهم صنع المستحيل المطلوب منه وإظهار المعجزة في منطقة كانت بقرة حلوبا لعقود أربع ، فلم يجد من بد لتدشين سعادة ساكنة مكناس والقفز بذكاء عن عمق الهوة وتجدر مشاكل المنطقة غير إظهار تواضعه و الاهتمام بالموروث المشترك ، من خلال استعمال المساحيق للتغطية عن التجاعيد، فسعى لإبراز جمالية المدينة، واهتم بترميم الجدران والأبراج والمآثر، كما اعتنى بالثقافة والمثقفين بما فيه الثقافة الشعبية بتشجيع المهرجانات المحلية وإحيائها ودعم الإبداعات، فالعين بصيرة واليد قصيرة والإرث ثقيل. إلا أن الرجل، الذي رضي بقدره واعتقد أن بعده عن المركز سيخلصه من تأويل الحركات والسكنات، وبين مراقب من بعيد و متوجس خوفا في المركز من العودة القوية له واصطدامه محليا باللوبي المكناسي وتعليمات فوقية لتضييق الخناق على العدالة والتنمية التي كانت لها رئاسة مجلس المدينة، قيل ما قيل ثانية من ذرائع وكان ما كان، فأقيل الرجل من منصب الوالي ، ليمر بفترة فراغ عين بعدها مؤرخا للمملكة ، وقيل عن ذلك التعيين وعلى إثره برغبة المخزن في إعادة كتابة تاريخ المغرب لما اعتراه من بتر وتزييف ونقص واهتمام بتاريخ السلاطين دون الشعبي وتعتيم طال مرحلة ما قبل الإسلام وبالضبط تاريخ الممالك الأمازيغية ، لكن سرعان ما انتهى التعيين وانتهى معه الالتزام مع السلطة على ما يبدو؟ ،فعاد الرجل من حيث أتى . فحق لنا ولكل خارج عن المحيط أن يتساءل هل أبعِد فعلا ؟ و إن تم فبإيعاز مِن مَن؟ و لماذا؟ أم هل أبعد بإرادته الشخصية والتمس الإعفاء من المهمة؟ لكون صاحب أعلى المهمات سبق أن طلب الإعفاء وبقي مكلفا بالمهمة.؟؟ في الجواب مزيج من ذا وذاك ، فمن جهة توفرت لديه الرغبة في لعب دور ما؟ عن طريق استخدام الموارد الرمزية التي يمتلكها المثقف في سبيل تحقيق غايات معينة ، لربما لم يتمكن من تحقيقها ، إذ نلمس الندم و عدم الرضا الداخلي في كتاباته لربما لما آل إليه الرجل من مثقف يؤمن أن من المهام الجوهرية للمثقف الملتزم بدوره هو إعمال النقد الفكري والاجتماعي لكسر القوالب المعرفية النمطية السائدة في ثقافة ونظام مجتمعه وتقديم البدائل في سبيل تغيير الواقع الاجتماعي بكل تركيباته والدفع به نحو الأفضل. وبين إحساس بالوحدة والتواجد في محيط تسود فيه فئات تتصارع فيما بينها من أجل ضمان المصلحة الفردية والشخصية بموازاة البقاء ، وهو ما قد نستشفه في جواب أوريد على رشيد نيني على صفحات جريدة الصباح بتاريخ 2 مارس 2011 العدد 3386 في معرض تعقيبه عما نشره عنه في عموده شوف تشوف"... هم بنعيسات(نسبة إلى وزير الخارجية السابق بنعيسى) آسي رشيد ، وقد آنسوا فقري الروحي وضعف السند. وتلك قصة تطول....كنت فقيرا فغلبتني خفافيش الظلام....لن تعرف يا سي رشيد الأجهزة معرفتي بها. ولن تعرف البنية الذهنية للقيمين عليها. فهم يقومون بعمل لا مندوحة عنه في دواليب الدولة..... وهم إلى ذلك براغماتيون." أكيد، أن أوريد لم يجد من سند يستقوي به داخل دواليب السلطة ، وإلا كيف يفسر تدحرجه من أعلى المراتب و المهمات إلى أذناها وفي زمن قياسي، فكانت القصة الأولى مع سفير المغرب بأمريكا بنعيسى ، الذي اختلف معه وغادر عمله ثم من داخل القصر وهو ناطق رسمي باسمه وسرعان ما أبعد وعين واليا على مكناس تافيلالت وغذاته وبعد فترة فراغ مؤرخا للمملكة، لم يباشره أبدا ، دون أن ينجو من الكاسر الذي يطارده . لا مراء أن لغزا يحيط بالمطاردة المثيرة . إنه بكل بساطة سر إحساس المرء بالذات والوجود ، التي تحتم عليه في ظروف طبيعية أن يكون فاعلا ايجابيا ومنتميا أصيلا في محيطه و من موقعه بما يحمله من تراكم ثقافي ومعرفي ، فوجد أوريد نفسه فجأة يسبح ضد تيار جارف فعاش صراعا داخليا مع الذات و صراعا مع أجهزة الدولة التي تحاول تجريده وسلبه كل شيء بما فيه خصوصيات الذات الإيجابية والحس الحقيقي بالانتماء للوطن ، الذي لا يستثني أحدا ويتساوى فيه الجميع ، لتجعل منه أداة لاستمرار وضع يرعى فيه مصالح شخصية ضيقة - لا تقوم طبعا أمام المصلحة العامة – لفئة و ثلة لا تعترف سوى بالأنا وفوق أية محاسبة على الأقل آنية ومحلية. واليوم ،وقد رضي الرجل بما آل إليه وجرد أو استقال من كل مسؤولية وعاد أدراجه ، وبدأ يتلمس طريقه ويبحث عن السند والعضد الذي لم يجده من داخل المحيط وصار يبحث عنه خارجه وفي المربع الأول ،وبالضبط مع المجتمع المدني ، يظهر له توا من يذكره بالكاسر، الذي يتعقبه ، و الذي توهم أنه تخلص منه في سؤال واضح ودقيق طُرح عليه يوم 28 أكتوبر 2011 بمدينة لاهاي الهولندية بخصوص صمت سلطة الدولة و كل مؤسساتها إزاء ما ورد في رسالة أحمد بن الصديق حول الفساد المستشري في أعلى مستويات السلطة ومدى إمكانية دمج توقيعه مع المطالبين بفتح تحقيق بخصوصها لكشف الحقيقة و تفعيل المحاسبة و الإنصاف؟ أحد قواعد الدولة الديمقراطية الحقيقية. لم يجد أوريد من سبيل ووسيلة لاتقاء تبعات و عبء الجواب ودرء عواقبه عليه غير اشتراطه صدوره من صاحب الرسالة أحمد بن الصديق الذي خلع بيعته للملك احتجاجا على صمت كافة المؤسسات في قضية هي أكبر بكثير من المظلمة الشخصية نظرا لأبعادها السياسية و الأخلاقية والمؤسساتية، وها هو أحمد ابن الصديق لم يتأخر عن السؤال وتحقق الشرط، ومعه تحققت شروط وأركان الالتزام القانوني بعد الأخلاقي، الذي يفترض فيه الجواب مباشرة على السؤال في وقته ولسائله ، إلا أن حسن أوريد ورغم وعده المحفوظ بالصورة والصوت، لاذ بالصمت إلى الآن، فهل يضاف صمته إلى قائمة الصمت المطبق للآخرين بما فيه صمت المؤسسات؟ إن في سكوت وإحجام حسن أوريد عن الجواب بيان لا يحتاج إلى تفسير، فالرجل يعرف الكثير عن أولئك البراغماتيين، الذين سماهم بخفافيش الظلام وداخله وقاد و قلمه رهيب ، لكنه لا زال أسير التزام حفظ السر فهو القائل أنه يتحفظ عن زج ما هو ملك للدولة من أسرار تكون...في سجال ،" واستطرد "... ولأنه يؤمن"... بأخلاقيات الدولة وهيبة الدولة وحرمة مؤسساتها.." نفس جوابه السابق على نيني. فأين واجب المواطنة لديه في فضح الفساد.؟ من أجل إدارة رشيدة وحكامة جيدة. وقد يفسر تريثه عن الرد ميسرة يستجمع من خلالها القوة و الجرأة الكافية و انتقاء المكان والزمان المناسب لينازلهم جهارا، عندها قد يحرق المراكب ويلقي بخطبة لن تقل حماسة ووقعا عن خطبة طارق بن زياد، فنكون له جنودا على صهوة أو مشاة . وعلى أية حال ومهما يكن من أمر السؤال، الذي أخرس أوريد، فإننا نؤمن أنه وأحمد بن الصديق ضحايا كواسر الفساد والعملات الرديئة، التي تطارد وتغتال الكفاءات لتبقى وحيدة تصنع المثقفين على مقاسها وتخضع الكفاءات لإرادتها والسياسيين لمشيئتها والمجتمع المدني لأهوائها والإصلاح على وتيرتها و أنانيتها وترى المستقبل بمنظار معكوس، يظهر لها باقي أفراد المجتمع صغارا أقزاما غير جديرين بأي شيء. فيا ليت السي أوريد يتشجع ويستعجل فيجيب، ليكون وفيا بوعده ومنسجما مع ضميره و مع مسؤولية وواجب المثقف الوطني الأصيل ، و عندها سيجد كل المجتمع المدني بكافة أطيافه وألوانه وتجلياته عضدا وسندا وفيا له و لأحمد ابن الصديق ،كيف لا وهما يشتركان في طلب المحاسبة، فأوريد يعلن صراحة "... أن لا أحد فوق المساءلة في ما يضطلع به من مهام، ولست(أي أوريد) فوق المساءلة، وفق شروط موضوعية ومهنية..". وأحمد ابن الصديق يطالب بمحاسبته على وفي ادعائه صحة ثبوت ما تم الكشف عنه من قضايا الفساد ، التي تشكل خطرا حقيقيا ومحدقا بصحة وحياة المواطنين وتنقص من حقوقهم وحرياتهم ،نعم نحن المجتمع بأكمله في حاجة إليهما وإلى أمثالهما فلنساندهما ونؤازرهما قبل أن ينتهي بهما الأمر لاجئين بالغربة ونشقى لزيارتهما أو مغتالين فيكون ثرى لحدهما مجهولا وممنوعا عن الترحم و الزيارة ، فهي نهاية كل عصي أبي عن الخنوع والترويض والمذلة. ولو دفع له الذر والعسجد. و للتذكير فعندما اقترح ابن الصديق على الملك تخليد ذكرى 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس سنة 2008 و اغتنام الفرصة الاستثنائية لإبراز معالم الحضارة المغربية الأصيلة، وضع في مستهل الطروس الأولى لتقديم المشروع، وفي صيغته الأصلية قبل أن يتم قرصنته و تزييفه، الجملة الآتية والمعبرة عن هوية المغرب الأصلية الأمازيغية وتوليفتها التعددية الحالية :"يمثل هذا الحدث لحظة حاسمة من تاريخنا حيث يرمز إلى بداية الامتزاج والتلاحم بين الأصول الأمازيغية والإسهامات العربية. وأدى الانسجام بين هذين المقومين الأساسين إلى تشكيل مغرب قوي بوحدته وغني بتنوع شخصيته وتعددها." وحين طلب الديوان الملكي من أحمد ابن الصديق، حسب ذكره اقتراح أسماء لشخصيات آنس فيها الأهلية القمينة لمنصب المندوب السامي للمشروع، اقترح ثلاثة أسماء، من بينها حسن أوريد، دون معرفة شخصية مسبقة منه به ، في مقابل معرفته باهتمامه بالحقل الثقافي وبالشأن الأمازيغي و مقاربته المعتدلة لمسألة الهوية، إلا أن الاسم تم إقصاءه ، كما تم إقصاء الاسمين المقترحين الآخرين، و أفل من المشروع نجم الثقافة و مقاربة الهوية والحضارة لسطع نجم المال والأعمال ممثلا في السيد سعد الكتاني، ثم انتهى الأمر بإقصاء منبع الفكرة وصاحب المشروع ابن الصديق نفسه رغم تعيينه من طرف الملك. و عند تنفيذ الصيغة المزيفة الفاشلة من المشروع تم إقصاء اللجنة الوطنية التي كان السيد أوريد عضوا فيها و إقصاء الوطن بأكمله و إقصاء كل من لا يتكلم لغة البيزنس، و استقدم السيد الكتاني مديرا تنفيذيا جديدا للمشروع هو السيد محمد شهيد السلاوي القادم من المجموعة المالية الماجيدية أونا ONA و مديرة للتواصل السيدة نادية الفاسي الفهري القادمة كذلك بالصدفة من أوناONA و بعد ذلك أصبحت مديرة عامة لشركة اللوحات الإشهارية الماجيدية المعروفة FC COM. فهل يحتاج الأمر لتوضيح أكثر من هذا المفضوح؟ يا لطيف؟؟؟؟؟ و في الأخير،نرجو أن يخرج مثقفونا جميعا عن صمتهم وقوقعتهم درءا لانطباق هذه الأبيات الشعرية التي قالها ابن الصديق نفسه : و إنْ تبحَثْ عن العُقلاء تَتْعَبْ * و يعصِفُ بالتفاؤلِ الاستياءُ يطالعُك الخطابُ بألفِ وعدٍ * و حين الحسمِ ينكشف الغطاءُ فتسألُ أين وعْدُكمُ أجيبوا * يُجيبُك الاضطراب والالتواءُ و تسألُ هل لذِمّتكم وفاءٌ * يُجيبك مَن سألتَ وما الوفاءُ و تسألُ أنتَ تسْخرُ من ذكائي * يُجيبك يا مُغفَّلُ ما الذكاءُ و تسألُ مَنْ بأيديهمْ قرارٌ * يجيبك في المصارحة العناءُ و تسألُ قد سمعتَ فلا تُراوغ * يجيبك في المراوغة البقاءُ و تسألُ و الكرامة ُيا صديقي * يُجيبُك لمْ يعُد لي أصدقاءُ فتمضي حائرًا يا ويح قومي * هل لسقامنا يوما وقاءُ أ وَقْرًٌ عَطَّل الأسماعَ مِنّا * ورَان على بصائرنا غِشاءُ أًصُفِّدتِ المفاهمُ في قيودٍ * و لم يكفِ الخديعةَ الاستلاءُ لئنْ تهجرْ معاجِمَها المعاني * فلن يَبقى لأقلامٍ غِذاءُ و ما ذنبُ الحداثة أثخنوها * و هل يُخفِي الجريمةَ الاختفاءُ و هل سَلْب الإرادةِ صار فرضاً * و خلف السِّترِ يَقبعُ أذكياءُ و ما حَسْبُ المبادئ من جحودٍ * و هل قَدَرُ القواعد الازدراءُ و إنْ تلُمِ المواطنَ عن عزوفٍ * فقد قُطِعَتْ مع النخبِ الرِّشاءُ مكناس 17 نونبر 2011 *محامي بهيئة مكناس [email protected]