شاءت الصدفة الماكرة أن يأتي حسن أوريد إلى كرسي مؤرخ المملكة العلوية، خلفا للراحل عبد الوهاب بنمنصور، من مدينة مكناس، التي كان فيها واليا على الجهة، وهي نفس المدينة التي مر منها مؤرخ الدولة العلوية أبو القاسم الزياني صاحب «الترجمانة الكبرى»، الذي تولى منصب خليفة السلطان على المدينةالإسماعيلية، في عهد اليزيد بن محمد. مصير مشترك بين الاثنين بعد أكثر من نصف قرن من الزمن، مرت فيه أحداث كثيرة وجرت فيه مياه تحت الجسر. جاء تعيين أوريد خلفا لبنمنصور، الذي توفي في نوفمبر من العام الماضي، تتويجا لرحلة قادته من المعهد المولوي، حيث كان زميلا للملك محمد السادس أيام كان وليا للعهد على مقاعد الدراسة، إلى ناطق باسم القصر الملكي إثر تولي الملك الحكم في يوليوز من عام 1999. وبخلاف ما راج حول إعفائه من منصبه كوال على جهة مكناس تافيلالت في يناير الماضي، حيث تم تفسير الإعفاء بأنه نوع من العقاب على أخطاء قام بها، جاء التعيين هذه المرة كنوع من التشريف لابن الرشيدية، الذي تأتمنه الدولة العلوية منذ اليوم على تاريخها. فبعد الانتظار طيلة تسعة أشهر، منذ إعفائه من على رأس جهة مكناس تافيلالت، عاد أوريد لكي يتوج بثالث منصب يحتله في عهد الملك محمد السادس. وبعدما كان اللسان الناطق باسم القصر في بداية عهد الملك الحالي، سوف يصبح اللسان الناطق باسم تاريخ الدولة العلوية ككل. مصادفة التقائه مع أبي القاسم الزياني تسندها مصادفة ثانية، فالرجل يجمع في جبته بين الأصول الصحراوية والأصول الأمازيغية، المكونين الرئيسيين لكيان الدولة. فقد ولد بمدينة الرشيدية عام 1962، في قلب الصحراء الشرقية، وفي عام 1988 عين مكلفا بالدراسات بوزارة الشؤون الخارجية من 1988 إلى 1992، خلال عهد عبد اللطف الفيلالي الذي كان على رأس الوزارة، ثم مستشارا سياسيا بسفارة المغرب بواشنطن من 1992 إلى 1995، فمدرسا بالمدرسة الوطنية للإدارة وكلية العلوم السياسية بالرباط من 1995 إلى 1999، قبل أن يتم تعيينه إثر ذلك ناطقا باسم القصر الملكي، ليعين في عام 2005 واليا على جهة مكناس تافيلالت. عرف حسن أوريد في المحيط المقرب من الملك محمد السادس بأنه واحد ممن أدركتهم حرفة الأدب وجرثومة الثقافة، لذا عندما عين ناطقا باسم القصر رأى فيه البعض صورة للفرنسي أندريه مالرو الذي قاد وزارة الثقافة في عهد الجنرال دوغول، وخلط بين الثقافة والسياسة بدقة عالية، ونجح في الموقع الذي يفشل فيه الكثيرون عادة. أنشأ مركز طارق بن زياد ليكون منتدى ثقافيا وعلميا، وأراده أن يتخذ له اسما من فاتح الأندلس الذي مزج في شخصيته بين البعدين العربي والأمازيغي، وكانت تلك إشارة إلى طموح أوريد في أن يجعل من المركز ملتقى بين الثقافتين ويصالح بين ثقافتين تشكلان وجهين لعملة واحدة، أمام زحف خطاب تمييزي يمتح من السياسة أكثر مما يعترف بالانصهار الثقافي الواقع تاريخيا. ووقف أوريد وراء دعم الإشعاع الجديد لموسم إملشيل الشهير الذي يقام سنويا، وعرف ب«موسم الخطوبة»، حيث أراد مركز طارق بن زياد الخروج بتلك الاحتفالات من النمطية التي عرفت بها لكي يكون له إشعاع أوسع، في أفق إخراج تلك المنطقة من الهامش. وبسبب خلفيته الثقافية وتجربته داخل المركز اختير عضوا في اللجنة التي أشرفت على وضع مشروع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وقاد مفاوضات مع الجمعيات الأمازيغية لقبول المشروع. وبخلاف العديد من الأسماء المتواجدة في المحيط الملكي، من زملاء الدراسة، بقي حسن أوريد الوحيد الذي لا يتيح للقلم أن يستريح. فهو علاوة على كونه قارئا نهما للإنتاجات الفكرية والثقافية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، كاتب متعدد المواهب والاهتمامات، كما يشارك في ملتقيات وطنية ودولية تدخل في مجال اهتماماته. ولديه روايتان هما «الحديث والشجن» و«صبوة في خريف العمر»، وأكثر من كتاب بينها «الإسلام والغرب والعولمة» و«تلك الأحداث»، كما ترجم كتاب «الفكر السياسي في إيران» من الإنجليزية إلى العربية.