يبدو أن القدر يأبى إلا أن يجعل «الطائر الصغير»، وهو المعنى الأمازيغي للإسم العائلي لحسن أوريد، يحلق بعيدا في سماوات البحث والتنقيب في أعماق الثقافة والتاريخ والتأريخ. ولعل تعيينه مؤخرا كمؤرخ للملكة جاء لتثبيت قدميه في هذا الاتجاه الذي يحتاج لا محالة لرجل تجتمع في شروط الشخص المثقف اللامع، الواسع المعرفة، المطلع خير اطلاع على تاريخ البلد، الفاهم لدواليب السياسة وأسرارها، والأهم من كل ذلك أن يكون مصدر ثقة ورمزا للاستقامة. انبعث طيف حسن أوريد من قلب الجزء الشرقي من الصحراء المغربية، وبالضبط من منطقة الرشيدية، من أب صحراوي وأم أمازيغية، ومكنته نجابته المتميزة ونباغته المبكرة من استرعاء اهتمام مدرسيه والمقربين منه، حيث وقع عليه الاختيار للاتحاق بالمدرسة المولوية للدراسة إلى جانب ولي العهد آنذاك، الملك محمد السادس. وجوده في حلقة المقربين من الملك، جعلت هذا الأخير يدرك إمكانات حسن أوريد العلمية وملكاته الإبداعية وقدراته التواصلية المتميزة. واستمر تحليق أوريد في سماء العلم ليتوج ذلك بمناقشة أطروحته للحصول على الدكتوراة في العلوم السياسية في موضوع ليس من السهل تناوله فبالأحرى معالجته بالبحث والدرس والتحليل، ويتعلق الأمر بموضوع «الخطاب الاحتجاجي للحركات الإسلامية والأمازيغية في المغرب». ومن هنا تفتقت موهبته كرجل مثقف لا يجد ضيرا في الخوض في أمور السياسة والنبش في كواليسها، ولم لا معالجتها. وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تقلد أوريد منصب مكلف بالدراسات في وزارة الخارجية من 1988 إلى 1992، ومنصب مستشار سياسي بسفارة المغرب بواشنطن من 1992 إلى 1995، ثم منصب مدرس بالمدرسة الوطنية للإدارة وكلية العلوم السياسية بالرباط من 1995 إلى 199. ولم يمض وقت طويل على تولي الملك محمد السادس زمام الحكم في المغرب حتى أسند إليه مهمة فريدة على مستوى ربط العلاقة بين القصر والشعب، حيث سيصبح أوريد أول ناطق رسمي في تاريخ المملكة العلوية باسم القصر الملكي. وساعده في ذلك إلمامه بثلاث لغات هي العربية والفرنسية والإنجليزية، إلى جانب لغته الأم الأمازيغية. ولقبه البعض حينها بلسان الملك، في حين أن آخرين تخوفوا من ضياع أوريد المثقف في خضم المشاغل السياسية. ورغم أنه لم يعمر طويلا في ذلك المنصب، إلا أن لم يبتعد عن عالم السياسة ومشاغلها، إذ سيتحمل هذه المرة مسؤولية القيام بمهام والي جهة مكناس تافيلالت. وهنا أيضا ستزداد مخاوف المثقفين من خسارة أحد رجالهم، لكنه سيؤكد لهم عكس ذلك من خلال إصدار رواية «الحديث والشجن»، التي اعتبرها البعض سيرته الذاتية، للتلوها بعد ذلك رواية أخرى بعنوان «صبوة في ربيع العمر»، قبل أن يأتي بديوان جديد وقعه مؤخرا بعنوان «فيروز المحيط». مع تعيين أوريد مؤرخا للملكة خلفا للراحل عبد الوهاب بنمنصور، تلاه طلبه بالإعفاء عن مهامه على رأس مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث الذي أسسه بنفسه، ليتفرغ للمسؤوليات الجسام التي يتطلبها منه منصبه الجديد. والأكيد أن من ضمن تلك المسؤوليات إعادة هيكلة جهاز التأريخ، حيث يرى المتتبعون أن التركيز ظل دوما منصبا على تاريخ السلاطين والملوك، واحن الوقت لصياغة قراءة جديدة لهذا التاريخ من خلال تضمينه «التاريخ الشعبي» للملكة. ومن هنا ينطلق «الطائر الصغير» مجددا ليفرد جناحيه ويحاول نفض الغبار جزء من التاريخ المشترك لكافة مكونات هذا الوطن، ويمد من جديد جسور الود بين المغاربة وتاريخهم.