الكاتب والصحافي منتصر حمادة نقصد بحركات وأحزاب "الإسلام السياسي"، مجمل الحركات الإسلامية التي تبنت خيار الانخراط في اللعبة السياسية الشرعية/الرسمية، ولا نقصد الحركات الإسلامية الدعوية، من قبيل جماعة "الدعوة والتبليغ"، أو الحركات الإسلامية "الجهادية"، من قبيل تنظيم "القاعدة". من يتأمل طبيعة الحراك العربي الراهن، سيخرج لا محالة بصعود ملفت للتيار الإسلامي في شقه السياسي، من ذوي النزوع السلفي، إلى درجة أن محمد المغراوي، الشيخ السلفي المغربي، يوجه الدعوة إلى أتباعه من التيار للتسجيل في اللوائح الانتخابية، والتصويت، على الحزب "الأكثر قربا من الله"، وواضح من المعني بالحزب الأكثر قربا من الله، أو كما قال الشيخ، بالرغم من التعاليم/الأخلاق القرآنية صريحة في عدم تزكية النفس: "فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى" (سورة النجم، الآية 32..). تبدو الأمور أكثر بداهة وقلقا في مصر وتونس وسوريا، حيث أصبح "الإخوان" برأي المراقبين، هم "الرقم الصعب وهم الحزب المنظم وهم المستفيد الأكبر من اهتزاز شجرة الأنظمة الحاكمة، وهم من يلتقط الثمر المتساقط من هذه الشجرة المهتزة". لم يتأخر رد فعل الإخوان أو الفرع السوري للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين عندما اعترف رياض الشقفة، مراقب الجماعة هناك، أن هناك بدائل كثيرة للنظام إذا ما رحل، وفي مقدمتهم "الإخوان" بالطبع. في مصر، نطق "المسكوت عنه"، عبر لسان صبحي صالح، العضو الإخواني (الإسلامي الحركي) في لجنة تعديل الدستور، عندما أكد أمام الملأ أنه لا يعترف ب"وجود مسلم ليبرالي أو علماني"، وأن الجماعة برايه "جايين جايين.. قاعدين قاعدين"! وعندما أثير نقاش محتشم على هامش دلالات هذه التصريحات السياسية والمترجمة لمشروع الجماعة هناك أرض الكنانة، جاء الرد حافلا بالشفقة، عندما أكد أنه كان "بيهزر" (يضحك)، دون التدقيق في طبيعة المعنيين وضحايا هذا "الضحك السياسي المثير للرعب". ماذا عنا هنا في المغرب؟ معلوم أن هذه الأرض الطيبة تضم لائحة من التفرعات الإسلامية الحركية، من أقضى "الاعتدال"، إلى درجة التماهي "الشكلي" مع الخطاب الديني الرسمي (بعد أن غزت العديد من الأسماء السلفية والإخوانية المجالس العلمية المحلية)، إلى أقصى التطرف، ومنذ بضع أسابيع، خصصت أسبوعية "الوطن الآن"، محورا هاما عن المنطقة الجغرافية المغربية التي تضم أكبر عدد من المتشددين الإسلاميين في الساحة. ضمن هذا الطيف الإسلامي، وبالنسبة للمعنيين بالانخراط في اللعبة السياسية، أمامنا نموذجان اثنان: حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المعترف به، وجماعة "العدل والإحسان" غير المعترف بها رسميا؛ الأول، يكاد يكون حزبا يمينيا دينيا، وفي أحيان كثير أقرب إلى حزب إداري، حيث كانت مكالمة هاتفية من وزارة الداخلية تكفي صانعي القرار شر كثرة التدخلات، كما جرى على عهد الراحل عبد الكريم الخطيب، ونعتقد أن مجرد انهماك قيادات وقواعد الحزب في العمل السياسي اليومي، والانصياع لمقتضيات التفرغ للمناصب والعلاقات.. يجعل من الحزب حزبا إداريا كباقي الأحزاب الإدارية، مع الإبقاء على ذلك الرأسمال الرمزي الذي يفيد الشيء الكثير في الاستحقاقات الانتخابية: "المرجعية الإسلامية". بتعبير آخر، من السهل التعامل مع الحزب الإسلامي المعترف به، بخلاف الأوضاع معه جماعة "العدل والإحسان"؛ نقول هذا ونحن نتأمل تطورات الميدان مع قلاقل حركة 20 فبراير ودخول الجماعة على الخط منذ أشهر؛ ونحن نطلع على تصريحات عن بعض قواعد الجماعة، تدعو إلى القلاقل، قبل أن تصدر تصريحات مضادة عن الناطق الإسلامي باسم الجماعة، مفادها أن هذه الأخيرة، تنبذ العنف والتطرف.. نقول هذا أيضا، ونحن نسمع شعارات في مظاهرات من يُفترض أنهم محسوبون على جماعة "20 فبراير" ترفع شعارات: "زنكة نزنكة.. النظام لازم ينهار"، ونشاهد في شريط فيديو آخر، عملية طرد نشاط من حركة "20 فبراير" أمام الملأ العدلي.. دون سواه! الفتنة نائمة، وبعض الشعارات العفوية لمواطنين في هذه المدينة أو تلك، والمنددة بحسابات مسيرات "الجماعة" و"النهج" و"شباب 20 فبراير"، تُترجم بامتياز معنى "نوم الفتنة" التي يحلم البعض بإيقاظها، لإقامة مهدوية أو خلافة أو إحياء ممارسات جوزيف ستالين.. الفتنة نائمة، فاتركوها كذلك.. والله أعلم.