يشكل تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، إحدى الأولويات والأوراش المهمة في مجال تحديث الإدارة. ويحظى بأهمية وطنية كبرى لتطوير جودة الخدمات العمومية، من خلال تحقيق الفعالية والمرونة الواجب توافرها في كل عمل إداري، فضلا عن أدواره في دعم شفافية العلاقة بين الإدارة والمرتفقين وتحسين مناخ الأعمال. لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، صادقت بالإجماع على مشروع القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، كما جرى تعديله من قبل اللجنة. ويتوخى النص القانوني، الذي يتضمن 11 بابا و33 مادة توضح العلاقات بين الإدارة والمرتفق، إدخال تحسينات هامة على المساطر والإجراءات الإدارية لصالح جميع فئات المرتفقين وتحفيز الإدارة لخلق جو ملائم للتنمية ولتحسين جاذبية الاستثمارات. تنويه ولكن.. في هذا السياق، نوّه محمد المودن، أستاذ االتعليم العالي في القانون الإداري، بمشروع القانون، معتبرا أن سيساهم إذا تم نشره في ضمان الشفافية وتيسير الولوج للخدمات الإدارية و النجاعة والفعالية والسرعة والجودة، "خاصة وأنه صدر في شكل قانون يضمن الإلزامية وضرورة احترامه من طرف الجميع"، مبرزا أن الإدارة بهذا القانون "ستصبح أمام تحدي أساسي يتمثل في جعل المرتفق في صلب اهتماماتها ذات الأولوية بالشكل الذي يتماشى ومشروع النموذج التنموي المأمول". واعتبر الأستاذ الجامعي في تصريح لموقع القناة الثانية، أن بعد صدور هذا القانون، ستكون الإدارة ملزمة بتأهيل مواردها البشرية من أجل أجرأة وضمان تنزيل مقتضياته حتى تضمن تحقيق الأهداف المرجوة منه، خاصة أن القانون وضع العديد من الالتزامات على كاهل الإدارة لصالح المرتفق، أكثر من ذلك، يضيف المتحدث: "قدم المشروع عددا من الضمانات للمرتفق في حال إخلال الإدارة بالتزاماتها، لا سيما مسطرة تقديم الطعون الإدارية ومبدأ اعتبار سكوت الإدارة بمثابة موافقة ما لم تنص النصوص التشريعية على خلاف ذلك". وحول ما إن كان تأطير عمل الادارة العمومية بناءً على مرجعية محددة، سيساهم في القطع مع بعض الممارسات والسلوكات السلبية، أبرز المودن أن القانون "سيساهم في الحد من تصرفات بعض المسؤولين الذين كانوا يتخذون من غموض المساطر الإدارية، ستارا لبعض التصرفات المشبوهة والممارسات السلبية، بالشكل الذي يرجع للإدارة مصداقيتها وتحسين جاذبية الاستثمار وبالتالي النهوض بالتنمية الاقتصادية". في المقابل، أكد المودن أنه مع ذلك فالنصوص القانونية "ليست وحدها الكفيلة بحل مشاكل الإدارة وتعقد مساطرها"، كاشفا أن المشكل في الأساس هو "مشكل عقليات وعادات متجذرة ينبغي تغييرها في أذهان الموارد البشرية العاملة بالإدارة، هذا مع العمل على تاهيلها وتخليقها وتحسيسها بأهمية وغايات تبسيط المساطر، في إطار إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة". إيجابيات وإشكالات مطروحة وفي سياق متصل، أشار المتحدث أن من أجل ضمان إلزاميتها واحترام مقتضياتها، يتم لأول مرة تقنين تبسيط المساطر الإدارية في شكل قانون، موردا أن هذا "يأتي تفعيلا للخطاب الملكي السامي سنة 2018 بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد"، كما أبرز أن مشروع القانون "جاء بتدابير الجديدة لتبسيط المساطر الإدارية، ومن تم تحديث الإدارة، لإعادة بناء الثقة بين الإدارة والمرتفق لا سيما المستثمر وتحسين جاذبية الاستثمار وجلب الرساميل الأجنبية". وفي جوابه عن سؤال حول دور هذه الإجراءات في تحسين جاذبية الاستثمارات والمساهمة في تنزيل الاوراش الكبرى التي انخرطت فيها الدولة ، قال إن المساطر بالشكل الواردة قواعده في المشروع "سيكون له اعظم الأثر بعد صدوره في الجريدة الرسمية على الاستثمارات؛ إذ سيعزز مصداقية الإدارة مع المستثمرين، والقطع مع الرشوة واستغلال النفوذ، ودعم الشفافية من خلال تحديد الوثائق والآجال اللازمة للحصول على الخدمات والتراخيص والقرارات". "رقمنة المساطر والإجراءات المتعلقة بالقرارت الإدارية والمصاريف المرتبطة بها واعتماد الشباك الوحيد ومبدأ التدرج في الحصول على الوثائق والمستندات اللازمة للحصول على هذه القرارت"، يضيف الأستاذ المتخصص في القانون الإداري "كلها إجراءات كفيلة بتقريب الإدارة من المستثمرين، مع إحداث بوابة وطنية توفر المعلومات المتعلقة بالمساطر والإجراءات الإدارية تمكن المستثمرين من اطلاعهم عليها عن بعد دون الانتقال إلى الإدارة المعنية". "غير أن هناك إشكالات تطرح على مستوى التنسيق بين بعض المصالح المتدخلة أفقيا من إدارات عمومية وجماعات ترابية لاتخاذ قرارت استثمارية" يقول المودن: "خاصة مع اعتماد الشباك الوحيد وما يترتب عنه من وضع مخاطب وحيد ومسؤول وحيد ووثيقة موحدة امام المستثمرين بالنظر لارتباط فعالية المراكز الجهوية للاستثمار بوتيرة عمل باقي المتدخلين الآخرين في العملية الاستثمارية ". وفي ختام حديثه، شدد المتحدث أن أهم إشكال يتمثل في تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري؛ ففي ظل عدم إصدار التصاميم المديرية للاتمركز الإداري لحد الساعة التي تقضي بتحويل سلطة اتخاذ القرارت إلى المصالح اللامتمركزة، إذ أن المزيد من التأخر في إصدارها من شأنه إبطاء فعالية قانون تبسيط الإجراءات الإدارية في ظل استمرار سيطرة المركز على سلطة القرار" على حد تعبيره.