وأنت تفتح هاتفك الذكي أو حاسوبك المحمول تستقبلك في كل مرة وحين إشهارات وعروض لعلامات تجارية وطنية وعالمية، وقد تلاحظ هذا بكثرة فقط في شهر نونبر من كل سنة. صور وفيديوهات تبث على الأنترنت بألوان مميزة وواضحة وبأسلوب بصري يشد انتباه المتلقي بهدف الضغط على الزر للاكتشاف.. إنها بكل بساطة مناسبة "البلاك فرايداي" أو "الجمعة السوداء". وتعود تسمية الجمعة السوداء إلى القرن التاسع عشر، حيث ارتبط ذلك مع الأزمة المالية لسنة 1869 فى الولاياتالمتحدة والذي شكل ضربة كبرى للاقتصاد الأمريكى، حيث تكدست البضائع وتوقفت حركات البيع والشراء مما سبب كارثة اقتصادية فى أمريكا، وكان الحل عن طريق عدة إجراءات منها إجراء تخفيضات كبرى على السلع والمنتجات لبيعها بدل من كسادها وتقليل الخسائر قدر المستطاع. ومن ذلك اليوم أصبح تقليدا فى أمريكا، حيث تقوم كبرى المتاجر والمحالات والوكالات بإجراء تخفيضات كبرى على منتجاتها تصل إلى 90 بالمائة من قيمتها لتعود بعد ذلك إلى سعرها الطبيعي بعد انقضاء الجمعة السوداء. وبدأ تداول اسم الجمعة السوداء للمرة الأولى في سنة 1960 على يد شرطة مدينة فيلاديلفيا، ولذلك لوصف الاختناقات المرورية الكبيرة وتجمهر العملاء أمام المحلات خلال هذا اليوم المعروف بالتسوق. في السنوات الأخيرة، بدأت المحلات التجارية الكبرى والشركات المغربية تسير على خطى الموجة العالمية وباتت تخصص تخفيضات مهمة لجذب المستهلكين لشراء منتجاتها؛ وتحل جمعة هذه السنة في 29 نونبر. الباحث المتخصص في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، يرى أن تعريف "البلاك فرايداي" هو وسيلة للتأثير على سلوك الشراء عند المواطن. واعتبر أن هناك العديد من الأمور الأجنبية باتت دخيلة على الثقافة المغربية تم استيرادها والتي لم تقتصر فقط "البلاك فرايداي" وإنما أيضا مفاهيم أخرى لها علاقة بعيد الحب و"الصولد" أو التخفيضات. "هناك تغييرات في علاقة المجتمع المغربي مع طريقة الاستهلاك حيث انتقل من السوق بمفهومه الشعبي إلى البقال مرورا بالمساحات الكبرى وصولا إلى الاقتناء بالمناسبات" يقول المتخصص في علم الاجتماع في تصريح لموقع القناة الثانية، مشيرا إلى أن هذه المراحل هي تفرض نفسها مادام أن المغرب قد نهج قانون تحرير السوق. وأبرز، أنه "عند حلول مثل هذه المناسبات يكون هناك زخم في الاشهارات وخصومات كبيرة لعدة منتجات؛ لذلك تختار الشركات التجارية تطبيقات الهواتف الذكية من أجل غرض تتبع المستهلك، وبالتالي هذا الأسلوب يشكل ضغطا نفسيا على المستهلك واستيلابا لتفكيره من أجل دفعه إلى الشراء"، يقول بنزاكور، ثم أضاف، أن المستهلك يصبح من حيث لا يشعر يستجيب لمغريات تلك الاشهارات ويقتني المنتوج، وبعد ذلك قد يندم على شرائه أو يكتشف أنه ليس في حاجة ضرورية له، وبالتالي يسقط في فخ الاستهلاك الزائد عن المعقول". إلى جانب الآثار النفسية، هناك آثار مالية أيضا لسلوك الاقتناء غير الإرادي، حيث أن عدد من المستهلكين يلجؤون إلى الاستدانة لتغطية باقي نفقاتهم، يوضح ذات المتحدث، ثم مضى مواصلا: " من الأمور التي لا ينتبه إليها الكثيرون أن البلاك فرايداي يكون عادة في آخر شهر من السنة، وبالتالي تكون هذه العروض وسيلة لتفريغ المخزون على حساب الأغبياء" على حد تعبيره. ومضى ذات المتحدث قائلا: "المستهلك المغربي يبحث دائما عن ما يصطلح عليه بالهمزة، فهو يفضل شراء الأشياء لأنها رخيصة أو مخفضة الثمن وليس لأنه في حاجة إليها"، مضيفا، أن "بعض العلامات التجارية الكبرى الأجنبية التي ولجت إلى السوق المغربية استوعبت عقليات الاستهلاك لدى المغاربة من أجل ذلك وضعت يوما في الأسبوع قصد طرح منتوجات تقول إنها شملتها تخفيضات تصل إلى أكثر من 70 بالمائة". دعيا في نفس السياق، المستهلك المغربي بأن يستحضر ذكاءه قبل الاقبال على شراء منتج معين من خلال عروض التخفيضات. ووجه الباحث المتخصص في علم النفس الاجتماعي نصائحه إلى المستهلك بالقول: أولا "لا يجب الإقبال على الشراء إلا أن إذا كان المنتوج يجسد كلمة الهمزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ ليس فقط في الثمن ولكن أيضا في الحاجة إلى استغلالها"، ثانيا، أشار إلى ضرورة التحقق من جودة المنتج ومقارنته مع مثيله بالسوق قبل اتخاذ خطوة الشراء، بحسبه دائما، فإن العلامات التجارية تطرح عرضا محدودا في العدد وتستغل عامل الوقت لإجبار الزبون على الشراء بأقصى سرعة على المنصات الإلكترونية. من جانبه، قال الطيب أعيس، الخبير المالي والاقتصادي، إن سياسة "البلاك فرايداي" تدخل في إطار علم التسويق الرقمي أو "الماركوتينغ ديجيتال" والذي تطور بشكل كبير على المستوى الشركات العالمية، والمغرب انخرط بدوره في هذا الركب. وأضاف أعيس، في تصريح لموقع القناة الثانية، أن "ثقافة "الجمعة السوداء" هدفه هو تشجيع الاستهلاك وتحريك الرواج التجاري، وبالتالي تمكين الشركات من رفع رقم معاملاتها، وبطبيعة الحال فإن هذه الأخيرة تحقق ربحا في هذه العروض رغم تخفيض ثمن بيع السلع". وقال ذات المتحدث، إن "عددا من الشركات توجد لديها سلع لم تبع طيلة السنة، ولهذا فإن "البلاك فيراداي" يكون الفرصة المناسبة لهاته الشركات للتخلص منها"، ثم زاد مفسرا: "على الرغم من بيعها بأثمنة مخفضة، فهي تحقق ربحا مضمونا، عكس أن تظل تلك السلع في المخزون، وبالتالي هي كساد وخسارة للشركة". وفي نفس السياق، عاب أعيس، الشركات المغربية بأنها استوردت نموذج الماركوتينغ الرقمي الأجنبي ولم يتم تنزيله وتلبيسه وفق مقاص الثقافة المغربية، متسائلا: أنه "في الغرب أطلق عليه الجمعة الأسود، لكن لما لم يُغير بالجمعة الأبيض حسب رمزية اليوم عند الثقافة العربية؟ ". وشدد الخبير الاقتصادي والمالي، على أن التسويق الرقمي هو قطاع ماض في المستقبل بأن يزدهر أكثر فأكثر بتزايد الاقبال على الشراء أونلاين، وأرجع ذات المتحدث سبب ذلك إلى عصر السرعة وأن المستهلكين لم يعد لديهم الوقت الكافي للتنقل إلى الأسواق من أجل التبضع بحكم مشاغل الحياة.