جلالة الملك محمد السادس يترأس جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        أخبار الساحة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواسم التخفيضات.. أكذوبة «الصولد» التي تتكرر كل سنة
نشر في المساء يوم 07 - 01 - 2016

بعض المحلات حجبت السعر الأصلي وبعضها الآخر رفع منه والأخرى خفضت 10 دراهم من أغلب معروضاتها في جو يطبعه التحايل والخداع والنصب على المستهلك، الذي أوغل في تبضع كل ما خفض ثمنه. على مدى أشهر، زارت «المساء» أشهر المحلات التجارية الكبرى والمتوسطة المتواجدة بالدار البيضاء، في جولات استطلاعية عدة، عاينت خلالها الأسعار واستقت شهادات المستهلكين المغاربة، من أجل الوقوف عند حقيقة التخفيض في الأسعار، خصوصا تلك التي تتراوح نسبتها ما بين 50 و70 في المائة، لتتوصل في نهاية المطاف، إلى أن تخفيضات الأسعار، لا تتجاوز في حقيقتها تخفيضا بدراهم تتراوح ما بين 10 و50 درهما كأقصى تقدير، وبحسب شهادة الكثير من المستهلكين المغاربة.
في الطريق إلى مجمع «أنفا البلاص» التجاري، على متن سيارة أجرة كبيرة، تهمس فتاة عشرينية أكثرت من التأنق والتجمل في أذن مرافقتها بلكنة بيضاوية أصيلة، بأنها فترة التخفيضات، وعليهما محاولة الظفر بحقيبة أو حذاء جيدين بثمن مناسب، «راه دايرين الصولد، خاصنا نشريو تا حنا هاذي هي الفرصة». الجملة التي تداولتها العشرينيتان، يتداولها أغلب البيضاويين فيما بينهم، حيث لا حديث في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من السنة الماضية 2015، سوى عن تخفيضات رأس السنة، معتبرين أنها فرصتهم التي طال انتظارها من أجل اقتناء منتجات بأثمنة جد مناسبة.
الحج الأكبر.. الغنيمة
بعد الوصول إلى المجمع التجاري، بدا وكأنه قد تعرض لهجوم شرس من طرف الأسر المغربية، فالحركة هنا غير عادية، إذ يدب في مختلف أرجاء المحل، المئات من المواطنين المغاربة، الذين حجوا إلى هذا المجمع، في تجمع يشي لك خلسة بأنه الحج الأكبر، الذي يقوم به المغاربة للمحلات التجارية الكبرى، خلال مواسم التخفيضات، من أجل اقتناء معروضات بأثمنة مناسبة: إنها فترة الصولد التي تثير شهية المغاربة للتبضع وتهيجها، وتدغدغ رغبتهم في الحصول على منتجات بأقل الأثمان، خصوصا بالنسبة لتلك التي تتراوح نسبة التخفيض فيها ما بين 50 و70 في المائة.
معاينة على مدار أشهر

قبل أشهر من الآن، زارت «المساء»، بعض المحلات التجارية الكبرى بمدينة الدار البيضاء، في زيارات عدة، من أجل الوقوف على أثمنة بعض المعروضات بها، خاصة الألبسة والأحذية والحقائب، باعتبارها الأكثر إقبالا، وذلك من أجل معاينة الأثمنة قبل الصولد وبعده، وخلال معاينتها لأثمنة الأحذية الرياضية، في أحد أشهر المحلات المخصصة للأحذية ذات الثمن المتوسط، بلغ ثمن الحذاء الرياضي الواحد 229 درهما، وهو الثمن الذي ظل عليه لمدة قاربت 6 أشهر. في السياق نفسه، زارت «المساء» بعض محلات الألبسة، التي تتسم بكونها تتناسب نوعيا، مع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، والتي يتراوح ثمن القميص بها ما بين 200 و300 درهم فما فوق. فيما يصل ثمن سروال الجينز في الماركات المتوسطة، ما بين 100 و200 و300 درهم للسروال الواحد، مع اختلاف أثمنته بحسب المنتج والمنتوج، إذ يتجاوزه في الماركات العالمية المشهورة بكثير.
بعد التخفيض.. الخدعة الزائفة
بعدما عاينت «المساء» أسعار الملابس والحقائب والأحذية على مدار أشهر، عادت بعد فترة التخفيض، لتقارن الأسعار الجديدة، ونسبة التفخيض بها. ولجت «المساء» إلى أكثر المحلات التي تشهد تهافتا منقطع النظير على معروضاتها، نتيجة إشهارها للافتات تفيد تخفيضها الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 50 و70 في المائة. بالرغم من ذلك، ومن خلال معاينة الأثمنة والجودة، تقول إحدى السيدات المتبضعات، بأن أثمنة بعض الملابس والأحذية لا تتناسب وجودتها البتة، حيث إن نوعية الملابس ليست بقدر الثمن حتى بعد التخفيض، الذي قيل عنه إنه قد بلغ سقف 70 في المائة. ملاحظة هذه السيدة كانت في محلها، وتدل على عين الصواب، حيث إن أغلب المعروضات التي خفض ثمنها، كانت خريفية وصيفية، أكثر منها شتوية، بجودة تتجه نحو الرداءة بكثير، لكن رغم ذلك، أقبل عليها المغاربة المتبضعون بالكثير من اللهفة، الكل يتسابق من أجل الحصول (في اعتقاده) على نصف هدية، يدفع ثمن نصفها الأول، فيما يهديه المحل نصفها الثاني، في عملية تجارية يطلق عليها «الصولد». من خلال أثمنة بعض الملابس، التي سبق ل»المساء» أن عاينت أسعارها، في جولات البحث في ماهية «الصولد» وحقيقته، توصلت إلى مجموعة من الاستنتاجات، حيث إن أغلب الملابس التي يرغب المستهلك في اقتنائها لم يطلها أي تخفيض ولو بنسبة 25 في المائة، بل ظلت محافظة على أثمنتها الأصلية، بالرغم من موسم التخفيضات. وفي الجانب الآخر من معادلة «الصولد»، وقفت «المساء»، عند أثمنة بعض المعروضات التي سبق لها وأن عاينت ثمنها في جولات سابقة، أن الثمن ظل نفسه، ولم تتغير سوى تلك البطائق الحمراء أو الصفراء التي تلصق على المنتج، بدعوى أنه قد تم تخفيض ثمنه، بنسبة 50 أو 25 أو 70 في المائة. المثال هنا من بعض الحقائب المدرسية، التي كانت تباع قبل أزيد من أربعة أشهر من الآن، بمبلغ 130 درهما، ليصبح ثمنها بعد التخفيض 130 درهما، ولم تتغير سوى تلك البطاقة التي تحدد السعر الجديد ونسبة التخفيض، في خرق سافر للمصداقية والشفافية، ولتتحايل على المستهلك/الضحية، الذي لسذاجته وجهله بالأثمنة الأصلية ورغبته في الاستفادة من عروض التخفيض، لا يتوانى عن اقتناء كل ما وضعت عليه تلك العلامة الحمراء أو الصفراء التي تشير إلى أن المنتج قد تم تخفيض ثمنه، دون البحث في ماهيته. غادرت «المساء» محل الملابس، واتجهت إلى محل قريب منه، يتخصص في بيع الأحذية النسائية بمختلف تلاوينها وأشكالها وأنواعها، والذي سبق لها وأن عاينت أثمنته على مدار أشهر، بهذا المحل، كان ثمن الحذاء الرياضي يبلغ قبل التخفيض، 229 درهما، والذي تم تخفيضه بنسبة 50 في المائة. هنا في الوهلة الأولى، يبدو أن كل شيء على ما يرام، لكن بعد أن تكتشف أن السعر بعد التخفيض بنسبة 50 في المائة قد بلغ 145 درهما، تتساءل، هل هناك خلل في العملية الحسابية لتخفيض بنسبة 50 في المائة، إذ أن الثمن بعد التخفيض، يجب أن يكون 114 درهما، عوض 145 درهما.
لكن بعد سؤال المكلفين بالبيع، ومعاينة السعر الأصلي، تبين أن العملية الحسابية صحيحة مائة في المائة، والسبب في الاختلاف بين الثمن الأصلي وثمن التخفيض بنسبة 50 في المائة، يعود في أساسه إلى أن سعر المنتج بعد التخفيض، انتقل من مبلغ 229 درهما، إلى 290 درهما، وهنا في عملية حسابية، تنبني على تخفيض بنسبة 50 في المائة، فإن المستهلك يقتني المنتج بسعر 145 عوض 114 درهما، وبذلك، فإن المستهلك هنا، لم يوفر سوى 84 درهما، عوض توفيره ل114 درهما، وذلك بسبب أن السعر الأصلي تم رفعه مقارنة مع السعر قبل التخفيض. والحقيقة هنا، أن المستهلك المغربي لم يستفد أي شيء، بل قد تعرض لأشبه ما يقال عنه بالخديعة والاحتيال من قبل المحل التجاري، إذ إنه عوض أن يقتني المنتج، بتخفيض 50 في المائة، أي بثمن 114 درهما، اقتناه بثمن 145 درهما، ليضرب بذلك المحل، حقيقة التخفيض التي أعلنها علانية لزبائنه، عرض الحائط.
العجب كل العجب
في المحل ذاته، راقبت «المساء» حركة المتبضعين داخل المحل، وفي إحدى زواياه، جلست إحدى الأمهات، تحاول البحث عن مقاس ابنتها، حيث إن الحذاء بدا لها جيدا، بعدما جربته ابنتها ذات 15 ربيعا، سألت عن ثمنه، فأخبرتها المكلفة بالتسويق، أن ثمنه يبلغ 215 درهما، فسألتها، «بشحال كيبقى بعد التخفيض»، لتجيبها البائعة، بأن سعره بعد التخفيض أصبح 215 درهما، مقابل 430 درهما قبله.
هنا تفاجأت الأم، وكانت صدمتها لا تصدق، وكرد فعل على استنكارها للثمن، وضعته من يدها مباشرة وغادرت وهي تستشيط غضبا، فسألتها «المساء» عن سبب عدم اقتنائها للحذاء، لتجيب، أنه قبل أقل من شهرين، كان ثمن الحذاء لا يتجاوز 229 درهما، وأصبح بعض التخفيض بثمن 430 درهما «الحماق هذا، الله يمسخهم إلى كاين شي صولد». هنا تؤكد الأم ل»المساء»، أنها سبق واشترت حذاء لابنتها من المحل نفسه، بعد التخفيض الصيفي بأقل من 120 درهما، لتشير أن فترة التخفيضات تعرف رفع الثمن الأصلي بشكل واضح، مستغلين في ذلك، تصديق المستهلك لحقيقة زائفة يطلق عليها الصولد. هنا، جابت «المساء» بعض المحلات التجارية، ودخلت إحدى الماركات العالمية، لتفاجأ بأن ما تم تخفيضه لا يعدو كونه ملابس صيفية، لا تصلح للارتداء في الوقت الحالي. أي أنه يتوجب على المستهلك انتظار سنة بحالها، ليرتدي ما اشتراه من تخفيضات رأس السنة، حيث يتعلق الأمر بتخفيضات طالت غالبيتها العظمى، الفساتين النسائية الصيفية، والتنانير القصيرة، وبعض الأقمصة، التي يستحيل أن يرتديها أحد قبل حلول فصل الصيف، وهي المعروضات نفسها التي تم تكديسها، في شكل يوحي «بشبه احتقار» لمتبضعي الصولد، حيث وضعت بشكل لا يحترم أساسا المستهلك، خصوصا إذا ما قارنا ما بين طريقة عرضها وطريقة عرض الملابس ذات السعر الأصلي. وإلى جانب كون هذه الملابس لا تتناسب والفصل الحالي وعرضت بطريقة تحتقر المستهلك، فإن نسبة التخفيض فيها، رغم أنه تم وضع لافتات تشير إلى أنها قد بلغت سقف 70 في المائة، إلا أنها كانت بعيدة كل البعد عن هذه النسبة، كما أنها تعد ملابس قد ولت فترة اعتبارها موضة رائجة. في سياق التخفيض، تهمس سيدة لمرافقتها قائلة، «بشحال هذا الفستان بعد التخفيض، تجيبها مرافقتها بأنه أصبح بسعر 250 درهما، تستغربان معا الثمن، قائلتين و»لعجب هذا، ليه بشحال كان ثمنو قبل التفخيض». وفي غمرة تساؤلهما، تضعانه وتنصرفان صوب محل آخر، فيما تقبل مجموعة مهمة من المتبضعين المغاربة، على اقتناء الألبسة التي طالها التخفيض، دون البحث أكثر في ثمنها الأصلي، أو نسبة التخفيض التي طالتها، أو حتى جودتها وموضتها. غادرت «المساء» مجمع «أنفا بلاص»، على وقع امتعاض بعض المتبضعين وتذمرهم من أكذوبة «الصولد»، وعلى وقع إقبال آخرين بنهم على كل ما تمت الإشارة إلى تخفيضه، وقررت التوجه في يوم آخر إلى المركز التجاري «موروكو مول»، من أجل البحث أكثر في حقيقة الصولد، التي تشهرها بعض المحلات المتواجدة بهذا المجمع التجاري.
حجب السعر الأصلي.. وتخفيض لا يناسب الذوق العام
في الشق الآخر من بحثها، توجهت «المساء» إلى «موروكو مول»، رفقة إحدى الراغبات في التبضع، مستخدمة في إحدى الشركات بالبيضاء، لا تتجاوز ربيعها 24، تمشي بدلال وتغنج مبالغين، بوجه تتمازج فيه الكثير من تقنيات التجميل، من أحمر شفاه وأحمر وجنتين، وكحل والكثير الكثير، بما جادت به قريحة صانعي الجمال وبائعيه. ولجت سليمة، بمشيتها المتغنجة، إلى المدخل الرئيسي للمركز التجاري «موروكو مول» وكلها رغبة ونشوة في الظفر بملابس جيدة بثمن منخفض، وهي التي ادخرت منذ أشهر لتغتنم فرصة موسم التخفيضات. بدأت سليمة جولتها في محلات المول، الواحد تلو الآخر، خصوصا تلك التي أشهرت لافتات التخفيض، بنسب تبدو جيدة من الوهلة الأولى. دلفت إلى أحد محلات الأحذية النسائية، تفحصتها الواحد تلو الآخر، واتجهت صوب الرفوف التي تتضمن أحذية خفض ثمنها إلى النصف، تمعنت فيها جيدا، وبحثت في أصل الأثمنة، 500 درهم، ثمن هذا الحذاء النسائي، فسألت المكلف بالبيع، إن كان ثمنه قبل التخفيض أو بعد التخفيض، ليجيبها البائع، أن ذاك الحذاء يباع بسعر 1000 درهم، لكن بعد التخفيض بنسبة 50 في المائة، أصبح سعره 500 درهم. وقت تفوه البائع بما قال، رسمت سليمة على محياها الموغل في الأنوثة والماكياج، علامات تفيد استغرابها من الثمن، ومباشرة، وضعت الحذاء من يدها، وصارت تبحث عن الأحذية ذات السعر المنخفض، الذي يقل عن 500 درهم، بالنصف أو 40 في المائة. لكنها في رحلتها تلك، كانت كذاك الذي يبحث عن شيء أضاعه وسط شاطئ من الرمال. «هاد الشي غالي، لا حذاء يقل ثمنه عن 500 أو 600 درهم»، تتساءل سليمة، أو ليست هذه فترة التخفيضات». غادرت سليمة هذا المحل في اتجاه محلات أخرى، متخصصة في بيع الأحذية وحقائب اليد، دخلت محلا قريبا من المحل الأول، أشهر هو الآخر لافتة تخفيض بنسبة 50 في المائة، فبحثت هذه المرة في الحقائب، هنا كانت الحقائب مزودة ببطائق بلون أحمر متناهية الصغر، كتب عليها ثمن معين، فسألت البائع، عن فحوى الثمن، كي لا تقع ضحية عدم فهمها لتقنية التسويق. كان البائع ودودا، أخبرها أن الحقائب التي تحمل البطاقة الحمراء الصغيرة، تتضمن الثمن بعد التخفيض بنسبة 50 في المائة، بينما الحقائب التي لا تتوفر على تلك البطاقة الحمراء، فإن ثمنها أصلي ولم يخفض. وهنا تفاجأت سليمة بشكل أكبر، فالحقائب التي تم تخفيضها بنسبة 50 في المائة يصل سعرها بعد التخفيض ما بين 300 و450 درهما للحقيبة الواحدة، «هذه الحقائب ليست جيدة، موضة متقادمة، بإمكاني اقتناء أجمل وأجود منها، من محلات عادية».
عاينت «المساء» الأثمنة مثلما عاينتها سليمة، لم تكن تتناسب وما عرض أبدا، فالحقائب لم تكن تبدو حديثة الموضة ليدفع الزبون لقاءها مبلغ 300 و400 درهم. فعين الزبائن على الحقائب التي لم يخفض ثمنها الأصلي، لكونها ذات طراز حديث ويروق للجميع، عكس ما خفض ثمنه. غادرت سليمة هذا المحل، في اتجاه محلات ملابس أخرى، لتلاحظ الأمر نفسه يتكرر في أغلبها، فالحقائب والملابس والأحذية الجيدة لم يخفض ثمنها البتة، في حين الملابس التي لا يقبل عليها الزبون تم تخفيضها، «الحاجة لي كتعجب باقا هي هي، لم يطلها أي تخفيض، بينما تلك التي تنفر منها النفس، قد تم تخفيضها بنسبة 50 في المائة». وفي رحلتها للبحث عن التخفيض والجودة، دلفت سليمة إلى محل آخر، يتخصص في بيع الملابس، خصوصا المعاطف الشتوية، هنا تفاجأت بكون الأثمنة التي وضعت لا تتضمن الثمن الأصلي قبل التخفيض، في خطوة مماثلة أقدمت عليها أغلب المحلات، والمفاجأة الثانية، أن الثمن تجاوز بعد التخفيض ثمن 1000 درهم بأشواط كثيرة، وهنا سألت «المساء» سليمة، إن كانت ستقتني أحد هذه المعاطف، فردت «هذه المعاطف من موضة قديمة، كما أنها لا تستحق هذا الثمن، حتى بعد التخفيض، هؤلاء لا يفهمون معنى التخفيض، لا يفهمونه البتة».
أعربت سليمة عن تذمرها من أسعار التخفيض، وقررت الرحيل عن هذا المكان، خاوية الوفاض، دون اقتناء أي غرض، نتيجة ما وصفته بالثمن المرتفع حتى بعد التخفيض، الذي طال ما لا يروق للمستهلك، خصوصا ذاك الذي يبحث عن الجودة والموضة والسعر المناسب، وكأن هذا الثلاثي، يستحيل جمعه في معادلة ما يعرف ب»الصولد». ما عاشته سليمة من بحث عن معروضات جيدة بثمن مناسب، عاشته شابة عشرينية قدمت من مدينة فاس، من أجل الاستفادة من عروض التخفيض، لكنها غادرت المركز الكبير، دون اقتناء أي غرض، بنفس أسباب عزوف سليمة عن التبضع، متذمرة من ارتفاع الأسعار، وعدم تناسبها وما يعرض، «مكاين لا صولد لا والو، صاك ممزيانش، ب300 و 400 درهم، بينما ظل سعر الحقائب الجيدة التي راقتني بثمنها الأصلي، الحماق هذا، أنا شخصيا أرفض اقتناء حقيبة أو حذاء أو معطف بثمن قيل عنه إنه قد تم تخفيضه بنسبة 50 في المائة، لكنه لا يتناسب لا مع ذوقي، ولا مع ذوق العديد من المستهلكين المغاربة، فبعض المعروضات لا تستحق ثمنها حتى بعد التخفيض». الفتاة التي قدمت من مدينة العلم والثقافة، صوب مدينة التجارة والاقتصاد، غادرت هي الأخرى المركز التجاري «موروكو مول»، وكلها تذمر وامتعاض من إيهام المستهلك بأكذوبة اسمها «الصولد»، الذي ينتفي في أغلب المعروضات التي تروق للمستهلك، بينما يبقى مختفيا ومحجوبا مع سبق الإصرار والترصد في بعض المعروضات المخفضة.
تخفيض لم يتجاوز 10 دراهم
في إحدى المحلات المتواجدة بشارع محمد الخامس، والتي تعتبر بكونها ماركة مخصصة للطبقة المتوسطة، بالرغم من شهادة العديد من زبنائها، بتواضع جودة منتجاتها مقابل ثمنها المرتفع، وقفت «المساء» عند احتيال آخر على المستهلك المغربي. تزينت كل معروضات المحل، بلون التخفيض، تلك الملصقات صغيرة الحجم، ذات اللون الأحمر، التي تتضمن سعر التخفيض، والتي يتم إلصاق بعضها فوق الثمن الأصلي لحجبه، فيما يتم إلصاق بعضها الآخر، بمحاذاة الثمن الأصلي، لإظهار نسبة التخفيض. هنا، تدل هذه الإشارة الأخيرة، على أن المحل، لا يكذب بخصوص نسبة التخفيض، عكس العملية الأولى التي تكشف في جوهرها، تحايلا في الثمن، لكن رغم ذلك، فإن المستهلك لا يعير الثمن الأصلي اهتماما، بل يركز على سعر التخفيض، ولا يدقق في عدد الدراهم التي تفصل بينه وبين السعر الأصلي. في هذا المحل المشهور، وقفت «المساء» عند نوع آخر من الاحتيال على المستهلك، حيث لا يتجاوز التخفيض في سعر مجموعة مهمة من الملابس، 10 و20 درهما فقط، في حين أن أغلب المعروضات التي تم إلصاق ثمن التخفيض فوق الثمن الأصلي، لا تعدو كونها مراوغة وضيعة من قبل المحلات التجارية، حيث أن ثمن التخفيض هو نفسه السعر الأصلي، أو يخفي ويحجب حقيقة «الصولد»، التي لا تتجاوز بضعة دراهم معدودات.
المستهلك الضحية
في فترة التخفيضات، تعي المحلات التجارية، سواء الكبرى منها أو المتوسطة أو الصغرى، أن المستهلك المغربي، خصوصا ذو القدرة الشرائية المتوسطة، ينتظر مواسم التخفيضات، لاغتنام الفرصة لاقتناء بعض المنتجات ذات جودة وبثمن جد مناسب، وذلك نتيجة تخفيض يتراوح ما بين 50 و70 في المائة، لكن هذا المستهلك المغربي، لا يدقق في حقيقة «الصولد»، ولا يعرف أنه يتعرض لخيانة الأمانة والثقة والمصداقية، ليصبح بذلك ضحية وفريسة تلتهم المحلات التجارية ثقتها فيما يعرف ب«الصولد»، الذي لا يعدو كونه سوى مجرد خدعة وطريقة احتيال، لا يتجاوز هدفها الأساسي، التهام ما يحتويه جيب المواطن المغربي، ودفعه إلى الاستهلاك والإنفاق، لما لهذا الاستهلاك والإنفاق من رفع أرقام مبيعات وأرباح الشركات، ليصبح بذلك «الصولد»، مجرد شعار، يستخدم لرفع رقم وحجم مبيعات المحلات التجارية، دون أخذ المستهلك المغربي بعين الاعتبار.
جهل المستهلك بثقافة مراقبة الأسعار يجعله ضحية سهلة
بعد ما وقفت عنده «المساء» من عمليات خداع طالت أسعار مجموعة من المعروضات من ملابس وأحذية، اتصلت بعلي شعباني الباحث في علم الاجتماع، لتسأله عن سبب إقبال المستهلكين المغاربة على الاستهلاك بشكل مضاعف في فترة مواسم التخفيضات، وعن أسباب عدم تدقيقهم في الأسعار قبل وبعد التخفيض من أجل الوقوف عند حقيقة الصولد. وفي هذا السياق، قال الباحث الاجتماعي، أن رغبة الناس في اقتناء منتجات ذات جودة، بثمن منخفض، يجعلهم يقبلون على المعروضات المخفضة الثمن، بنهم كبير، رغبة منهم في الحصول عليها بأبخس الأثمان، وذلك نتيجة عدم قدرتهم على اقتناءها بسبب غلاء أسعارها، وتدني قدرتهم الشرائية. وأضاف شعباني في حديثه للمساء، أن هذه الرغبة الجامحة، تجعل من المستهلك المغربي ضحية يسهل اصطيادها من قبل المحلات التجارية الكبرى، لكون هذه الأخيرة تقوم بالتلاعب بالأسعار، لعلمها المسبق بإقبال المستهلك المغربي على مواسم التخفيضات بشكل كبير.
ويضيف، أن هذه المحلات التجارية من أجل الاستفادة أكثر من دراهم المستهلك المغربي، تقوم بمجموعة من الحيل والتلاعبات، التي يخضع لها المستهلك المغربي نتيجة جهله بالأسعار قبل التخفيضات، ونظرا لغياب ثقافة متابعة الأسعار لديه. ومنه، تقوم المحلات التجارية، برفع الأثمنة، مثلا كأن يكون ثمن حذاء يساوي قبل التخفيض 200 درهم، ويصبح بعد التخفيض 400 درهم، وهنا يقبل المستلهك المغربي على اقتناء الحذاء، باعتباره قد تم تخفيض ثمنه، وأنه يشتري منتجا ذا جودة بثمن منخفض، لكنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها مجردة خدعة من خدع الماركوتينغ التي تقبل عليها المحلات في مواسم التخفيضات للرفع من حجم مبيعاتها، والربح أكثر، من جهل المستهلك المغربي بثقافة مراقبة الأسعار. ويضيف الباحث في علم الاجتماع، أن هناك مجموعة من الخدع التي تلجأ إليها المحلات التجارية لترويج سلعها، بدعوى موسم التفخيضات، من بينها، تغيير السعر الأصلي أو الرفع منه، أو بيع ملابس من مواسم سابقة على أساس أنها موضة حديثة، وغيرها من الخدع التجارية، ويشير في هذا الصدد، إلى أن هذه المحلات، تستعين بخبرة مختصين بارعين في التلاعب بالأسعار والمعروضات وقت مواسم التخفيضات. ويستشهد شعباني هنا، بفترة مواسم تخفيض السيارات، حيث يتم الإعلان عن أن ثمن اقتناء سيارة من نوع معين يبدأ من مثلا 100 ألف درهم، لكن حين تلج إلى المحل حيث تعرض السيارات، فإن المستهلك يتفاجأ بأنه لا توجد أي سيارة يبتدأ ثمنها ب100 ألف درهم. وهذه لا تعدو سوى واحدة من أساليب وتقنيات خداع المستهلك والتحايل عليه من أجل دفعه للاقتناء أكثر، وذلك عبر إقناعه بأنه هو المستفيد من مواسم التخفيضات، رغم أنه في حقيقة الأمر ضحية يتعرض للخداع والنصب.
فراغ قانوني يجعل المستهلك الضحية الرئيسية لمواسم التخفيضات
في اتصال هاتفي مع المساء، قال وعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، أن المستهلك المغربي، يصبح أثناء مواسم التخفيضات، ضحية يتعرض للبيع والشراء من طرف المحلات التجارية، وذلك نتيجة الفراغ القانوني المتعلق بالتخفيضات، والذي يجعل مواسمها تعج بفوضى كثيرة، تستغل المستهلك بكثير من التحايل. وأوضح خراطي، أن القانون رقم 08/31، المتعلق بتدبير حماية المستهلك، خصص جزءا للتخفيضات، حيث حدد مفهومه التخفيض، ونص على ضرورة إشهار الثمن الأصلي إلى جانب ثمن التخفيض، ليتمكن المستهلك من المقارنة بين السعرين معا، وهو الأمر، الذي يؤكد خراطي، اخرقه في مجموعة من المحلات التجارية في مواسم التخفيضات. وأضاف ذات المتحدث، أن هذا القطاع، يعرف فوضى عارمة، ويتضمن الكثير من طرق التحايل والغش، التي يقع ضحيتها المستهلك المغربي، وتنتفع منها المحلات التجارية، فيما لا تتدخل الحكومة من أجل ضبط هذه المواسم وحماية للمستهلك، حيث يتوجب عليها كفاعل رئيسي، تحديد فترة التخفيضات، ونسبها، وتحديد الثمن الأصلي قبل التخفيض، كي لا تتلاعب به المحلات التجارية. وفي ظل هذا الفراغ القانونين وعدم تدخل الحكومة لضبط مواسم التخفيضات، يقول خراطي، «يجد المستهلك المغربي نفسه في دائرة مفرغة، لا يعرف الثمن الأصلي ولا نسبة التخفيض، إذ تقوم بعض المحلات التجارية بإشهار تخفيض بنسبة 70 بالمائة على أبواب محلاتها، لكن حين يعاين معروضاتها، فإن التخفيض لا يتجاوز بضعة دراهم. وهذا يصفه خراطي ويعتبره تحايلا واضحا على المستهلك. ويسرد خراطي بعض طرق وأساليب التحايل، مثل حجب الثمن الأصلي وعدم إشهاره، إلى جانب رفع الثمن الأصلي كي تتقلص نسبة التخفيض، فضلا عن كون بعض المحلات العادية تقوم بشراء ملابس وأحذية من «البال»، وتقوم بإدخال بعض التحسينات الطفيفة عليها كغسلها وتجفيفها وكيها، ثم تقوم ببيعها كملابس قد تم تخفيضها، بنسبة تفوق الثمن الأصلي بكثير. وهنا يشدد خراطي، على ضرورة تدخل السلطات المعنية لمراقبة فترة التخفيضات، ومراقبة الأسعار ونسب التخفيض، فضلا عن دعوته ضرورة سن قانون أو مرسوم خاص بالتخفيضات يمنع على المحلات التجارية الربح غير القانوني، ويحمي المستهلك، الضحية من جشع ونصب هذه المحلات التي لا تحترم أخلاقيات مواسم التخفيضات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.