مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء المقرر في يوم 29 أبريل الجاري، اشتدت التحركات الدبلوماسية وتوجهت نحو العاصمة الروسية موسكو، من أجل استمالة الموقف الروسي. وعقد وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، يوم الإثنين الماضي مباحثات رسمية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في لقاء يأتي أياما قليلة بعد استقبال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لوفد من البوليساريو. لقاء بوريطة ولافرروف الذي انعقد على هامش المشاركة المغربية في منتدى التعاون الروسي العربي الخامس، ناقش العديد من القضايا ذات الإهتمام المشترك، ضمنها الوضع في ليبيا وروسيا و"تطورات قضية الصحراء قبيل انعقاد مجلس الأمن نهاية الشهر لتجديد ولاية بعثة المينورسو،" يقول بيان لوزارة الخارجية الروسية. "وشدد الطرفان على ضرورة تجاوز النزاع عن طريق الحلول السياسية فقط، مع التقيد الصارم بالقوانين الدولية ومواثيق الأممالمتحدة"، يضيف البيان. ويسعى المغرب من خلال لقاء ناصر بوريطة بنظيره الروسي لاختبار بارغماتية الدبلوماسية الروسية، باعتبار أن روسيا تعد عضوا دائما في مجلس الأمن، وشريكا اساسيا في "مجموعة اصدقاء الصحراء" التي تتولى مناقشة وإعداد مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الى باقي أعضاء المجلس للتصويت عليه. ويعكس هذا اللقاء الأهمية التي يوليها المغرب لموقف روسيا داخل مجلس الأمن، وتعويله على براغماتية الدب الروسي، الذي لطالما عبر عن رفضه للحلول الأحادية الجانب، ورافع دوما عن إيجاد حل سياسي يرضي الطرفين، وهو ما بدا واضحا من خلال تفهم موسكو للموقف المغربي في محطات سابقة، لعل أبرزها تحفظها من دعوات أمريكية سابقة لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، ورفضها لأي تغيير يمس جوهر المهمة الأساسية للبعثة، والمتمثلة في مراقبة والتثبت من مدى احترام الأطراف لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي الوقت الذي كان المغرب في السابق يولي أهمية أكبر لحلفائه التقليديين مثل فرنسا وأمريكا من أجل دعم الموقف المغربي بخصوص ملف الصحراء في مجلس الأمن، بالنظر إلى أن كلا الدولتين تتمتعان بصفة العضو الدائم مجلس الأمن، أصبح المغرب يسعى أيضا إلى تليين موقف روسيا من الملف، انسجاما مع الدبلوماسية التي دشنها جلالة الملك محمد السادس سنة 2016 والتي استهدفت كل معاقل البوليساريو، من قبيل جنوب إفريقيا وكوبا وأنغولا. وفي السنة الماضية، التقى الوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، يوم 2 أبريل، مع الوزير الروسي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، مخائيل بوغدانوف، على هامش زيارة الوزير المغربي إلى موسكو للمشاركة في الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأمن، وذلك أسابيع قليلة قبل اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء. نوفل البعمري، الخبير في ملف الصحراء اعتبر في تصريح لموقع القناة الثانية أن المتابع للموقف الروسي من القضية الوطنية سيلاحظ انها و رغم المبادلات التجارية الكبيرة التي لها مع الجزائر إلا أن موقفها ظل متوازنا و لم يتأثر بهذه العلاقة، يقول البعمري مضيفا: "بل إن موقف موسكو ظل داعما للمسار الأممي و للحل السياسي التوافق بشانه، وفي مرات عديدة كان موقفها خاصة مع إدارة أوباما يصب في مصلحة المغرب عندما كان هناك تلويح بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، حيث ظلت متحفظة إزاء تغيير طبيعة مهمة بعثة المينورسو." و بالعودة لقراري مجلس الأمن السابقين، يتابع البعمري، نجد أن "روسيا أعلنت دعمها للعملية السياسية و أوضحت أن تحفظها لم يكن على الملف او على مساره او على القرارات الايحابية التي حملها قرار أكتوبر و أبريل الماضيين خاصة إدانتهما للبوليساريو و دفع الجزائر لتكون طرف رئيسي في العملية السياسية،بل و كما تم الإعلان عنه أثناء مناقشة مسودة القرار قبل التصويت عليه بمجلس الأمن ان موقفها هو عبارة عن تحفظ يتعلق بالمنهحية التي يصاغ بها القرارات ذات العلاقة بملف الصحراء إذ هي تتحفظ على احتكار صياغته من طرف الإدارة الأمريكية، بمعنى أن تحفظ روسيا هو اجرائي و مسطري، اي شكلي و ليس على مضمون القرار." وفي نفس السياق، يقول عبد الفتاح الفاتحي، باحث في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية في تصريح لموقع القناة الثانية إن روسيا " ليس لها موقف معيب من قضية الصحراء. في السابق كانت تعترض على بعض القرارات التي كانت تعتبرها غير محايدة وفي صالح المغرب. لكن في جلسات التصويت الثلاث الأخيرة، لاحظنا أن روسيا أصبحت تمتنع عن التصويت، دون اعتراض أو استعمال للفيتو ضد قرارات مجلس الأمن، بالرغم من أنها كانت في صالح المغرب." وأوضح الفاتحي أنه من الناحية التاريخية، "روسيا كانت دائما في صف الاشتراكية والجزائر. لكن المغرب يؤمن بأن العمل الدبلوماسي يقابله العمل البرغماتي واقتصادي وثقافي، ويؤمن أيضا بأن العمل الاقتصادي هو الأساس الذي يمكن أن تنضج عنه علاقات متميزة. وهو ما يعمل عليه المغرب في الوقت الحالي من تطوير للشراكات مع روسيا." نوفل البعمري أشار إلى أن "المغرب يعي جيدا دور روسيا إقليميا و دوليا خاصة في الملفات المعروضة أمام مجلس الأمن، كما أنه يعي رغبة روسيا في أن تلعب دورا اكبر في ملف الصحراء امميا، في هذا الإطار الدبلوماسية المغربية انفتحت على روسيا و ظلت في كل الفترات تطمأن روسيا و تعزز معها الشراكة في إطار بناء علاقة دبلوماسية متنوعة و متعددة المداخل.'' كما أن المغرب يعي التوازنات الدولية المحكوم بها ملف الصحراء و مختلف مصالحه، يضيف البعمري، مشيرا إلى أن هذا الأمر " عكسه خطاب الملك المسيرة الخضراء لسنة 2015 الذي يعتبر المؤطر لهذه المرحلة و يعكس وعي مغربي بأهمية الانفتاح ليس فقط على روسيا بل على مختلف الدول الفاعلة في النزاعات الدولية، مع استحضار ان زيارة لافروف للمغرب و للمنطقة تزامن مع الدينامية التي يعرفها ملف الصحراء أوروبيا و إقليميا ثم امميا و الأكيد انها ستكون مناسبة للمغرب ليطرح وجهة نظره من مختلف التحولات الأخيرة الايجابية و خروقات البوليساريو لقرار مجلس الأمن 2440 و لأفق العملية السياسية الذي لن يكون إلا من داخل مبادرة الحكم الذاتي."