حل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بالرباط في إطار جولة للمنطقة المغاربية، تضم كل من الجزائر والمغرب وتونس. هذه الزيارة تأتي في خضم تطور ملحوظ في العلاقات التي تربط موسكو بكل من الرباطوالجزائر العاصمة، وهو التطور الذي ترجم في مواقف روسيا من قضية الصحراء. وفي الوقت الذي كان المغرب في السابق يولي أهمية أكبر لحلفائه التقليديين مثل فرنسا وأمريكا من أجل دعم الموقف المغربي بخصوص ملف الصحراء في مجلس الأمن، بالنظر إلى أن كلا الدولتين تتمتعان بصفة العضو الدائم مجلس الأمن، أصبح المغرب يسعى أيضا إلى تليين موقف روسيا من الملف، انسجاما مع الدبلوماسية التي دشنها جلالة الملك محمد السادس سنة 2016 والتي استهدفت كل معاقل البوليساريو، من قبيل جنوب إفريقيا وكوبا وأنغولا. وفي السنة الماضية، التقى الوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، يوم 2 أبريل، مع الوزير الروسي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، مخائيل بوغدانوف، على هامش زيارة الوزير المغربي إلى موسكو للمشاركة في الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأمن، وذلك أسابيع قليلة قبل اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء. نوفل البعمري، الخبير في ملف الصحراء اعتبر في تصريح لموقع القناة الثانية أن زيارة لافروف وزير الخارجية الروسي للمنطقة التي ستشمل تونس، الجزائر والمغرب،" تأتي في إطار تحديات داخلية خاصة فيما يتعلق بمستقبل الجزائر السياسي وحالة شد الجذب الكبيرة التي تعيشها الجارة في ظل محاولة التمديد للعهدة الخامسة لبوتفليقة، بالتالي فالمستقبل المقلق للجزائر اكيد انه يثير بعض التحفظ لدى قيادة روسيا التي لها مصالح تجارية كبيرة مع الجزائر ستكون مناسبة للاطمئنان عليها وعلى أنها لم تتضرر من الصراع القائم على السلطة." وأضاف البعمري أن زيارته للمغرب تأتي في الوقت الذي انفتحت فيه المملكة المغربية بشكل أكبر على روسيا منذ سنوات اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وستكون مناسبة لتعزيز الشراكة بين الطرفين و تقويتها لما يخدم مصالح البلدين والشعبين. طبعا المتابع للموقف الروسي من القضية الوطنية سيلاحظ انها و رغم المبادلات التجارية الكبيرة التي لها مع الجزائر إلا أن موقفها ظل متوازنا و لم يتأثر بهذه العلاقة، يقول البعمري مضيفا: "بل إن موقف موسكو ظل داعما للمسار الأممي و للحل السياسي التوافق بشانه، وفي مرات عديدة كان موقفها خاصة مع إدارة أوباما يصب في مصلحة المغرب عندما كان هناك تلويح بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، حيث ظلت متحفظة إزاء تغيير طبيعة مهمة بعثة المينورسو." و بالعودة لقراري مجلس الأمن السابقين، يتابع البعمري، نجد أن "روسيا أعلنت دعمها للعملية السياسية و أوضحت أن تحفظها لم يكن على الملف او على مساره او على القرارات الايحابية التي حملها قرار أكتوبر و أبريل الماضيين خاصة إدانتهما للبوليساريو و دفع الجزائر لتكون طرف رئيسي في العملية السياسية،بل و كما تم الإعلان عنه أثناء مناقشة مسودة القرار قبل التصويت عليه بمجلس الأمن ان موقفها هو عبارة عن تحفظ يتعلق بالمنهحية التي يصاغ بها القرارات ذات العلاقة بملف الصحراء إذ هي تتحفظ على احتكار صياغته من طرف الإدارة الأمريكية، بمعنى أن تحفظ روسيا هو اجرائي و مسطري، اي شكلي و ليس على مضمون القرار." وفي نفس السياق، يقول عبد الفتاح الفاتحي، باحث في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية في تصريح لموقع القناة الثانية إن روسيا " ليس لها موقف معيب من قضية الصحراء. في السابق كانت تعترض على بعض القرارات التي كانت تعتبرها غير محايدة وفي صالح المغرب. لكن في جلسات التصويت الثلاث الأخيرة، لاحظنا أن روسيا أصبحت تمتنع عن التصويت، دون اعتراض أو استعمال للفيتو ضد قرارات مجلس الأمن، بالرغم من أنها كانت في صالح المغرب." وأوضح الفاتحي أنه من الناحية التاريخية، "روسيا كانت دائما في صف الاشتراكية والجزائر. لكن المغرب يؤمن بأن العمل الدبلوماسي يقابله العمل البرغماتي واقتصادي وثقافي، ويؤمن أيضا بأن العمل الاقتصادي هو الأساس الذي يمكن أن تنضج عنه علاقات متميزة. وهو ما يعمل عليه المغرب في الوقت الحالي من تطوير للشراكات مع روسيا." واعتبر الفاتحي أنه من "الأكيد أن يكون هناك نقاش خلال زيارة لافروف للمغرب حول امكانية تليين أو تطوير الموقف الروسي، خاصة وأننا مقبلون على الدخول إلى مائدة مستديرة ثانية وخاصة أن التوجهات العالمية أصبحت تقر بضرورة تحكيم الواقعية البرغماتية وليس التركيز على الشق السياسي. وإن استطعنا تعزيز الشراكة رابح-رابح والعلاقات الاقتصادية، فمن شأنه أن يؤثر في تغير إيجابي في الموقف الروسي من قضية الصحراء." وبالعودة إلى تطور العلاقات بين البلدين، يقول الخبير نوفل البعمري إن علاقة المغرب بروسيا عرفت تطورا ملحوظا يكفي فقط الإشارة إلى الزيارة الملكية لروسيا و استقباله الكبير من طرف الرئيس الروسي بوتين، و هي زيارة أشرت على تحول في الدبلوماسية المغربية التي أصبحت بفضل الرؤية الجديدة التي وضعها الملك اكثر تحررا، و لم تعد سجينة، بل انفتحت على مختلف الدول في إطار تنويع العلاقات الإستراتيجية مع كل الفاعلين الدوليين و في إطار الحفاظ على مصالح المغرب الحيوية، ضمن رؤية تنويع الشراكات و العلاقات الدبلوماسية هذا لم يكن يعني التخلي عن أصدقاء المغرب بل يدخل في إطار دبلوماسية ملتزمة، وفية لأصدقائها لكن دون أن تكون تبعية بل محافظة على استقلال قرارها الدبلوماسي، و هو ما تم ترجمته في تنوع العلاقات المغربية خاصة مع روسيا. وأردف الخبير في قضة الصحراء أن "المغرب يعي جيدا دور روسيا إقليميا و دوليا خاصة في الملفات المعروضة أمام مجلس الأمن، كما أنه يعي رغبة روسيا في أن تلعب دورا اكبر في ملف الصحراء امميا، في هذا الإطار الدبلوماسية المغربية انفتحت على روسيا و ظلت في كل الفترات تطمأن روسيا و تعزز معها الشراكة في إطار بناء علاقة دبلوماسية متنوعة و متعددة المداخل.'' كما أن المغرب يعي التوازنات الدولية المحكوم بها ملف الصحراء و مختلف مصالحه، يضيف البعمري، مشيرا إلى أن هذا الأمر " عكسه خطاب الملك المسيرة الخضراء لسنة 2015 الذي يعتبر المؤطر لهذه المرحلة و يعكس وعي مغربي بأهمية الانفتاح ليس فقط على روسيا بل على مختلف الدول الفاعلة في النزاعات الدولية، مع استحضار ان زيارة لافروف للمغرب و للمنطقة تزامن مع الدينامية التي يعرفها ملف الصحراء أوروبيا و إقليميا ثم امميا و الأكيد انها ستكون مناسبة للمغرب ليطرح وجهة نظره من مختلف التحولات الأخيرة الايجابية و خروقات البوليساريو لقرار مجلس الأمن 2440 و لأفق العملية السياسية الذي لن يكون إلا من داخل مبادرة الحكم الذاتي."