تبحث موسكو عن موطئ قدم لها في النزاع حول الصحراء.. ذاك ما حاولت استبيانه الإحاطة التي تقدّمت بها وزارة الخارجية الروسية، والتي أقرّت بدعم مساعي هوست كولر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، داعيةً فيما يشبهُ إخْطاراً لأطراف النزاع، بما فيها الجزائر وموريتانيا، إلى بثِّ الرّوحِ في المسلسل التفاوضي المباشر المُجمّد منذ سنة 2012، مؤكدةً أن "الوضع الراهن يُسبِّب قلقا خطيرا، لأنه يهدد الأمن الإقليمي". وأعلنت الخارجية الروسية، في موقفٍ جديد لها حول الصحراء المغربية، أنها تقف إلى جانب "البحث عن حل وسط يستند إلى قرارات مجلس الأمن المعروفة والجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار الإجراءات المتسقة مع مبادئ وأهداف ميثاق الأممالمتحدة"، داعية الجزائر وموريتانيا إلى "المساهمة لإنجاح الحلِّ السياسي في المنطقة". ويرى مراقبون أن دعوة روسيا استئناف مسلسل التفاوض لم تكنْ مفاجئة، بالنظر إلى تموقعها الدائم إلى جانبِ الحكومة الجزائرية، إذ كانت لعبت دورا كبيراً في تقويض إجماع مجلس الأمن في أبريل الماضي وطالبتْ في "الوقت الميّت" إرجاء التصويت على نسخة التقرير الأممي الذي كانَ سيأتي متوازناً؛ حتى يتسنّى لها إدخال بعض التعديلات على المسودة النهائية. هسبريس سألت هشام معتضد، المحلل والباحث في العلاقات الدولية المقيم بمونتريال بكندا، حولَ الإشارات الملتقطة من دعوة روسيا استئناف الحوار والبحث عن حلٍّ سياسي يُرضي أطراف النزاع في الصحراء، فأجابَ بأنَّ "ذلك لا يعني بالضرورة تليُّنًا في الموقف الروسي وإنما يدخل في إطار نوع جديد من البرغماتية "المتوازنة"، في شقها التواصلي وليس الفعّال، التي طبع السياسة الخارجية الروسية اتجاه المنطقة المغاربية في الأسابيع الأخيرة. وأردفَ معتضد فِي المنحَى ذاته أنَّ "موقف روسيا في العمق، اتجاه الموضوع، يبقى إلى حدود الساعة تقليديا بدعمها للوسائل السياسية في إطار قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة"، مورداً بشأنِ ما كشفت عنه وزارة الخارجية الروسية والإحاطة التي قدَّمتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، بأنَّ ذلك يفسرُّ "استعداد روسيا لعب دور أكثر إيجابي في إطار ديناميكية واقعية وإيجابية لتسوية هذا الملف"، يردفُ الباحث ذاته. في غضون ذلك، اعتبر المحلل أنَّ أيَّ تغير محتملٍ للموقف الروسي يمكن أن يكون له تأثير على طبيعة الصراع داخل مجلس الأمن؛ فمن الناحية السياسية، يمكنها القيام يدور أكثر إيجابي داخل التوازنات المرتبطة بالملف في أروقة الأممالمتحدة، خصوصا فيما يتعلق بمواقفها اتجاه المسودات والقرارات التي تهمُّ بالملف. أما من الناحية الدبلوماسية، فدورها داخل مجموعة أصدقاء الصحراء يمكن أن يتسم بأكثر من التوازن والواقعية لدعم التسوية الإيجابية للقضية". من جانبه، يُوضِّحُ نوفل البعمري، المُحلل والخبير في قضايا الصحراء، أن "الموقف الروسي ليس بالجديد هو نفسه الذي عبَّر عنه مبعوثها الدائم بمجلس الأمن أثناء مناقشة الملف في مجلس الأمن أبريل الماضي قبيل استصدار قرار المجلس، الذي قضى بتمديد مهمة المينورسو لستة أشهر فقط تنتهي متم أكتوبر المقبل"، مورداً أن "التصريح يأتي في سياق إحاطة كولر التي قدمها لمجلس الأمن، وفي إطار الإعداد لقرار جديد". الخبير المُصرّح لهسبريس يشْرح بأنَّ "بلاغ الخارجية الروسية حافظ على الثوابت الروسية في موقفها من كيفية معالجة الملف؛ فالخارجية أكدت على الحل السياسي، وعلى أن يكون داخل مجلس الأمن والأممالمتحدة؛ وهو ما يغلق الباب على أية إمكانية نحو إقحام إطارات إقليمية في الملف كالاتحاد الإفريقي". وفي تقدير الباحث، فإن "تأكيد الخارجية الروسية على مدّ يدها من أجل إطلاق دينامية جديد يعكسُ رغبة روسيا في لعب دور في الملف؛ وهو ما لوحظ كذلك أثناء إعداد مسودة القرار السابق، إذ كان لها تدخل في صياغته. كما أن تأكيدها على دينامية جديدة هو تبني لموقف مجلس الأمن والرغبة في إحياء العملية السياسية على قواعد جديدة".