يعقد مجلس الأمن، نهاية الشهر الجاري، اجتماعا حول الصحراء، يترقب أن يتم خلاله مناقشة تطورات قضية الصحراء، إضافة إلى مستقبل بعثة المينورسو. الاجتماع الذي أدرج في أجندة مجلس الأمن بضغوط أمريكية، وفق ما علم موقع القناة الثانية من مصادر دبلوماسية، يأتي في سياق إعادة واشنطن للنظر في تمويلها لبعثات حفظ السلام بالقارة الإفريقية، بما فيها بعثة المينورسو. وهو الأمر الذي أثار تخوفات من احتمال توقف البعثة في ممارسة مهامها، التي تتمثل أساسا في مراقبة وقف إطلاق النار. الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية والخبر في قضية الصحراء، الموساوي العجلاوي اعتبر في حوار خاص مع موقع القناة الثانية أن بعثة المينورسو، ستستمر حتى إذا ألغت الولاياتالمتحدةالأمريكية تمويلاتها. أثارت تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون العديد من المخاوف حول مستقبل بعثة المينورسو، بعد أن قال إن واشنطن تعيد النظر في تمويل بعثات السلام بإفريقيا. فهل ستستمر بعثة المينورسو في حالة سحب الولاياتالمتحدة لتمويلها؟ سوف ستتأثر مكونات البعثة بكل تأكيد في حالة سحب أمريكا لتمويلها، إذ من المحتمل أن يتم تقليص عدد العاملين فيها والتضحية بالمكون المدني مقابل الإبقاء على المكون العسكري. ولكنه من غير المرجح أن يؤثر على وظائفها، التي يقوم بها المكون العسكري والمتمثلة في مراقبة وقف إطلاق النار. أما المكون المدني فهو الذي يستنزف ميزانية البعثة، في حين أن وجوده ليس ضروريا لأداء المينورسو لوظيفتها. والدليل على ذلك أن المغرب أقدم سنة 2016 على طرد المكون المدني، ولم تتأثر المينورسو. وهذا يعني أنه يكفي الاحتفاظ بالمكون العسكري من أجل مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، لا أقل ولا أكثر المغرب لا يستفيد من المكون المدني أبدا. أعتقد أن التأثير الحقيقي سيلحق ببعثتي حفظ السلام في الكونغو وإفريقيا الوسطى، إذ تناهز ميزانية كل واحدة منهما مليار دولار، وتمول أساسا من قبل الولاياتالمتحدة، في حين أن بعثة المينورسو بالصحراء المغربية لا تتعدى ميزانيتها 52 مليون دولار. لكن بالموازاة مع هذه الضغوط الأمريكية التي يقف وراءها أساسا مستشار الأمن القومي، جون بولتون، هناك مستجد آخر. ويتعلق الأمر بحصول جنوب إفريقيا، المناهضة لوحدة المغربية الترابية، على مقعد غير دائم بمجلس الأمن. هل يمكن للأمر أن يأثر على قرارات مجلس الأمن المقبلة حول الصحراء؟ دائما ما يُقدر على المغرب أن يكون عضو أو عضوين غير دائمين بمجلس الأمن، تدخل في خانة الدول التي تناهض الوحدة الترابية للمغرب. هذه ليست المرة الأولى. وقبل جنوب إفريقيا، كانت هناك فنزويلا وكانت بوليفيا. والمغرب تعود على الوقوف أمام هذه الدول. غير أن الإشكال يتمثل في كون جنوب إفريقيا مقبلة في هذه السنة على انتخابات جديدة. وعلى غرار الرئيس السابق زوما، فإنه من المرجح أن يستعمل رئيس جنوب إفريقيا الحالي سيريل رامافوسا قضية الصحراء المغربية كورقة من أجل ضمان دعم التيار المتشدد داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم من اجل دعمه في الانتخابات المقبلة. إضافة إلى ذلك، فإن جنوب إفريقيا تحصل على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، بالتزامن مع دخول إدارة ترامب الأمريكية في المرحلة الأخيرة، التي يريد أن يستغلها من أجل تنفيذ وعوده التي قطعها خلال الحملة الإنتخابية، وأهمها بناء جدار المكسيك ووقف الدعم الموجه إلى بعثات حفظ السلام الدولية. صحيح أن المغرب حصل على قرارات جد إيجابية في ظل إدارة ترامب بخصوص قضية الصحراء، لم يحصل على مثلها مع كل الإدارات الأمريكية السابقة. غير أن ترامب عودنا على إتخاذ القرارات بمزاجية عبر تويتر، وليس عن طريق المؤسسات. وبالنظر إلى أن مستشار الأمن القومي، جون بولتون لا يكن في قلبه أي حب للمغرب، فإنه يبقى هناك احتمال أن يؤثر بولتون على ترامب، ما قد يسفر عن موقف متسرع تجاه المينورسو. هذا لا يعني أن الموقف سيكون حول قضية الصحراء، بل سيكون موقفا تجاه بعثة حفظ السلم. والمعطى الآخر الثاني الخطير هو أن ممثلة الولاياتالمتحدة بمجلس الأمن، التي عُينت خلفا لنيكي هايلي، لا تحمل صفة سفير، إلى حد الآن. بمعنى انها تأخذ قراراتها من وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي، الذي شرف عليه بولتون. وبناء على ذلك، فإنه في حالة وقوع تقاطع بين السياق الجديد الذي تعرفه أمريكا في السنتين الأخيرتين مع حصول جنوب إفريقيا على مقعد غير دائم في مجلس الأمن، سيسفر الأمر عن منعطفات قد تغير من مرجعيات حل نزاع الصحراء. لكن هذا يبقى مجد سيناريو واحد. قلت إن هذا يبقى مجرد سيناريو واحد. ما هو السيناريو الآخر المحتمل؟ السيناريو الآخر المحتمل هو استمرار القرارات الإيجابية بخصوص قضية الصحراء. فحتى زيارة مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية للرباط وللجزائر عبر خلالها الدبلوماسيون الأمريكيون تأييدهم لمشروع الحكم الذاتي. لذلك فإن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة يشيد في بعض التصريحات بهذه المساندة الأمريكية، لكنه يشدد على أن هذه المساندة يجب ان تكون فعلية لمشروع الحكم الذاتي. وإذا ما أصبحت المساندة فعلية، فإن المغرب يمكنه أن يكسب شوط آخر داخل الأممالمتحدة، بخصوص قضية الصحراء. أيضا هناك طاولة مستديرة ثانية ستنعقد قبل شهر مارس المقبل يحضرها أطراف نزاع الصحراء، برعاية المبعوث الأممي للصحراء هورست كوهلر. هذه الطاولة ستكون محطة مهمة، وسننتظر ما إن كان كوهلر سيقدم شيئا جديدا لهذا الملف، أم أنه سوف يحاول كسب بعض النقاط في انتظار مرور هذين السنتين المتبقيتين من ولاية الإدارة الأمريكية الحالية. إن الموقف الأمريكي يُتخذ عن طريق مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، والبانتغون والأجهزة الأمنية. لذلك، فإن قراءة أمريكا لنزاع الصحراء ترتكز على مصالحها في المنطقة وضرورة وجود تنسيق أمني بين المغرب والجزائر. ويقولون إنه مادام هذا التنسيق غائب، فإن ذلك سيعرض المصالح الأمريكية للخطر. ويقولون بالضبط إن نزاع الصحراء هو مشكل بين المغرب والجزائر. لكن كل شيء ممكن، وكلل السيناريوهات محتملة. قد تستمر المواقف الإيجابية في الإدارة الأمريكية، وقد تطرأ هناك تحولات بسبب مزاجية ترامب وتأثير جون بولتون الذي يناهض الوحدة الترابية للمغرب.