تعيش مدينة وارزازات، أو كما يحلو لعشاق الفن السابع تسميتها "هوليود إفريقيا"، على وقع مفارقة عجيبة، إذ تحتضن المدينة أكبر الاستديوهات التصويرية على المستويين القاري والعالمي، كما أنها تفتقر، في نفس الوقت، إلى قاعات سينمائية. فقد باتت المدينة، منذ مطلع القرن الماضي، بفضل مناظرها الطبيعية، التي تجمع بين الوديان والصحاري والواحات، قبلة لتصوير الأفلام الأجنبية ووجهة لكبار النجوم والمخرجين العالميين من أمثال براد بيت، وألفريد هيتشكوك، وغاييل غارسيا بيرنال وآخرين ... فهل يشفع مرور هذه الشخصيات العالمية بمدينة وارزازات لتشييد قاعات سينمائية بعد اندثارها ؟ تعود بداية انقراض القاعات السينمائية بالمدينة، حسب فنانين وفاعلين محليين، إلى سنة 1995 حينما أوصد مالكو سينما الصحراء أبوابها، وسينما الأطلس في السنة التي تليها، بسبب ضعف الإقبال عليهما، لتضيع بذلك آخر فرص أبناء مدينة "الضوء والسينما" لمشاهدة الأفلام العالمية التي شارك فيها معظمهم ك"كومبارس" (أدوار ثانوية). "لا أستطيع أنا وعائلتي، بل وحتى سكان مدينة وارزازات، مشاهدة الأفلام التي شاركنا فيها" يقول قيدوم الممثلين بالمنطقة والكومبارس ناصر أوجري، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفا أن "ساكنة المدينة تكون آخر من يشاهد الأفلام التي شارك فيها أبناؤها وذلك عن طريق بدائل أخرى". وأبدى الفنان أوجري، الذي وقف أمام عدسات مخرجين بارزين، من أمثال مارتن سكورسيزي، وريدلي سكوت وأوليفر ستون، استغرابه "من غياب قاعات للعرض السينمائي بوارزازات، في الوقت الذي تضم فيه المدينة استوديوهات كبرى بمعايير وتقنيات عالمية"، مطالبا "السلطات الوصية على القطاع بتسريع تشييد قاعة سينمائية لمشاهدة الأفلام". من جانبه، أبرز المخرج توفيق بابا أن مسألة غياب القاعات السينمائية ترجع، بالأساس، إلى غياب الوعي بقيمة السينما ودورها في التنمية الثقافية والاجتماعية، مؤكدا أن ما يدفع أبناء المنطقة إلى الاشتغال في مجال السينما والتصوير هو تحقيق الربح الاقتصادي وتفادي مشكل البطالة. وأضاف الفاعل المحلي، في تصريح للوكالة، أن هناك عاملا آخر يتعلق بالاستثمار في المجال، إذ "أن أغلب المستثمرين الوطنيين أو الأجانب الذين مروا بمدينة وارزازات، لم يفكروا في تشييد قاعات للفرجة السينمائية، بعد أن كان الاستثمار في مجال القاعات السينمائية عملية جد مربحة". وأشار المخرج السينمائي إلى أن عملية عرض الأفلام السينمائية تبقى حبيسة مبادرات جمعوية (ملتقيات ومهرجانات) من تنظيم بعض الفاعلين المحليين، مؤكدا أن السلطات الوصية على القطاع أصبحت مطالبة بدعم إنشاء قاعات للعرض وتطوير البنيات التصويرية للنهوض بالصناعة السينمائية الوطنية. وأمام غياب قاعات للعرض السينمائي بمدينة وارزازات، ووعيا منها بأهمية تعزيز الفعل الثقافي على المستوى المحلي، أطلقت الجهات الوصية بالإقليم، ضمن استراتيجيتها الرامية إلى النهوض بهذا القطاع، مشروع تشييد قاعتيين للعرض، لتحقيق التكامل بين الثقافة والإنتاج السينمائيين. وفي هذا الإطار، قال رئيس المجلس الإقليمي لوارزازات، سعيد أفروخ، "إن وارزازات تعاني، على غرار المدن الأخرى، من أزمة في القطاع السينمائي، ولا يمكنها أن تشكل، في أي حال من الأحوال، استثناء من حيث عدد المدن التي شهدت إغلاق دور السينما". وأبرز المسؤول المحلي، في تصريح مماثل، أن المجلس الاقليمي أطلق، بالتعاون مع لجنة الفيلم وشركاء آخرين، مشروع تشييد قاعتين سنمائيتين تصل حمولة إجداهما إلى 100 مقعد، بينما تصل الأخرى إلى 50 مقعد، ستعرض فيهما أفلام عالمية صورت بوارزازت وأخرى وطنية. وأكد السيد أفروخ أن نسبة إنجاز الأشغال المرتبطة بتشييد القاعتين فاقت نسبة 90 في المائة، مضيفا أن استكمال الأشغال سيتم متم السنة الحالية على أبعد تفدير. وفي انتظار افتتاح القاعتين السينمائيتين بمدينة وارزازات، يبقى السؤال مطروحا حول مدى صمودها واستمراريتها في ظل ضعف الإقبال، الأمر الذي يحتم تدخل القطاعات الحكومية المعنية، وعلى رأسها وزارتي الثقافة والاتصال، للبحث عن صيغة تؤسس لدعم استمرار الفرجة السينمائية.