لا حديث في الأوساط السياسية هنا ببني ملال، إلا عن ظاهرة الترحال السياسي، جلبة وفوضى، وانتعاش لسوق الانتقالات مع دنو موعد الاستحقاقات المقبلة. لم يعد الشارع الملالي يتوقع ما ستكشف عنه اللوائح الانتخابية من أسماء ومنتخَبين، كأن كل شيء قابل للتدوير في أي لحظة، بعد أن بدأت الأحزاب المؤثثة للفضاء السياسي ببني ملالخنيفرة، ترسل وتستقبل ملتحقين جدد، يحركهم "طمع في مقعد" في الانتخابات المحلية، أو التشريعية. • يعقوب الصادق فرحات: " الترحال السياسي تمييع للعمل السياسي وتكريس للعزوف الانتخابي" في نظر يعقوب الصادق فرحات، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، هذه العملية "تمييع للعمل السياسي وتكريس للعزوف الانتخابي، وتشويه صورة ومكانة المؤسسة التشريعية". مبررا ذلك "يفترض في النائب البرلماني أن يكون تدرج تنظيميا داخل إحدى التنظيمات الحزبية، وتشبع بأفكارها قبل أن تمنحه تزكية الترشح للانتخابات من أجل تمثيل المواطنين سياسيا داخل إحدى المجالس المنتخبة، بعد أن أقنع الناخبين في الحملة الانتخابية، بأحقية البرنامج الانتخابي للحزب، غير أن مثل هاته الممارسات تضرب في مسألتين مهمتين وهما؛ مصداقية والتزام النائب تجاه الحزب الذي منحه التزكية، وتجاه الناخبين الذين منحوه أصواتهم وأقنعهم انطلاقا من البرنامج الانتخابي الحزبي. أي أنه أخل بالتزاماته"، ويخلص يعقوب إلى أن الترحال السياسي، يزكي صورة نمطية شائعة، مفادها أن العمل السياسي هو عبارة عن مصالح ذاتية، وليس دفاع عن المصلحة العامة، ويُرسخ الطابع الشخصي للعملية السياسية- الانتخابية وُبعدنا عن التنافس الإيديولوجي والسياسي. أي أنه يُسهم في جعل العملية السياسية تنافس بين الأشخاص وليس بين البرامج. قبل سنة وبعد عزل أحمد شد (الحركة الشعبية)، رئيس بلدية بني ملال من مهامه، بعد تورطه في قضية اختلاسات وسوء تدبير لولايتين متتاليتين، تم انتخاب نائبه الأول أحمد بدرة، لإتمام مهام الرئاسة، قبل أن يقرر هذا الأخير الالتحاق بحزب الأصالة المعاصرة، وتقديمه على رأس لائحة منتخبي الحزب، الذين سيخوضون غمار الانتخابات البلدية القادمة. لكن المدوي؛ هو الانتقال غير المتوقع للبرلماني خالد المنصوري من "البام" ليقود حزب التجمع الوطني للأحرار، بجهة بني ملالخنيفرة، وتحديدا داخل دائرة بني ملال.
• عزيز محندي: "الصراع سيكون بين "البام" والتجمع الوطني للأحرار" "الصراع سيكون اليوم حتميا، بين حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، لأنهما يسعيان لوضع قدميهما في الإقليم، وإزاحة حزب الحركة الشعبية المسيطر على الجهة منذ سنوات"، هكذا يلخص عزيز محندي، الناشط الحقوقي، هذه الصورة الجديدة التي يشكل أجزاءها حزب "الحمامة" وحزب "التراكتور"، مؤكدا أن الصراع على أشده، سيكون بين البرلماني هشام الصابيري، الذي تم تعيينه مؤخرا منسقا جهويا لحزب "البام"، وبين الغريم الجديد، البرلماني خالد المنصوري "إنهما كانا يعرفان بعضهما البعض كثيرا داخل الأصالة والمعاصرة، خصوصا المنصوري، الذي أوصل الصابيري إلى البرلمان، ونظم لفائدته حملة انتخابية في الانتخابات الجزئية". مؤكدا؛ أن التحاق الكثير من الأعضاء الجدد، بحزب الأصالة والمعاصرة تحديدا، سيفقد الحركة الشعبية الكثير من معاقلها، خصوصا وأنها تعيش على خلافات داخلية. ومن المنتظر؛ أن تعرف الانتخابات الجماعية المقبلة منافسة بين عدد من الأسماء، أبرزها محمد حلحال، رئيس المجلس الإقليمي، الذي ترك حزب الأصالة والمعاصرة والتحق بحزب التجمع الوطني للأحرار، معلنا بذلك مواجهة شرسة مع أحمد بدرة الذي سيخوض الغمار ب"كاسكيطة" التراكتور، والحسين الحنصالي عن حزب العدالة والتنمية. وبالإضافة إلى هذه الأسماء "الكبيرة" التي بدأت تستأثر بنقاش الناخبين والرأي العام المحلي ببني ملال، هناك أسماء أخرى لسياسيين شملتهم عملية الترحال السياسي، كما الشأن هنا لعبد الرحمان فضول الذي إلتحق بالحركة الشعبية، قادما من الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فيما اختار فاضل براس أن يودع رفاقه بحزب الشورى والاستقلال، ويدق على باب رفاق إدريس بلشكر، إسوة برفيقه عبد الله مكاوي الذي فقد ارتباطه نهائيا بحزب الاستقلال، وسيدخل الانتخابات باسم "الوردة"، بالإضافة إلى عشرات الأسماء، التي بدأت تدخل وتخرج، من وإلى مقرات حزبية باختلاف ألوانها وشعاراتها، بحثا عن "جلباب" جديد، قد يوصلها إلى الفوز بمقعد انتخابي. "غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية هو السبب الرئيسي، وراء تفاقم ظاهرة الترحال السياسي وتفشي ظواهر أخرى كشراء التزكيات، هاته الممارسات، تؤثر عموما على التطور الديمقراطي للبلاد من خلال إعطائها صورة سلبية للمؤسسات المنتخبة لدى المواطنين" بحسب اعتقاد فرحات الصادق، الذي قال أن ذلك "سيؤدي إلى تكريس العزوف عن المشاركة السياسية".
• محسن الودواري: "الترحال السياسي هدر للتراكم الديمقراطي"
يجزم محسن الودواري، الباحث في الفلسفة وتحليل الخطاب، أن هذه العملية هي في العمق، تؤثر على مسألتين مهمتين هما؛ إفقاد معنى التعددية السياسية والحزبية، إذ يعتبر المواطن كل الأحزاب متشابهة، ثانيا هدر التراكم الديمقراطي الذي من شأنه أن يقوي العملية السياسية، التي يمكن أن تفرز أقطابا حزبية وسياسية متعددة، متفاعلة ومتصارعة حول برامج انتخابية وفق أرضيات سياسية وفكرية تبني للمجتمع. معتبرا؛ أن الظروف التي ترتبط بهذه العملية، تجعلها مشوبة بكثير من الغموض، الشيء الذي يؤثر على مسألة الثقة بين الناخب والمترشح في العملية السياسية. هذه المسألة قد تكون دوافعها شخصية مرتبطة بالتموقعات السياسية وبالمصلحة الذاتية، حصرا؛ بعلاقتها مع الحزب المنتمى إليه، أو الاعتقاد باختلال موازين القوى السياسية، وهو المعطى الذي يتطلب معه الترحال السياسي "من..إلى". لم تستطع ترسانة القوانين التي وضعت من إيجاد وصفة نهائية لتوقيف الترحال السياسي، وعلى الرغم أن الفصل 61 من الدستور ينص على أنه "يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها"، إلا أن الظاهرة مستمرة في التزايد، وتنتعش أكثر عند اقتراب المواعيد الانتخابية، بعد نهاية كل أربع سنوات. أما المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، كما وقع تغييرها وتتميمها، فإنها تنص أنه "لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية، أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة".