احتفت الدورة 32 من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، المنظمة عن بعد إلى غاية 27 دجنبر الجاري، بثلاثة وجوه مسرحية، في تكريم خاص لما أسهمت به من أجل النهوض بالفعل المسرحي أداء وتأليفا وتنظيرا. ويتعلق الأمر بكل من المبدعة والفنانة التونسية نصاف بن حفصية، والمؤلف والناقد المسرحي الحسين الشعبي، والممثل والفنان المخضرم حميد نجاح، وهي شخصيات يجمع بينها مشترك واحد هو "المسرح" من حيث كونه حلما وممارسة وحياة. ونصاف بن حفصية، هي خريجة المعهد العالي للفنون الدرامية بتونس، وشغلت منصب مديرة المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بصفاقس، وحاصلة على الأستاذية في المسرح سنة 1995 (ماجستير علوم ثقافية / اختصاص مسرح وفنون العرض 2006). كما أنها عضو في هيئة مهرجان البحر الأبيض المتوسط، ومديرة مهرجان ربيع المسرح المحترف بصفاقس، فضلا عن أنها كانت عضوا في عدة لجان، وتولت إدارة عدة تظاهرات. أما حسين الشعبي، فقد جمع ما تفرق في غيره، فهو كاتب وممثل ومنظم تظاهرات ونقابي وصحفي، عاصر وتعامل فنيا وإبداعيا وحقوقيا ونقابيا مع مختلف الأجيال المسرحية المغربية، من جيل الرواد إلى الجيل الصاعد. ولج الخشبات في فترة الشباب عبر انخراطه في مسرح الهواة منذ سبعينيات القرن الماضي، ليدشن دينامية إبداعية خولت له حضورا بارزا في المشهد الفني الوطني، أيا كان الموقع الذي يعبر من خلاله نحو جمهوره وزملائه في الميدان. وأصدر الحسين الشعبي نصين مسرحيين بعنوان "الساروت"، و"لوزيعة"، فيما له قيد الإعداد كتاب نقدي بعنوان "المسرح.. سياسة وزيادة..". في حين أن حميد نجاح هو الممثل المبدع، المؤمن بروح الشخصيات التي أداها ويؤديها، مسكون بالدراما والمسرح والتشكيل، ينتمي إلى طينة نادرة من الممثلين والممثلات المغاربة، فهو من جيل عشق المسرح وفن الأداء الصادق، الجيل الذي يؤدي الأدوار المركبة والتعبيرية بحكم التمكن من أدوات التعبير بحركات الجسد وقسمات الوجه. فالرجل، الذي راكم منذ سنة 1967 تجربة مسرحية مقدرة تشخيصا واقتباسا وإخراجا وتنفيذا للديكور، تتوزعه فضاءات متعددة، مكنته من المساهمة في العديد من المشاريع الفنية المسرحية، إما برأيه أو سينوغرافيته أو رؤيته الإخراجية. وهو إما في بلاطو التصوير ينقش دوره بلمسات المبدع، أو في خلوته لقراءة أعمال مقترحة، أو أمام فضاء اللوحة يناقشها إبداعا وخطوطا وتعابير، فحميد نجاح شاعر له تجارب في البوح بالحرف الفرنسي والعربي، وفنان تشكيلي له لوحات وجداريات تزين مجموعة فضاءات عبر المملكة. ويعتبر المهرجان فقرة التكريم فرصة ليقدم التحية والتقدير لمن قدم إسهاما فنيا أو إبداعيا أوخدماتيا للفن المسرحي بالتحديد، تكريسا لموقع الجامعة كفضاء للعلم والمعرفة والدرس الأكاديمي يثمن الممارسة المسرحية، ويعتز برجالات ونساء المسرح استحضارا واعتبارا وتقديرا. وتعرف هذه الدورة، المنظمة تحت شعار "المسرح والحلم"، مشاركة عدة دول عبر العالم، منها المكسيك وفرنسا ولبنان وتونس وفلسطين وسوريا وساحل العاج وكوريا الجنوبية وإيران وألمانيا واليونان وجمهورية مقدونيا إلى جانب المغرب. ويتضمن برنامج المهرجان، المنظم من طرف كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك (جامعة الحسن الثاني- الدارالبيضاء)، إضافة إلى العروض المسرحية، عقد ورشات ومحترفات تكوينية، ومائدة مستديرة مركزية لمناقشة محور الدورة التي تحتفي بالمسرح والحلم. وتجسد هذه الدورة المقامة عن بعد القناعة الراسخة لدى المنظمين بأهمية "استمرارية هذا المشروع الفني والثقافي والتواصلي بين شبيبة العالم"، على اعتبار أن هذا الحدث يسهم في خلق "مؤتمر فوق العادة تناقش وتتصاهر وتتلاقى فيه الثقافات". ويسعى إلى أن يضطلع بدوره في إعطاء صورة طيبة عن المغرب كبلد للانفتاح والتسامح والتعايش بين الثقافات والديانات، وفي ضمان الانفتاح الفني والثقافي على مختلف الجامعات المغربية وعلى العالم، بشكل يجعل منه فاعلا مهما في كل التحولات والتطورات التي يعرفها الفعل المسرحي داخل المغرب وخارجه.