كشف منظمو المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، عن أن الدورة ال32 لهذا الموعد الثقافي التي اختتمت فعالياتها أمس الأحد، عن بعد، تحت شعار «المسرح والحلم»، حظيت بمتابعة واسعة من قبل عشاق أب الفنون. وأوضحوا أنه رغم أن جائحة كورونا أثرت بشكل سلبي على كافة مناحي الحياة، بل وتأثرت العديد من الأنشطة عبر العالم، إلا أن هذه التظاهرة، المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، نجحت في تحقيق متابعة كبيرة من قبل المهتمين الذين يواكبون فقراتها عبر الشبكة العنكبوتية، نتيجة الالتزام بالتدابير الاحترازية التي أملتها الجائحة. وفي هذا الصدد، أوضح مسؤول التواصل بالمهرجان، أحمد طنيش، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن من بين النجاحات التي حققتها هذه الدورة، المتابعة الواسعة وغير المسبوقة لآلاف من الشغوفين والمهتمين بفن المسرح الذين واكبوا فعاليات المهرجان خاصة الأعمال المسرحية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأضاف طنيش أنه، بعد هذا النجاح الذي حققته الدورة ال32 من المهرجان، خاصة على مستوى المتابعة، فإن المشرفين على هذه التظاهرة الدولية سيعملون مستقبلا على تنظيم الدورات القادمة من خلال الجمع بين المتابعة الحضورية بالمسارح والفضاءات الثقافية وبين تقديم العروض عبر البث الرقمي حتى تعم الفائدة. وأشار إلى أن الدورة الحالية قدمت مجموعة من التجارب المسرحية الرائدة عالميا، عبر عروض افتراضية وكذا مجموعة من الفرق الجامعية تمثل أساسا المكسيك، وفرنسا، ولبنان، وتونس، وفلسطين، وسوريا، وساحل العاج، وكوريا الجنوبية، وإيران، وألمانيا، واليونان، بالإضافة إلى عدد من الفرق المغربية. وضمن فقرات المهرجان، تابع عشاق أب الفنون عبر الشبكة العنكبوتية المسرحية المغربية «النمس» لفرقة «المسرح المفتوح»، وعروض مسرحية أخرى منها «الوقت» لفرقة «Graduated actors from Benemerita» من المكسيك، و «ماريون» لفرقة من جامهة طهران من إيران، و «EVE II or The narrative of an attempt» لفرقة «Faltsoi Theatre» من اليونان، و»Flesh» لفرقة «Company d›Autres Cordes» من ألمانيا، «Les Clameurs du Lac Sacré» لفرقة «Ensemble Tuwani Ofri-TiTi» من ساحل العاج. وتناولت هذه الأعمال المسرحية التي تنتمي لمدارس متنوعة، لحظات مختلفة من حياة يومية لشخصيات في أزمنة وأمكنة متعددة، مع إعادة تشكليها في قالب فني، يستعرض رؤى تلامس عدة مواضيع منها معاناة الإنسان والصراع والحب. وتضمن برنامج المهرجان، الذي نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك «جامعة الحسن الثاني- الدارالبيضاء»، إضافة إلى العروض المسرحية، عقد ورشات ومحترفات تكوينية، ومائدة مستديرة مركزية لمناقشة محور الدورة التي تحتفي بالمسرح والحلم. وتجسد هذه الدورة المقامة عن بعد القناعة الراسخة لدى المنظمين بأهمية «استمرارية هذا المشروع الفني والثقافي والتواصلي بين شبيبة العالم»، على اعتبار أن هذا الحدث يسهم في خلق «مؤتمر فوق العادة تناقش وتتصاهر وتتلاقى فيه الثقافات». وسعى المنظمون إلى أن يضطلع المهرجان بدور في إعطاء صورة طيبة عن المغرب كبلد للانفتاح والتسامح والتعايش بين الثقافات والديانات، وفي ضمان الانفتاح الفني والثقافي على مختلف الجامعات المغربية وعلى العالم، بشكل يجعل منه فاعلا مهما في كل التحولات والتطورات التي يعرفها الفعل المسرحي داخل المغرب وخارجه. هذا، واحتفت الدورة 32 من المهرجان بثلاثة وجوه مسرحية، في تكريم خاص، لما أسهمت به من أجل النهوض بالفعل المسرحي أداء وتأليفا وتنظيرا. ويتعلق الأمر بكل من المبدعة والفنانة التونسية نصاف بن حفصية، والمؤلف والناقد المسرحي الحسين الشعبي، والممثل والفنان المخضرم حميد نجاح، وهي شخصيات يجمع بينها مشترك واحد هو «المسرح» من حيث كونه حلما وممارسة وحياة. ونصاف بن حفصية، هي خريجة المعهد العالي للفنون الدرامية بتونس، وشغلت منصب مديرة المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بصفاقس، وحاصلة على الأستاذية في المسرح سنة 1995 «ماجستير علوم ثقافية / اختصاص مسرح وفنون العرض 2006». كما أنها عضو في هيئة مهرجان البحر الأبيض المتوسط، ومديرة مهرجان ربيع المسرح المحترف بصفاقس، فضلا عن أنها كانت عضوا في عدة لجان، وتولت إدارة عدة تظاهرات. أما حسين الشعبي، فقد جمع ما تفرق في غيره، فهو كاتب وممثل ومنظم تظاهرات ونقابي وصحفي، عاصر وتعامل فنيا وإبداعيا وحقوقيا ونقابيا مع مختلف الأجيال المسرحية المغربية، من جيل الرواد إلى الجيل الصاعد. ولج الخشبات في فترة الشباب عبر انخراطه في مسرح الهواة منذ سبعينيات القرن الماضي، ليدشن دينامية إبداعية خولت له حضورا بارزا في المشهد الفني الوطني، أيا كان الموقع الذي يعبر من خلاله نحو جمهوره وزملائه في الميدان. وأصدر الحسين الشعبي نصين مسرحيين بعنوان «الساروت»، و»لوزيعة»، فيما له قيد الإعداد كتاب نقدي بعنوان «المسرح.. سياسة وزيادة..». في حين أن حميد نجاح هو الممثل المبدع، المؤمن بروح الشخصيات التي أداها ويؤديها، مسكون بالدراما والمسرح والتشكيل، ينتمي إلى طينة نادرة من الممثلين والممثلات المغاربة، فهو من جيل عشق المسرح وفن الأداء الصادق، الجيل الذي يؤدي الأدوار المركبة والتعبيرية بحكم التمكن من أدوات التعبير بحركات الجسد وقسمات الوجه. فالرجل، الذي راكم، منذ سنة 1967، تجربة مسرحية مقدرة تشخيصا واقتباسا وإخراجا وتنفيذا للديكور، تتوزعه فضاءات متعددة، مكنته من المساهمة في العديد من المشاريع الفنية المسرحية، إما برأيه أو سينوغرافيته أو رؤيته الإخراجية. وهو إما في بلاطو التصوير ينقش دوره بلمسات المبدع، أو في خلوته لقراءة أعمال مقترحة، أو أمام فضاء اللوحة يناقشها إبداعا وخطوطا وتعابير، فحميد نجاح شاعر له تجارب في البوح بالحرف الفرنسي والعربي، وفنان تشكيلي له لوحات وجداريات تزين مجموعة فضاءات عبر المملكة. ويعتبر المهرجان فقرة التكريم فرصة ليقدم التحية والتقدير لمن قدم إسهاما فنيا أو إبداعيا أوخدماتيا للفن المسرحي بالتحديد، تكريسا لموقع الجامعة كفضاء للعلم والمعرفة والدرس الأكاديمي يثمن الممارسة المسرحية، ويعتز برجالات ونساء المسرح استحضارا واعتبارا وتقديرا.