طوال شهر رمضان الكريم تلتقون يوميا من حكايا سينمائية بقلم المخرج المغربي عز العرب العلوي، والتي ينقلنا من خلالها الى كواليس افلامه الوثائقية والسينمائية. الحكاية السابعة : غريب أمر هذه السيدة .. لا يمكن لأي مخرج أن يتكهن بنتائج ما ستقدمه هاته المبدعة الخلاقة أمام الكاميرا..تبدو لك قبل التصوير في حالة ارتباك تام .. أذكر أني في المرة الأخيرة ونحن نصور فيلم " دوار البوم " .. كانت تقوم بقراءة أولية صحبة كمال الكاظيمي.. وعندما تمكنا هما الاثنين من حفظ النص ، طلبت منها أن تقوم بأداء دورها تماما كما لو أنها أمام الكاميرا..نظرت إلي وقالت: ما نعرفش..ما نعرفش.. نظرت إليها ثم نظرت إلى كمال..وقلت في نفسي إنها تمزح...لكنها بادرت بالقول: أنا نقدر نقولك حاجة وحدة أنه ما كنعرفش نمثل حتى تنكون قدام الكاميرا ... قالت ذلك بيقينية مطلقة وأكملت طريقها لإتمام الماكياج ... اكملنا تصوير مشاهد ذلك اليوم و تماما كما قالت..حينما تكون أمام الكاميرا تعطيك ما تريد أو أكثر مما تريد أحيانا..هي نفسها لم تجد تفسيرا لهذه الظاهرة لكنها حقيقة .. لا زلت أذكر مرة في فيلم "أندرومان" بعد ان صورنا مشهد تهيئ اندرومان لاجراء السباق ، طلبت منها أن تعيد نفس ما فعلته في اللقطة السابقة والتي كنا سنعيد تصويرها لعيب في التقاط الصوت.. قالت لي حينها: ما نقدرش نكوليك واش نقدر نعاودها.. ملي تقول أكسيون...إكون خيرا إن شاء الله.. راوية اشتغلنا سويا في خمسة اعمال: ازوران و مسحوق الشيطان و الرقاص واندرومان و مؤخرا في فيلم دوار البوم ، في الحياة العادية ، ليست هي راوية أثناء التصوير. في الحياة العادية هي كتومة ومنغلقة على نفسها.لا تتحدث كثيرا..تنظر وتراقب..ثم تلقي التحية وتغادر..من عرفها في المهرجانات سيشاطرني الرأي لا محالة.. تشعر بحرج كبير في مواجهات الناس العاديين ..لاتحب الاضواء والصحافة وفي اغلب الاحيان ترفض حتى طلب المعجبين بالتقاط صور .. تقول لي دائما بان الشهرة بالنسبة لها اصبحت مزعجة ولا تمنحها ذلك الهامش من الحرية للعيش بسلام .. وكل ماتكرهه هو ان يناديها احد في الشارع بجملة ..الفنانة ديالنا ... لكنها في مواقع التصوير إنسانة أخرى..لا تستقر في مكان .. تغني بصوت مرتفع حتى في أحلك الظروف..راوية دائمة التحرك و الغناء والرقص..تعقب على كل ما يقال داخل البلاتو بروح فكاهية نادرة... وحين تتعب تنام في أي مكان تجده امامها تماما كالاطفال في ايام الاعراس زمان ..على الأرض أو فوق كرسي لا يهم... تمارس الرياضة بانتظام ..حتى في أحلك ظروف الطقس ..تستيقظ مبكرا وتسلم ساقيها للريح لمدة ساعتين ثم تعود للفندق والكل لايزال نائما .. اثناء تصوير اندومان وجدنا ثعبانا بطول ثلاثة امتار في بلاتو التصوير.. ولما علمت بالامر اصابها رعب لايتصور ..تخشى ذكر الافاعي والعقارب الى حد الهستيريا ولاتحب موسيقى الطبل والغيطة وكل ما له علاقة بالحضرة وكناوة .. تكرههم اشد الكره وذلك لاشياء اجهلها لحد الان.. ولكن كل مااعرفه انها ذات مرة عندما عدنا من بلاتو التصوير على الساعة الحادية عشر ليلا بمدينة ميدلت.. رفضت الدخول الى مطعم الفندق الذي كنا نقطن فيه لتناول العشاء .. حتى ارغمنا المشرف على المطعم باستبدال موسيقى كناوة التي كانت تؤنس الفضاء باغنية اخرى.. قالت لي يوما ونحن في طريق العودة الى الفندق : أتدري يا عز العرب أنني لا أستنشق الأوكسجين ولا أشعر بالحياة الا حينما أكون في البلاتو فقط..وماعدا ذلك فانا اشعر بالاختناق .. قالت ذلك وعم الصمت .. وأحسست حينها بحشرجة في صوتها تشبه البكاء ، علمت حينها أنها تتنفس السينما وتحيا بهوائها. فعلا غريب أمر هاته السيدة ...لكن أعود لأقول : قلائل هن من يشبهونك يا سيدتي. بقسمات وجهك النادرة .. وبصوتك الذي يكتنز صدقا قل نظيره ..وبأداء مبدع يطل علينا من حيث لاندري... لك مني كل التقدير والاحترام.. محبتي الدائمة