طوال شهر رمضان الكريم تلتقون يوميا من حكايا سينمائية بقلم المخرج المغربي عز العرب العلوي، والتي ينقلنا من خلالها الى كواليس افلامه الوثائقية والسينمائية. الحكاية السادسة : يحدث في بعض الأحيان أن تكتب سيناريو وتقول في قرارة نفسك هذا الدور لن تكون له حياة إلا بوجود فلان..فتسعى للقاء ذلك الممثل .. لكن قد يحدث في بعض المرات ايضا ان ما يروج حول بعض الممثلين يجعلك تتراجع وتخشى اشراكهم في العمل ولا تتصل بهم.. خاصة إذا كانوا ممن دخلوا في خانة الشهرة وانهالت عليهم العروض والحوارات الصحفية، فيحدث أن تتغير طباعهم ويصبحون في بعض الأحيان عدوانيين ولا ينخرطون في العمل الا بمقدار ما تقدمه لهم من أموال ... حينها تسري بين المخرجين والمنتجين تحذيرات تدعوك الي الابتعاد عن منطقة الخطر، وألا تشرك معك في عملك السينمائي أناس سيعتبرون مجهوداتك الفكرية والمادية و الزمنية والمصيرية في بعض الأحيان و .. و و و .. مجرد رقم في سجل أعمالهم لا غير... لا يهمهم نجاحها او فشلها ..وهذا الصنف يعتبر من بين أخطر الممثليين الذين يجب الابتعاد عنهم بكل شكل من الإشكال ... بالنسبة لي حدث هذا بشكل مغاير مع الممثل محمد مجد..هذا الأخير الذي اخترته لتأدية دور شيخ القبيلة في فيلم "أندرومان من دم وفحم "..سألت عنه من من اشتغلوا معه ، فجاءت الأخبار لا تسر في معظمها ...إنسان متكبر.. يشعر بنجوميته.. ولا يقبل أي شيء..وسمعت أكثر من هذا… فوجدت نفسي في حيرة من أمري .. غيرت الوجهة من جديد واتصلت بالصديقة والصحفية فوزية زين الدين التي كانت حينها مخرجة لبرنامج " صورة " في القناة الثانية .. وعبرت لها عن رغبتي في إشراك محمد مجد في الفيلم لكوني اكبر المعجبين بملامحه أولا وبأدائه ثانيا .. وأخبرتها اني تلقيت تنبيهات متعددة من بعض الأصدقاء المخرجين والمنتجين ... استوقفتني فقالت لي: أنا صديقة الرجل وقد حاورته مرارا وتكرارا في إطار شخصي ومهني .. الرجل ليس كما قيل لك..وحتى إذا كان ما قيل لك صحيحا ..فالظروف تتغير حسب طبيعة الإنتاج و طبيعة المخرج أيضا..وأنا اعرفك أنت أيضا يا عز العرب ..فأنت رجل تواصل بامتياز وجدت الأمر منطقيا إلى أبعد الحدود..لماذا لا أخوض التجربة بنفسي .. اتصلت بالرجل وعرضت عليه السينار يو.. قرأه في ثلاثة ايام واتصل بي ليلا وسآل عن من سيقوم بدور "اوشن " بطل الفيلم ..وشعرت من تلميحاته انه يريد هذا الدور لنفسه ..قلت له بلطف ..ان هذا الدور مسنود الى الممثل محمد خيي ..في الحقيقة لم يزعجه هذا المعطى بل شكر في مؤهلات محمد خيي كثيرا .. وفي الأخير عبر عن رغبته في المشاركة... عندما التقينا في جلسة عملية لم أجد صعوبة كبيرة في الاتفاق حول المبلغ المرصود لهذا الدور... الاشكال الكبير الذي كنت اعاني منه في تصوير فيلم اندرومان من دم وفحم كان هو موقع التصوير .. تفردوست او صخرة تيتانيك كما كان يحب البعض ان يسميها ..المكان كان صعبا للغاية ... فهو بعيدا كل البعد عن الحضارة ..مكان كانك في العصور الوسطى ..الافاعي والعقارب والخنازير في كل مكان ..وبلاطو التصوير كان يتموقع في اعلى الجبل..ويحيط به واد من جميع الجهات لا يمكن الوصول اليه الا عبر قنطرة ضيقة وتسخير الدواب لذلك أيضا ..هذا المعطى جعل الكثير من التقنيين ينسحبون من اول يوم تصوير و هناك من انسحب بمجرد رؤيته .. احضار محمد مجد إلى هذا المكان كان بالنسبة لي الامتحان الأخير لعقد هدنة وسلام مع الرجل ..لا أخفي عنكم ا أني كنت متوجسا من النتائج ..لهذا السبب ركزت بشكل كبير - منذ البداية - على مشاهد محمد مجد برمتها، حتى يتمكن من مغادرة البلاتو في ظرف زمني قياسي ونحن في وئام وسلام بدون مشاكسات او ملاسنات .. لكن والشهادة للتاريخ..أنه حينما بدأنا الاشتغال حصل عكس ماكنت اخشاه تماما ..كان الرجل رمزا للاستقامة والمهنية..فنظرا لعدم توفر اي مؤسسة فندقية في المنطقة فقد استأجرنا اكثر من ستين غرفة داخل اوساط العائلات وكان محمد مجد من بين من يقطن غرفة في وسط عائلي .. وللاستحمام استأجرنا حمامين عموميين للنساء وللرجال ..طيلة فترة التصوير من الساعة السادسة مساء وما فوق .. خاص بفريق التصوير .. في ظل هذه الظروف ..الرجل كان في غاية الارتياح ..يحضر في أوقاته حافظا لحواراته..لم يطلب يوما شيئا زائدا عن احتياجاته..ولم اشعر يوما أنه استغل نجوميته في وجه أحد..كان يآكل مما نأكله جميعا ولم يحدث آن طلب أكلا مميزا او ماشابه..بل كنت أشعر بانتمائه للعمل وبالاستماتة في الدفاع عن نجاحه ... كان الرجل من المفترض ان يغادر البلاتو بعد ثلاثة أيام من التصوير ليعود بعد خمسة عشر يوما ليتمم ما تبقى من المشاهد في موقع تصوير اخر .. لكنه لم يغادر.. بل ظل معنا بطيب خاطر المدة كاملة.. وفيها خبرت معدن الرجل وتذكرت الأحكام المسبقة التي ما فتئت تروج حوله .. الأحكام المسبقة داء يسم العلاقات البشرية ويجعلها غير قابلة للتعايش..فو الله كان محمد مجد أفضل ممن اجتمعت حولهم الآراء و الشهادات بالطيبة وحسن الخلق.... لا زلت أتذكره في المهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا، وهو المهرجان الذى توج فيه فيلم اندرومان بجائزة لجنة التحكيم وهى أسمى جائرة حصل عليها المغرب في جميع دوراته لحد الان .. هذا المهرجان المرموق دوليا ... لازلت أتذكره وكان حينها صحبة زوجته و قد شاهدا الفيلم لأول مرة.. عانقني الرجل بحب وفرح أمام مرأي ومسمع من الجميع وقال: "لا بد أن أحصل على نسخة من هذا الفيلم.. فمثل هذه الأفلام هي التي يجب أن احتفظ بها في خزانتي وهي التي يجب ان اعتز بمشاركتي فيها… قالها وغادرنا الى دار البقاء قبل أن يأخذ نسخة من الفيلم.. لكن وجوده داخل الفيلم وفي قلوبنا سيظل حاضرا ، شامخا كجبال الأطلس.. لك الرحمات حيث انت يامحمد ..يامجد السينما المغربية … وإلى حكاية أخرى من الحكايات الوثائقية .