تشكل الانتخابات الجماعية والجهوية المقبلة مرحلة فارقة في تاريخ المغرب. فهي لحظة مؤسسة فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، وإشراك المواطن في قضايا التنمية المحلية، إقرارا للمبدإ الملكي القاضي بالتشارك بين المؤسسات والمواطن في قضايا تدبير الأمور الحياتية والإنتاجية. ويظهر من خلال مشاريع القوانين الانتخابية، التي لها طابع الاستعجالية، ومن خلال مشروع التقسيم الجهوي الجديد، أن المغرب ذاهب نحو جهوية موسعة تضمن تفاعلا اجتماعيا واقتصاديا، وتمنح صلاحيات للساكنة من خلال ممثليها، من خلال إرساء قواعد التسيير المبني على أسس الانتخابات المباشرة للأجهزة التنفيذية، محليا وإقليميا وجهويا. ومن شأن هذا التقسيم الجديد، وفق أدوات ديمغرافية وجغرافية وقبلية وإثنية وسوسيولوجية، أن تمنح لهذه الجهات القوة على تدبير أمورها بشكل منسجم ومتكامل، اقتصاديا وثقافيا، كما يمنحها إمكانيات الانصهار داخل مؤسسات منتجة قادرة على استيعاب القدرات الاقتصادية. فالجهوية الموسعة كما يريدها المشرع المغربي بالإضافة إلى الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية من المملكة، تهدف إلى خلق تناغم بين كافة الجهات وبين مناطق الجهة نفسها، ومحاولة للحد مع تشديد الموارد والثروات. وتشكل الجهوية مرجعية شبه دائمة في الخطب الملكية، حيث أبان الاهتمام الملكي بنظام الجهوية بالمغرب عن أهميتها وأبعادها التنموية التي أصبحت لصيقة بالتدبير الجهوي، إذ أن جل الخطب والتوجيهات الملكية التي حملت في طياتها دعامات أساسية تعزز النظام اللامركزي والجهوي بالمغرب، ما فتئت أن ربطت الجهوية المتقدمة بأبعاد ومرتكزات تنموية، وسوسيو اقتصادية ومجالية. وتجد الجهوية الموسعة مرجعيتها في الخطب الملكية، التي شكلت البوادر الأولى التي تدعو إلى تبني نظام جهوية متقدمة وموسعة ذات خصوصية مغربية، ويتعلق الأمر بنص الخطاب الملكي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الشعب بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء من مراكش بتاريخ 06 نونبر 2008، والخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2009 بطنجة، والخطاب الملكي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الشعب يوم 03 يناير 2010 من مراكش والخطاب الملكي بتاريخ 09 مارس 2011. أما من حيث المرجعية الدستورية فقد نص الفصل 136 من الدستور الجديد، على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن، وتكريس المقاربة التشاركية عبر تأمين مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم عن طريق انتخاب ممثليهم في المجالس الجهوية بصفة مباشرة عن طريق تبني نظام نمط الاقتراع العام المباشر، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، كما أن الجهات في ظل الوضع المتقدم تساهم إلى جانب الجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية. وتهدف الجهوية الموسعة إلى تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور ضمن الجماعات الترابية، وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب ومتطلبات التوازن والتضامن الوطني بين الجهات، وانتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، وعلى التدبير الديمقراطي لشؤونها، وتخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها بدل العمال والولاة، وتعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، وفي الحقوق السياسية عامة، وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية. بالجملة ليس التقسيم الجهوي قضية انتخابية ولكنه قضية تنمية ونهوض بالإنسان والمجال الترابي وتعزيز الدور الإنتاجي للجهات.