الجزائر التي لا يعرفها العثماني رحل سعد العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، عن وزارة الخارجية والتعاون غير مأسوف على مغادرته إياها، بل يمكن اعتبار أحسن ما قام به بنكيران في النسخة الثانية من حكومته أو حكومته الجديدة هو إبعاد العثماني، الذي أبان عن ضعف كبير في إدارة الديبلوماسية المغربية، والذي لم يقدم لها شيئا ولم يترك بصمته عليها كما يدعو إلى ذلك الداعية الوهابي العريفي صاحب فتوى جهاد النكاح، لكن في مقابل فشله في إدارة الديبلوماسية والملفات الحرجة والشائكة فإن العثماني أبدى اندفاعا غير مسبوق في الأمور التي لها علاقة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين سواء تعلق الأمر بمخالفته لمواقف المغرب فيما يتعلق بسوريا، حيث سكت عن دخول إخوانه إلى أراضي دولة أخرى ولقائهم بالمقاتلين من جبهة النصرة أو تعلق الأمر بالموقف مما حدث بمصر وانحياز الجيش لانتفاضة الشعب المصري. العثماني هذا الذي تأسف كثيرون على مغادرته الحكومة يستحق أكثر من المغادرة بل يستحق المحاسبة لأنه خدع المغاربة من خلال زيارته للجزائر. نعم نفهم أن الدولة لا تنخدع بمثل تصريحات رجل سماه الطبالجية كبير الديبلوماسيين وهو تحت الصفر في الخارجية. ولكن الرسالة الموجهة للرأي العام فيها خديعة. فلما زار العثماني، أيام قيادته بالخطإ لأهم وزارة في الحكومة، الجزائر واستقبله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مسكنه، وجامله لمدة ثلاث ساعات، عاد للمغرب ليفتح فاه بكلمات حاول من خلال الإيحاء بأنه حقق الفتح المبين، وأن المشاكل العالقة بين البلدين منذ استقلال الجزائر سيحلها العثماني في ثلاث ساعات. وسوق العثماني لنموذج جزائري لم يعرفه المغاربة، النموذج المساعد للتعاون والتفاعل والتفاهم، وصور لنا العثماني أن فتح الحدود المغربية الجزائرية المحكمة لم يعد سوى مسألة أيام أو أسابيع، وقال إنه تفاهم مع بوتفليقة على حلحلة كل المشاكل العالقة التي ليست سوى نتيجة لسوء الفهم بين البلدين. عندما قال العثماني هذا الكلام ضحك الكثيرون وخصوصا الذين يعرفون جيدا النظام الجزائري. حيث قال من خبر السياسة الجزائرية أنه إذا وعدك بوتفليقة بالجنة فاعلم أنك ستتجه مباشرة لجهنم، لأن بوتفليقة الذي عانق العثماني واستقبله في بيته لا يملك من أمره شيئا وأن قصر المرادية أصبح صالحا للسياحة وليس السياسة أما من يدير دفة البلاد فإنه يوجد بالقيادة العليا للجيش. وكنا ممن انتقد هرولة العثماني نحو الجزائر وهكذا أسميناها في حينها، وقد جاءت الأحداث الأخيرة لتزكي موقفنا وتقول إن العثماني كان على خطإ في موقع وموقف لا يقبلان الخطأ. وها هي الأيام تؤكد أن الرؤية إلى الجزائر لا تبني على مبادئ حسن الجوار ولكن على القراءة الكاشفة لأبعاد الجيوبوليتيك بالمنطقة تحقيقا لمصلحة بلدنا التي يعاديها النظام الجزائري. إن قصة العثماني مع بوتفليقة تؤكد بالملموس أن الإخوان في العدالة والتنمية عليهم أن يبتعدوا عن السياسة الخارجية للمغرب مراعاة لمصالحه الاستراتيجية فهم لا يفهمونها سوى في ارتباطها بالإخوان المسلمين.