بنكيران يخاطب نفسه يضمن الدستور للمعارضة ما لا يضمنه لها بنكيران. واختار المشرع تقديم الفصول المتعلقة بالمعارضة عن الأغلبية والحكومة وذلك لأهميتها في النظام الديمقراطي. ولم يكن ترتيب الفصول عبثا. حيث "يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية". لكن يبدو أن بنكيران له وجهة نظر أخرى مخالفة للدستور أو له فهم خاص لتمكين المعارضة من حقوقها، ربما يرى ذلك يتعارض مع "التمكين" للحزب الإسلامي بقيادة الحكومة. إذا أصرت المعارضة على حقوقها في مدة زمنية معادلة للمدة الزمنية للأغلبية وحكومتها في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، وأصر بنكيران رفض ذلك، وقاطعت المعارضة جلسة رئيس الحكومة، فإننا سنكون أمام الوضع الذي أراده بنكيران، هو مخاطبة نفسه وإخوانه وأغلبيته، واستغلال الوقت والبث المباشر لبعث رسائل للناخبين، وتمرير رسائل خاصة إلى من يهمه الأمر وإلى خصومه السياسيين. لكن أين الجدوى من الجلسة الشهرية؟ وهل يمكن عقدها دون معارضة؟ هل يبقى لها هدف؟ أين هو دور المعارضة الرقابي؟ وما الجدوى من مخاطبة أغلبية تصوت لرئيس الحكومة في كل الحالات وتدافع عنه؟ يقول المغاربة في مثل رائع "شكون شكرك يا لعروسة؟ قالت أمي وختي". لماذا يحتاج بنكيران إلى مخاطبة "أهله وعشيرته" من الأغلبية الحكومية؟ فالمعارضة تطالب بالمناصفة في التوقيت لأن بنكيران يهاجمها ولما ينتهي تهاجمها الأغلبية. إذا غابت المعارضة لن يعود هناك من جدوى لمساءلة رئيس الحكومة. فأسئلة الأغلبية شبيهة برفع الكرة كي يضربها بنكيران. وبالتالي ستفقد الجلسة طابعها الرقابي. فالمعارضة هي أحسن من يمارس الرقابة على الحكومة وعلى رئيسها لأن الأغلبية لن تنتقد نفسها. وهذا طبيعي. إذا غابت المعارضة عن الجلسة الشهرية انتفى دورها الرقابي وأصبح بنكيران بين "أهله وعشيرته" ولا حاجة لعقد الجلسة، وسيطرح الموضوع إشكالا دستوريا. فمن ناحية هو ضرب عرض الحائط الفصول الدستورية المتعلقة بمنح المعارضة كافة الإمكانيات لممارسة دورها الرقابي والتشريعي. ومن جهة أخرى ستكون فقط مناسبة يستغلها رئيس الحكومة لاستعراض قاموسه اللغوي الذي يمتح من الغابة والحيوانات، ويتم فيها تقديم النكت الحامضة، وتسويق الخطاب الانتخابي المفلس، وإبراز عنتريات بنكيران في الخطابة ومواجهة خصومه السياسيين بلغة قدحية، وتبرير إخفاقات الحكومة في إدارة شؤون البلاد، ويقع كل ذلك على حساب مصالح المواطنين وتطلعاتهم. إن المشرع عندما أقر الفصل 100 من الدستور كان يهدف إلى إصلاح ما هدمه الزمن السياسي والحزبي وجعل البرلمان نافذة للتكوين السياسي ونافذة لمراقبة الشعب لعمل الحكومة والبرلمان ومراقبة البرلمان لعمل الحكومة، إلا أن المشكل يكمن في رئيس الحكومة الذي حول الجلسة إلى ركح لعرض مسرحية رديئة. عندما كان بنكيران يأتي للجلسة الشهرية وتجلس أمامه المعارضة سمينا ذلك "مهزلة الجلسة الشهرية"، أما إذا غابت عنها المعارضة فهي النزول إلى الدرك الأسفل من الانحطاط السياسي.