مهزلة الجلسة الشهرية للأسف الشديد لم يكتشف البرلمانيون، في مجلس النواب والمستشارين، مهزلة الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة إلا بعد مرور سنة ونصف وهي تعني ضياع وقت كثير في الزمن السياسي. فعندما أقر الدستور في فصله المائة جلسة شهرية لمساءلة رئيس الحكومة كان هدف المشرع هو وقوف رئيس الحكومة أمام البرلمانيين ليقدم للرأي العام حصيلة كل شهر ومستجداته الحكومية والأزمة التي يعيشها المغرب وتدبير الملفات الشائكة، وجاء في الفقرة الثانية من الفصل المذكور "تُقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة". فعلى امتداد سنة ونصف كانت الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة عبارة عن ساحة جامع الفنا (دون تنقيص من دور الجامع الثقافي)، يتم فيها تقديم النكت الحامضة، وتسويق الخطاب الانتخابي المفلس، وإبراز عنتريات بنكيران في الخطابة ومواجهة خصومه السياسيين بلغة قدحية، وتبرير إخفاقات الحكومة في إدارة شؤون البلاد، ويقع كل ذلك على حساب مصالح المواطنين وتطلعاتهم، وبدل ذلك يركب حزب العدالة والتنمية على ملفات واهية ويفبرك خصومات وهمية ودردشات على الهامش حولت الجلسة الدستورية إلى مهزلة تاريخية. إن المشرع عندما أقر الفصل 100 من الدستور كان يهدف إلى إصلاح ما هدمه الزمن السياسي والحزبي وجعل البرلمان نافذة للتكوين السياسي ونافذة لمراقبة الشعب لعمل الحكومة والبرلمان ومراقبة البرلمان لعمل الحكومة، إلا أن المشكل يكمن في رئيس الحكومة الذي حول الجلسة إلى ركح لعرض مسرحية رديئة. من غير المعقول أن يتم الحديث عن الجلسة الشهرية وعن دستوريتها وأن من يعارضها أو يضغط في اتجاه تغيير مسارها هو مخالف للدستور، فليس جدير بالحياة الدستورية أن يتم استغلال الجلسة الشهرية في أتفه خطاب سياسي عرفه تاريخ المغرب، فحتى في عهد بعض الزعماء الذين كانوا يطلقون النكت كانوا رجال سياسة كبار. أما بنكيران فقد "بهدل" العمل السياسي وسعى إلى تبخيسه. وقضى كل الجلسات يمارس الخطابة الانتخابية في صيغها المتدنية التي لا تجيب عن سؤال. وإذا كان البرلمانيون وأحزابهم السياسية قد اكتشفوا مهزلة الجلسة الشهرية فإن الأمر يطرح أكثر من سؤال على النخبة السياسية، التي ينبغي أن تفكر في مصير الفصل 100 من الدستور أو على الأقل رفض الجلوس أمام بنكيران حتى يتم إعادة النظر في طبيعة الجلسة وطريقتها. ولأن الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة تم استغلالها بشكل غير ديمقراطي وتم استغلالها بطريقة بشعة من خلال تمرير خطاب حزب واحد في الأغلبية بدل الأغلبية ويمكن الرجوع إلى التسجيلات المتوفرة، وكان بنكيران يظهر كزعيم حزب سياسي بدل زعيم للأغلبية أو رئيس حكومة كل المغاربة. وبالتالي لابد من وقفة صارمة لوقف هذه المهزلة حتى لو كان الوقت متأخرا وكما يقول المثل الفرنسي : Il n'est jamais trop tard pour bien faire