عندما استضاف برنامج حوار بالقناة الأولى عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، وسأله أحد الصحفيين ما إن كان يتهيأ لرئاسة الحكومة في حالة فوز حزبه بالرتبة الأولى رد عليه بنكيران ووجهه يقطر عبوسا "أنا موجود من دابا..مالك حكرتيني" وكررها أكثر من مرة. وقال خلال الحملة الانتخابية "امنحونا الحكومة لمدة ستة أشهر وسنريكم المعجزات"، وبعد فوزه بالرتبة الأولى قال وهو يفتح فاه كثيرا "سيرى المغاربة مفاجآت سارة مباشرة بعد تشكيل الحكومة"، ناهيك عن تقديم برنامج انتخابي يتضمن 1500 إجراء. لقد منح المغاربة بنكيران ستة أشهر مضاعفة وانتظروه كثيرا فتحولت المعجزات إلى وهم وشعوذة. وتبين أن بنكيران لم يكن مهيأ لرئاسة الحكومة بل أكد تطور الأحداث أنه لا يصلح لرئاسة الحكومة. فلماذا لا يصلح بنكيران لرئاسة الحكومة؟ لا يصلح بنكيران لرئاسة الحكومة لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالشكل ومنها ما يتعلق بالمضمون : من اليوم الأول لرئاسته الحكومة ظهر بنكيران بمظهر المهرج، وأطلق العنان لنكته الحامضة، وبدل أن يقنع المواطنين بلغة المنطق والحجج الرياضية وبالأرقام كان يحكي عن الحاجة جارته وعن بائع الديطاي الذي يقول له "حنا معولين عليكم آ السي بنكيران". ولم يخف بنكيران نرجسية خطيرة تقبع ثاوية في دواخله، إذ لم يتحدث في يوم من الأيام عن المجموع ولكن عن نفسه حيث يقول "غاذي نزيد فالمازوت ونقص في الدعم"، "غاذي نعطي الهجالات ألف درهم في الشهر". فبنكيران يتعامل مع الخزينة العامة وكأنها "شكارة ديال مول الحانوت"، سيحثو منها ويعطي، وأنها ليست أرقاما مضبوطة يتم توزيعها على ميزانيات حسب الضرورات والحاجات، لهذا وعد الهجالات بألف درهم شهريا، وقد انتظرن كثيرا لكنهن لم يتوصلن بشيء ولا يبدو أنهن سيتوصلن بشيء لأن المنطق يفرض مضاعفة الإنتاج لا منح الصدقات. وهل يصلح رئيسا للحكومة من لا يكتم سرا؟ فبنكيران وبعض وزرائه يتحدثون كثيرا عن مكالمات هاتفية مع الملك. وهذا طبيعي لأن الملك هو رئيس مجلس الوزراء. لكن كثرة الحديث عن هذا الموضوع أكدت نقصا حادا في فهم طبيعة الدولة وطبيعة رجل الدولة مما طرح أكثر من سؤال : هل سيكتم بنكيران المعلومات الأمنية التي تتوفر لديه والتي ستتوفر لديه بعد أن يتم تأسيس المجلس الأعلى للأمن والذي هو عضو فيه بحكم صفته؟ وسعى بنكيران جاهدا لتبخيس مؤسسات الدولة، ورئيس حكومة لا يحترم مؤسسات الدولة حري به أن يكون خارجها ولا يصلح حتى للمعارضة. لأن المؤسسات باقية والحكومة زائلة. ومن يحكم اليوم يصبح غدا في المعارضة. وقد أضحك بنكيران الناس وهو يقول "إذا استمر علي الضغط غاذي نمشي لداري"، أضحك الناس لأنه ما زال في داره، رافضا المنزل المخصص لرئيس الحكومة، مضاعفا أتعاب رجال الأمن الذين يحرسونه ومضيعا على خزينة الدولة بدل الكراء الذي يحصل عليه. ولا يصلح بنكيران رئيسا للحكومة لأنه لم يستطع إحداث الانسجام وسط وزرائه، ووسط التحالف الحكومي، حيث ظلت مكونات الأغلبية تتبادل التهم وتتنابز بالألقاب ويلعن بعضها بعضا. فرئيس الحكومة بمثابة المايسترو الذي يضبط الإيقاع، لكن حكومة بنكيران شبيهة بالعزف غير المنسجم حيث لا يسمع إلا الضجيج. وهل يمكن تصور رئيس للحكومة بدون استراتيجية وبدون خطط بديلة؟ فرئيس الحكومة بهذا الشكل يمكن الاستعاضة عنه بشركات المناولة، فرئيس الحكومة لا يضع الخطط المستقبلية يمكن تعويضه بشركة لتدبير رئاسة الحكومة ولا حاجة حينها لانتخابات وتحالفات وصرف المال العام. فبنكيران يصلح لأي شيء إلا أن يكون رئيسا للحكومة. فرئيس الحكومة هو منسق لتحالف الأغلبية وهو بالتالي يترك المسافات اللازمة بينه وبين باقي الأحزاب بما فيه حزبه. لكن بنكيران ظهر أنه منحاز بشكل ضيق وشوفيني لحزبه، وبالتالي هو قائد للأغلبية ويحارب الأغلبية أو جزءا من الأغلبية. ومن ثم تنتفي فيه صفة القائد الجامع حيث أصبح عنصر تفرقة لا عنصر تجميع. ولا يمكن أن يسير المغرب بحكومة على رأسها من يدعو للتفرقة والفتنة. لكل تلك الأسباب وأسباب أخرى لم نأت على ذكرها نقول لا يصلح بنكيران لرئيس الحكومة.