لا يفرق بنكيران بين رئاسته للحكومة وشغله منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وكونه الأب الروحي والمؤسس لجماعة التوحيد والإصلاح الدعوية، هذا الخلط هو الذي سبب هذه الانعكاسات الخطيرة اليوم والمتمثلة في مغامرات العاطلين بالرباط التي لم تنته عند حد معين من احتلال للمرافق العمومية وعرقلة السير دون مراعاة حاجيات الساكنة في التنقل. فرجل السياسة يميز بين الخطاب الحزبي، والذي لا يمكن أن يتجاوز حدود المعقول، وبين ممارسات النقابة وتدخلات المجتمع المدني، وبين ممارسة الشأن العام والمشاركة في التسيير الحكومي وولوج دواليب الدولة، يفرق بين رجل السياسة الذي يتحمل مسؤولية حزبه ومناضليه والوزير الذي يمثل الدولة قبل كل شيء. فالوزير مفروض فيه ضمان الاستقرار لا القيام بأفعال تثير الغضب في الشارع، وما قام به بنكيران إلى حد الآن يدخل في هذا السياق، فهو الذي خلق الأزمة قبل أن تبدأ الحكومة ممارسة مهامها في انتظار تقديم التصريح الحكومي والمصادقة عليه من طرف البرلمان. فبنكيران حاول لعب دور الإطفائي عقب اقتحام عدد من حاملي الشهادات العليا بنيابة تابعة لوزارة التربية الوطنية، لكن فشل في ذلك. وظل العاطلون ينتظرونه يوم الإثنين الماضي كما وعدهم لكنه أخلف وعده، واتصل بهم هاتفيا ليكرر على مسامعهم مرة أخرى برنامج "الصبر" الذي لخص به كل شيء بعد أن خرج منتصرا في الانتخابات التشريعية. فلم يتمكن بنكيران من حل الأزمة ولكنه خلقها وزاد من تأجيجها حيث أصبح العاطلون يجوبون شوارع الرباط صباح مساء مطالبين بنكيران بالوفاء بوعوده. وخلق بنكيران الأزمة، لأنه لم يميز بين رجل السياسة المحنك الذي لا يتجاوز في برنامجه الانتخابي الممكن إنجازه، ولأنه لا يفرق في برنامجه الانتخابي والدعائي بين ما يسمح الواقع والإمكانيات بتحقيقه وبين الوهم والوعود القادرة على جلب الأصوات لكن غير قادرة على حل المشاكل. فالعاطلون كانوا يعولون على التنمية، إذ يتذكرون الرميد عندما يذرف الدموع تضامنا معهم، ويتذكرون مسؤولي الحزب وإعلامه وهم يركزون على تشغيل العاطلين، ويتذكرون جيدا برنامجه الانتخابي الواعد بالمعجزات، لكل الأسباب فهم اليوم كشروا أنيابهم في وجه الحزب الذي يقود التحالف الحكومي ويعدونه بشتاء ساخن وغزو لا قبل له به. فرجل الدولة لا يمكنه المجازفة بالوعود فهو ينصت أولا للمطالب ويدرسها مع خبرائه قبل أن يقرر فيها. فالمغرب قضى 20 سنة في علاج ملف العاطلين سواء تعلق الأمر بمنتسبي جمعية العاطلين حاملي الإجازة والتي تم حل الكثير من حالاتها عن طريق توظيفهم في الجماعات المحلية، أو المنتسبين لمجموعة الأطر العليا التي تم توظيف فئات واسعة منها. ولم نشهد حكومة تعد بالمعجزات لحل هذا المشكل، لكن اقترحت حلولا كانت ناجعة في بعض الأحيان إلى أن جاءت حكومة بنكيران التي وعدت بالمعجزات في زمن الأرقام والاستراتيجيات.