أصبحت مدينة طنجة٬ التي تستضيف منذ، أمس الأربعاء، الدورة الثالثة للمناظرة الوطنية للصناعة٬ قطبا صناعيا مزدهرا، حيث باتت تعكس الدينامية التي يشهدها القطاع الصناعي في المغرب، من خلال القطاعات الصناعية التي تحتضنها، خاصة قطاع السيارات الذي عرف انتعاشة كبيرة مع إحداث مصنع رونو. وبفضل هذه الطفرة الصناعية تمكن المغرب من احتلال مركز ريادي في العالم في ثلاث أقطاء صناعية، وهي الصناعات المتجددة والفوسفاط والسيارات، وجاءت هذه الرتبة العالمية، بفضل التشجيعات التي تم وضعها من أجل تشجيع الاستثمار في المجال الصناعي. الجهوية الموسعة طفرة نحو المستقبل يشكل مصنع مجموعة رونو- نيسان بملوسة الذي مرت سنة على بدء تشغيله٬ نجاحا حقيقيا يفتح الطريق لاستثمارات أخرى في هذا القطاع الاستراتيجي. وتمثل الدورة الثالثة للمناظرة الوطنية للصناعة فرصة لتقييم الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي والإنجازات المسجلة٬ وأيضا التوقف عند المشاكل التي تعيق تطور بعض الفروع خاصة على مستوى الرصيد العقاري الموجه للنشاط الصناعي وتكوين الكفاءات. إضافة إلى تقديم رؤية أكثر وضوحا وشفافية للفاعلين الحاليين وجذب آخرين بهدف جعل المغرب أرضية صناعية حقيقية معترفا بها عالميا. ولقد أفضت الجهوية الموسعة وما عرفته من إصلاحات إلى خلق نظام اقتصادي يلعب فيه رؤساء الجهات دورا مهما، من أجل تحسين النموذج الاقتصادي للجهات، وذلك من خلال إعادة تشكيل الأدوار مع الولاة والعمال، مع ما سيتيحه إصلاح المنظومة القضائية من احترام القواعد القانونية. وفي هذا الإطار سعى المغرب إلى بلورة مشاريع جديدة أكثر تطورا من قبيل الخط فائق السرعة، والتكنولوجيا الحديثة. ولأن أي نموذج صناعي يحتاج إلى قوانين وآليات منظمة، فقد عمل المغرب على تقوية الأداء البشري من خلال إجراءات أكثر تنافسية، عبر تحديد الرواتب والتعويضات وخاصة في القطاع الخاص، مع وضع القوانين التنظيمية للإضراب، إضافة إلى دعم جانب اللوجيستك عبر اعتماد مخطط وطني يشكل خزانا مهما للتطور. مناظرة الصناعة فرصة للإقلاع عقد الفاعلون الاقتصاديون والصناعيون آمالا كبيرة على هذه الدورة التي تنعقد في ظرفية اقتصادية يطبعها الحرص على إنجاز العديد من المشاريع الطموحة التي لها أبعاد تنموية وذات آفاق واعدة بالنسبة للاقتصاد الوطني في إطار الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي (2009-2015)، حيث مكن الميثاق منذ انطلاقه إلى الزيادة في عدد مناصب الشغل بحوالي 7 في المائة سنويا٬ مما اعتبره الملاحظون مؤشرا على نجاح البرامج الرامية إلى النهوض بالقطاع ومبعث أمل لتحقيق نتائج أفضل في المستقبل. وستتركز أشغال الدورة الحالية لمناظرة الصناعة أساسا على الإنجازات المسجلة، ومتابعة دينامية الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي، ومؤهلات القطاع الصناعي المغربي من حيث الاستثمارات والصادرات، والعروض الكفيلة بتعزيز تنافسية المقاولات الصناعية، وآفاق الصناعة المغربية من خلال تفعيل التزامات جديدة. ميثاق الإقلاع الصناعي يرسخ الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي٬ هو برنامج تعاقدي تم توقيعه تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2009، الالتزامات المتبادلة لكل من الدولة والقطاع الخاص من أجل تفعيل الاستراتيجية التنموية للصناعة بالمغرب. ويستند الميثاق إلى فكرتين محوريتين تتجلى الأولى في ضرورة تركيز الجهود على القطاعات التي يحظى فيها المغرب بمزايا تنافسية، والمعروفة بالمهن العالمية للمغرب. وتضم مهن صناعة السيارات، والطيران، والإليكترونيك، والصناعة الغذائية، والنسيج والجلد، وترحيل الخدمات. وتتمثل الفكرة الثانية في ضرورة تعزيز كل النسيج المقاولاتي، من خلال أربعة أوراش أفقية كبرى هي دعم تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتحسين مناخ الأعمال، والتكوين، وتطوير المحطات الصناعية المندمجة. ورغم ما تحقق حتى الآن في إطار الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي وإمكانيات التطوير الكبيرة في هذا المجال، لاتزال هناك عراقيل تحول دون الانطلاقة المنشودة، إذ أن اجتماع لجنة قيادة الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي ينبغي أن يهتم أساسا بكيفية التوافق على معالجة الإشكاليات المطروحة عبر الالتقائية والتشاور والتحكيم واتخاذ القرارات الإدارية المناسبة في الوقت المناسب. ومن هنا يأتي اختيار شعار الدورة الحالية٬ التي تنظم بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب،"إقلاع، دينامية متواصلة". ويرمي التنظيم المشترك بين الدولة والقطاع الخاص إلى جعل هذا الأخير شريكا استراتيجيا لا محيد عنه في تحقيق الأهداف الإنمائية المرجوة٬ التي قد تتبلور من خلال تمكين المناظرة الوطنية الثالثة للصناعة، في إطار متابعة المهن المستهدفة في الميثاق، بتوضيح الرؤية من أجل مؤازرة الفاعلين الحاليين واستقطاب فاعلين جدد، وذلك بهدف جعل المغرب محطة صناعية حقيقية معترف بها عالميا. حصيلة صناعية مهمة وسيتم خلال هذا الملتقى الهام استعراض حصيلة مرحلية للميثاق الوطني للإقلاع الصناعي، التي ستسمح بالوقوف على المنجزات المسجلة بفضل انخراط وتعبئة كافة الأطراف المشاركة من القطاعين العام والخاص. وأكد بلاغ للوزارة أنه "منذ انطلاق تفعيل تدابير الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي، ترسخت دينامية حقيقية، وذلك من خلال الإنجازات المسجلة بفضل الالتزام الثابت للأطراف المتدخلة، الذي يتعين المحافظة عليه بشكل متواصل من أجل تشييد صناعة الغد المغربية". وتحظى الدورة الحالية٬ بالنظر لأهمية الموضوع المطروح والآمال المعقودة على الشراكة الاستراتيجية بين القطاعات المعنية٬ باهتمام متميز من لدن الفعاليات الوطنية والدولية حيث من المنتظر أن تعرف هذه التظاهرة مشاركة نحو 1500 فاعل وطني ودولي يمثلون٬ بالخصوص٬ مقاولات وجمعيات مهنية، والإدارات والوكالات المنخرطة في مسلسل التنمية الاقتصادية، والبعثات الديبلوماسية. وستمنح هذه التظاهرة للمستثمرين فرصة لإجراء لقاءات عمل، والإطلاع على مكونات العرض المغربي. إعادة النظر في خصوصيات ميثاق الإقلاع يرى كثير من الخبراء والفاعلين أن ميثاق الإقلاع يعد بنتائج مهمة مستقبللا شريطة أن يتم الاستفادة من التراكمات التي حققها، وكذلك السلبيات التي سجلها منذ انطلاقته، ودعا الخبراء إلى ضرورة خلق مزيد من الاستثمارات داخل المغرب العميق الذي يطلق عليه "المغرب غير النافع"، وتقوية حضور كل الفاعلين بما فيهم السلطة المحلية والمجالس الجهوية للاستثمار والجماعات المحلية، وذلك في سياق تفعيل الجهوية المتقدمة، كما دعا المراقبون إلى أهمية وضع مراقبة مستمرة من خلال إعادة تشغيل لجان المراقبة الاستراتيجية التي تم إهمالها، وذلك بهدف تحديد المخاطر الكبرى للصناعة، وأكد المراقبون على ضرورة القطع من النمط القديم للمناظرات، التي لا تعدو مجرد لقاءات تواصلية، وذلك من خلال وضع اليد على المسؤولية الحكومية، وأهمية المناظرات في وضع المخططات وإحداث خارطة طريق مع وضع تقييم سنوي للنتائج، وأشار المتدخلون إلى ضرورة تسليط الضوء على مجموعة من القطاعات الناجحة، من قبيل المركب الصناعي الجرف الأصفر، وإعادة هيكلة الخطوط الجوية الملكية، والدفع بقطاع البناء الذي أصبح له حضور على الصعيد الدولي من خلال إنجاز شركات مغربية لمشاريع عقارية خارج الوطن، وتسويق الخبرة المغربية في مجال السكن الاجتماعي بكل من مصر والكوت ديفوار.