من الدعوة إلى الدولة عاش أبناء العدالة والتنمية ردحا من الزمن في محاضن الحركة الإسلامية المغربية، التي نشأت أول ما نشأت من أجل هدف واحد صممته بعناية ألا وهو دعوة الناس للعودة إلى دينهم، لأنها كانت تفترض ابتعاد الناس عن الدين، وأقصى ما قامت به هو محاولة الانفتاح عن المجتمع المدني والتدافع مع قوى اليسار وقيمه، ومع مرور الزمن اكتشف الإسلاميون الممارسة السياسية، لكن مشكلتهم أنهم ينجزون الفعل النظري وكان همهم التبرير الفقهي للواقع أو للممارسة العملية. اليوم وقد انفتحت عليهم الدنيا، ومنحتهم مقاعد برلمانية ومناصب وزارية وأشياء أخرى، لابد من الوقوف معهم لمعرفة مدى قدرتهم على الانتقال من الدعوة إلى الدولة أو تدبير الشأن العام من خلال الجهاز التنفيذي، ولابد من مساءلتهم عما أنجزوه من بدائل نظرية لما هو موجود، وهل يتوفر الإخوان على بديل اقتصادي أم أن رؤيتهم للاقتصاد الإسلامي لا تعدو كونها رؤية ساذجة تعتمد ما عند الآخرين وتضفي عليه مسحة أخلاقية. المعروف عن الإسلاميين أنهم لم يطوروا نظريات في الاقتصاد الإسلامي بل إن بعض كتاباتهم تصلح للتطبيق في مخيمات طالبان أو في جزيرة العرب قبل أن ينفتح المسلمون على العوالم الأخرى من إدارة وتدبير وغيرها، ورغم أن باقر الصدر، أحد المراجع العراقية ومن زعماء حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي، حاول منذ وقت مبكر تطوير النظرية الاقتصادية الإسلامية من خلال كتاب اقتصادنا، وكان الصدر يواجه وضعا فكريا قويا محكوما بقوة الشيوعيين على عهد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، ورغم انفتاح بعض الإسلاميين المغاربة على هذه الرؤية فإن أبناء العدالة والتنمية غضوا عنها الطرف نظرا للاختلاف المذهبي مع صاحبها، خصوصا وأنهم تأثروا في وقت مبكر بالعقائد السلفية. السؤال الذي سيواجهه أولاد العدالة والتنمية اليوم وكان عليهم أن يجيبوا عنه بالأمس، هو كيف ينتقل هؤلاء من خطاب الدعوة إلى الإجابة عن حاجيات وأسئلة واقع اقتصادي واجتماعي معقد ومتداخل. ليس لهؤلاء ما يمكن الاعتماد عليه نظريا لمناقشتهم، ولكن يرمون بالكلمات هنا وهناك ويقول قائلهم سوف نوسع من كذا وكذا، ورجل الاقتصاد عندهم نجيب بوليف، قال إنهم سيقدمون مشروع الأبناك الإسلامية وهو مشروع غامض ومخيف، وبالنتيجة الأبناك الإسلامية ذات تجربة فاشلة إلا ما ندر أو بعض الأبناك التي تحمل الاسم الإسلامي وتقر المعاملات البنكية المعروفة وقال إنهم سيؤسسون صندوق الزكاة، وهذا دليل على الاضطراب وغياب الرؤية الواضحة لأن الزكاة فريضة الله على الناس وحق تستخلصه الحكومة، فهل سترهق حكومة العدالة والتنمية المواطنين بضرائب جديدة تسميها زكاة أو شيء آخر، وما عليها سوى أن تطرح استفتاء فقهيا حول الضرائب الحالية، أليست زكاة وهي تأخذ الخمس في بعض الأحيان؟ الانتقال من خطاب الدعوة إلى ممارسة السلطة متعب وصعب وقاتل إن لم يسبقه تدقيق نظري وهو الغائب في خطاب الإسلاميين المغاربة عموما وأولاد العدالة والتنمية خصوصا.