يدرس حزب العدالة والتنمية، كثيرا من الخيارات في سياق بحثه عن تحالف قوي لتشكيل الحكومة المقبلة، وذكرت مصادر من داخل حزب المصباح أن أكثر الخيارات التي يراهن عليها بنكيران هو إقناع الحركة الشعبية للدخول في حكومة مشكلة من أربعة أحزاب، وتشمل العدالة والتنمية والحركة الشعبية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وهو ما يعني أغلبية مكونة من 239 مقعدا. وأشارت المصادر إلى أن بنكيران الذي دخل فعلا في مشاورات أولية مع هذه الأحزاب، يسعى إلى ضم الحركة الشعبية لمجموعة من الاعتبارات الموضوعية. أولها، أن بنكيران متخوف من طبيعة المفاوضات التي سيباشرها مع الكتلة الديمقراطية التي ستطالب لا محالة بمقاعد تتناسب ووضعها السياسي وخبرتها في إدارة الشأن العام، خصوصا حزب الاستقلال الذي حل ثانيا في الترتيب النهائي. وقالت ذات المصادر إن دفع بنكيران في اتجاه الحركة الشعبية مرده إلى رغبته في إلجام أطماع الكتلة الديمقراطية، وتعويض أي غياب محتمل لحزب نبيل بنعبد الله البعيد إيديولوجيا عن العدالة والتنمية والذي كانت له مشاكل معه على خلفية أحداث 16 ماي التي خلفت عشرات الضحايا في مدينة الدارالبيضاء. وثانيها، أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى إرضاء الأمازيغيين الذين دخل معهم في حرب مفتوحة خلال الأسابيع الأخيرة، دفعت بكثير من الحركات الأمازيغية إلى إطلاق حملة ضد الحزب، وهو الأمر الذي فسرته المصادر برغبة بنكيران في إيجاد وسيط سياسي يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها بين الحزب والحركات الأمازيغية، وهذا الوسيط لا يمكن أن يكون إلا حزب الحركة الشعبية المتغلغل في عمق المجتمع الأمازيغي، إلى جانب رغبة الحزب الإسلامي في كسب موقع له داخل العالم القروي، حيث ظل حضوره مقتصرا على المدن الكبرى، وأوضحت المصادر أن هذا المعطى قد يجعل حزب بنكيران يقدم تنازلات لأصدقاء امحند العنصر على مستوى تدبير الحقائب الوزارية. أما ثالث العوامل، فتمثل في سعي أصدقاء بنكيران إلى تفجير تحالف الثمانية من الداخل، وهو ما فسرته تصريحات بنكيران الذي أكد أنه مستعد للتحالف مع جميع الأحزاب السياسية باستثناء الأصالة والمعاصرة، إلى جانب خوض لعبة سياسية من طرف العدالة والتنمية تقضي إلى إظهار أن تحالف الثمانية إطار غير متماسك وبناء هش يسهل تفجيره من الداخل. لكن المصادر قالت، إن مثل هذا التكتيك قد يصطدم بمجموعة من العوائق والمطبات، مشددين على أن الحركة الشعبية تبقى معادلة صعبة في الميزان السياسي، وأضافت أن المشاورات السياسية التي ستنطلق في الأيام القليلة القادمة قد تكشف كثيرا من المفاجآت، وإن قالت المصادر إن كل الاحتمالات واردة في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. وأوضحت المصادر ذاتها، أن بنكيران لا يحبذ فكرة التحالف مع حزب التقدم والاشتراكية الذي حصل على 18 مقعدا، وقالت إن بنكيران لا يريد الحكم إلى جانب حزب بنعبد الله، بسبب موقفه من الحريات الفردية والمسألة الثقافية، وكذلك بسبب حساسيات سابقة بين الحزبين على هامش أحداث 16 ماي 2003 وما تلاها، لكن المصادر ذاتها، قالت إن إبعاد حزب التقدم والاشتراكية قد يجر على بنكيران الذي يريد تدبير الشأن العام بأغلبية مريحة، غضب الكتلة التي لا تريد التفريط في أحد أضلاعها الثلاثة، وإن أشارت إلى أن استراتيجية تدبير كل حزب للمرحلة الراهنة قد تكون فاصلة في تحديد المستقبل السياسي للمغرب، خصوصا أن مواقف الكتلة السابقة كانت كلها تسير في اتجاه تدبير الملفات بشكل أحادي في غياب أي تنسيق بين الكتلة، التي لم تتحرك عمليا إلا بعد تأسيس تحالف الثمانية الذي اعتبر بمثابة زلزال ضرب الحياة السياسية في المغرب. من جهة أخرى ذكرت مصادر متطابقة أن قياديين في حزب الاستقلال أبدوا رفضهم التحالف مع العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة المقبلة بقيادة حزب المصباح، وذكرت المصادر أن التيار المعارض لدخول الحكومة يتزعمه كل من حميد شباط وعادل الدويري إلى جانب قيادات حزبية أخرى، رأت أن قبول الدخول في حكومة يقودها العدالة والتنمية سيكون كارثة سياسية على الحزب الذي قاد الحكومة المنتهية ولايتها، ودافع شباط والدويري المدعومان من طرف لوبي قوي داخل حزب الميزان على موقف الانتقال إلى المعارضة، فيما لم يخف عباس الفاسي وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي إمكانية قبول التحالف مع العدالة والتنمية لمواصلة المشاريع التي أطلقها الوزراء الاستقلاليون في حكومة عباس الفاسي، شريطة أن يكون التحالف من داخل الكتلة الديمقراطية التي تتوفر بحسب النتائج النهائية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية على 117 مقعدا، وذهبت المصادر ذاتها إلى حد القول إن مسألة التحالف مع العدالة والتنمية قد تخلق مزيدا من الانشقاقات داخل حزب الاستقلال، خصوصا في ظل ارتفاع أصوات تقول إن الحزب سيكون أقوى داخل المعارضة.