رسب عبد الإلاه بنكيران رئيس الحكومة المعين في أول امتحان للسلطة حين أقر بفشله في تشكيل حكومة من 15 وزيرا إلى جانب عدد من كتاب الدولة، وذلك في سياق سعيه لترشيد النفقات، حيث قدرت مصادر متطابقة حجم الأموال التي ستصرف على حكومة بنكيران وبرلمانييها وطاقمها الإداري بحوالي 400 مليار، وقالت المصادر إن بنكيران لم يقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه حين أطلق العنان لتصريحاته التي كانت بمثابة سيف على عنقه، خصوصا ما يتعلق بتقليص عدد الوزراء، حيث تراجع عن تصريحاته بهذا الشأن وأكد أن المقترح كان من بنات أفكار لحسن الداودي. وأوضح بنكيران في أول خروج إعلامي رسمي على القناة الأولى، أن الحكومة المقبلة لن تقل عن 25 وزيرا إلى جانب عدد من كتاب الدولة، وقالت مصادر مقربة إن بنكيران فشل أولا في تدبير خلافاته الداخلية بعدما برزت طموحات كثير من قياديي حزبه الراغبين في الاستوزار، وثانيا في ضبط تحالفاته الخارجية، مما اعتبر مؤشرا على ضيق أفق الرجل، وعدم تمكنه من آليات التفاوض سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وانتقدت المصادر ذاتها ردود فعل بنكيران التي وصفتها بغير المحسوبة، وقالوا إنه كان مأخوذا بالنتيجة التي حققها حزبه، قبل أن ينزل إلى أرض الواقع، ويكتشف أنه لازال مبتدئا في مجال السياسة، خصوصا في مواجهة رجال دولة متمرسين في التفاوض وخبراء في مجال بعث الرسائل السياسية المشفرة والتي عجز بنكيران عن فك رموزها، وأوضحت أن خروج الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة خلط أوراق بنكيران، وجعله أمام قوة ضاغطة محورها حزب الاستقلال، إلى جانب التقدم والاشتراكية الذي كبرت أطماعه في مواجهة تكتل المحافظين. وقالت المصادر إن بنكيران بات الحلقة الأضعف في مسلسل المفاوضات الجارية الآن سيما بعد قرار حزب الاتحاد الاشتراكي الاصطفاف في المعارضة نزولا عند رغبة قواعد الحزب، وأضافت المصادر، أن بنكيران لم يضع مثل هذه السيناريوهات في سياق سعيه لتشكيل أغلبيته، رغم أنه يتوفر على أكبر عدد من المقاعد يجعله في موقع قوة، موضحة أنه وجد نفسه في كماشة حزب الاستقلال الذي دخل المفاوضات أكثر قوة، بل وبات المفاوض الرئيسي الذي يفرض إملاءاته، وذهبت المصادر إلى القول إن حزب الاستقلال سيكون محور حكومة بنكيران لعدة اعتبارات. أولها استغلال حزب الميزان خروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة من أجل تغيير موازين القوة، وثانيها تمرس الحزب بتدبير الشأن العام جعل منه معادلة أساسية، مستغلا في ذلك ضعف حزب العدالة والتنمية وانعدام خبرته، إذ أن عمر الحزب هو 15 سنة قضاها كلها في المعارضة، إلى جانب قدرة حزب الاستقلال على تدبير المرحلة المقبلة بما يجعل منه القوة السياسية الأبرز والأكثر حضورا في المشهد السياسي المقبل، واستدلت المصادر على ذلك بقرار حزب الاستقلال بعدم التحالف مع أحزاب إدارية في إشارة إلى حزب الاتحاد الدستوري، وهو معطى قد يغير مفاتيح المشهد السياسي في المرحلة المقبلة. وقالت المصادر، إن فرض حزب الاستقلال شروطه على بنكيران نابع من فشل الأخير في تدبير مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، بسبب تخندقه في معترك الكتلة التي خذلته، وقالت، إن بنكيران وضع منذ البداية خطا أحمر بشأن علاقته مع حزب الأصالة والمعاصرة، وهو أمر غير مقبول سياسيا على اعتبار أن المفاوضات تفترض نوعا من المرونة السياسية، وتصبح الخلافات الثنائية أقل أهمية، وهو الأمر نفسه الذي كرره مع حزب التجمع الوطني للأحرار، حين أكد استعداده التفاوض مع حزب الحمامة لكن دون رئيسه صلاح الدين مزوار مهندس تحالف الثمانية، وهو الأمر الذي رد عليه حزب التجمع بشكل مباشر وآني، حين قرر الانضمام إلى المعارضة التي باتت تتشكل من ثلاثة أقطاب أساسية وهي التجمع والبام والاتحاد الاشتراكي. وقالت المصادر، إن بنكيران ارتكب خطأ سياسيا جسيما حين بنى برجه العاجي وبدأ في إملاء شروطه، قبل أن يستفيق من صدمة خروج الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة، وهو ما منح باقي مكونات التحالف فضاء أوسع للتفاوض، حيث بدأ التقدم والاشتراكية الذي كان الحلقة الأضعف في أي تحالف حكومي، يفرض شروطه، ويطالب بحقائب وزارية توازي حضوره السياسي، رغم أن حزب الكتاب لم يحقق سوى 18 مقعدا في انتخابات 25 شتنبر، أما حزب الحركة الشعبية فقد وجد منفذا أساسيا لتدبير خلافاته الداخلية، من خلال لعب ورقة الأمازيغية والعالم القروي، وهو الأمر الذي لعب في غير مصلحة حزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه في ورطة حقيقية، وملزما بتقديم كثير من التنازلات إرضاء لحلفائه المحتملين.عبد المجيد أشرف