بعد النتائج المتقاربة التي حققها التحالف المساند لاستقلال كطالونيا وانفصالها عن إسبانيا والطرف الثاني المدافع عن بقائها ضمن الإطار السياسي لمملكة إسبانيا مع بعض الفوارق في الرؤية لمستقبل الإقليم وعلاقته بمدريد، تباينت التأويلات حول نتائج هذه الجولة بين الساسة والمحللين، لكن التقييم المتجرد يشير إلى فشل عميق في السياسة ودورها الاجتماعي. نتائج متباينة مباشرة بعد إعلان النتائج شبه النهائية للانتخابات السابقة لأوانها في إقليم كطالونيا، والتي تحولت في ظل التصعيد المتواصل بين التيار القومي والوحدوي إلى ما يشبه الاستفتاء للكطلانيين، سارع السياسيون إلى تقييمهم "الإيجابي" بالضرورة في قراءة الأرقام والنسب. فالطرف القومي تشبث بحصوله على أكبر عدد من المقاعد دون بلوغ الأغلبية المطلقة وهو ما يعتبره تفويضا شعبيا للمضي قدما في مشروع الاستقلال، والطرف الثاني يرى أن المشروع الانفصالي لم يحصل حتى على 50% من أصوات الناخبين، وهو ما يعتبرونه فشلا ذريعا للتحالف "التجزيئي" يجب أن يدفع عرابه أرتور ماس إلى الاستقالة. وبعيدا عن الأرقام العامة، يمكن الحديث دون أي تحيز عن تراجع لتيار الاستقلال التام عن إسبانيا لفائدة التيار الداعي إلى مراجعة عميقة لوضعية الإقليم في ظل التاج الإسباني. فالأحزاب المتحالفة في أرضية "جونتس بير إل سي"، حزب التوافق (أول قوة سياسية في الإقليم) واليسار الجمهوري (القوة الثانية) حصلت على أصوات أقل مما حصلت عليه بشكل منفصل في الانتخابات السابقة. أما الحزب الثالث المحسوب على التكتل السيادي، "مرشح الوحدة الشعبية" القريب من الطروحات الفوضوية المناهضة لأي نظام، فلا يبدو من السهل التعامل معه في حلف حكومي مرتقب. أما في الجانب الآخر، فإن الرابح الأكبر هو حزب "ثيودادانس" اليميني الوحدوي، الذي قفز من 9 إلى 25 مقعدا، الذي نجح في توليفة بين خطاب إصلاحي وحدوي وهجوم كاسح على النخب التقليدية القومية الكطلانية الغارقة في فضائح الفساد. أما الأحزاب الوطنية الكبرى، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي، فقد استطاعت بالكاد الحفاظ على مكانها في المشهد السياسي الكطلاني. وتبقى الإشارة إلى فشل الحزب اليساري الصاعد "بوديموس" الذي ركز فقط على قضايا الفساد على حساب المشاعر القومية الكطلانية، وهي الاستراتيجية التي أثبتت محدوديتها في السياق الخاص للسياسة الكطلانية. الخاسر الحقيقي بعيدا عن الخسارة السياسية المرحلية والمتغيرة للسياسة، فالأكيد أن الخاسر الأكبر في مسلسل التصعيد الكلامي والمؤسساتي الذي تعيشه كطالونيا منذ ما يناهز أربع سنوات هو المجتمع الكطلاني الذي نعتبره ضحية لفشل الساسة والسياسة في إيجاد حلول لقضاياه الحيوية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية. ففي ظل الأزمة الخانقة التي ضربت إسبانيا منذ سنة 2008، عانت كطالونيا بشكل خاص من سياسات التقشف لمدريد، واضطرت الحكومة الكطلانية إلى خفض مؤلم لمستوى الخدمات الاجتماعية مع التآكل الضروريي الناجم عن ذلك في الشعبية. حيال ذلك، لجأ رئيس الحكومة الكطلانية في محاولة للهروب إلى الأمام لتأجيج المشاعر القومية وإحياء الجدل حول وضع الإقليم في إسبانيا. وبالمقابل، وجد الحزب الشعبي فيما أصبح يعرف ب"المعضلة الكطلانية" فرصة للفت الانتباه عن الأنباء السيئة التي تعاقبت طويلا حول الأزمة الاقتصادية، غير أن نهجه المتصلب بإشارات تحيل مباشرة على مقاربة "فرانكوية" للوضع ساهمت بشكل أو بآخر في تعبئة أتباع التيار السيادي، بل الأدهى، وفق بعض المحللين، بالحملة الانتخابية بالنيابة لفائدة التحالف الاستقلالي. غير أن هذا التأجيج العاطفي المبالغ فيه للمسألة القومية وانعدام الحوار بين الحكومة المركزية والكطلانية، إن كان يعمل عمل حبة الأسبرين المهدئة، فهو مكلف جدا من الناحية الاجتماعية. فالنتيجة الموضوعية للانتخابات وجود انقسام من الوسط للمجتمع الكطلاني، وهو ما يهدد السلم الاجتماعي ويشجع كل الغرائز الهابطة لتطفو على السطح، بل يمكن اعتباره جرس إنذار اجتماعي يحث السياسيين على التشمير عن سواعدهم وتغيير الوجهة قبل أن يتسع الصدع على الراتق. إن المطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى هو فتح أبواب الحوار بين الحكومة المركزية مع الحكومة الكطلانية والكف عن لهجة التهديد والوعيد المتجاوزة وفتح إمكانية تعديل دستوري أو تعديل لنظام التمويل لكطالونيا لرأب الصدع وإعادة الثقة بين الطرفين. * أستاذ الدراسات الإسبانية بكلية الآداب- المحمدية