كثر الكلام في تحديد الإرهاب واضطربت الآراء والمصطلحات في إيضاح مفهومه، وعلى الرغم من كثرة التعريفات والحدود التي وضعت لمعنى الإرهاب فلم نقف على حد جامع مانع له. فالإرهاب هو الأعمال التي من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس بالخوف من خطر ما بأي صورة ؛ و الإرهاب يكمن في تخويف الناس بمساعدة أعمال العنف؛ و الإرهاب هو الاستعمال العمدي والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة؛ و الإرهاب كل عمل بربري شنيع ؛ و هو عمل يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل اغتصابا لكرامة الإنسان . و تعددت الاتجاهات والمدارس الفكرية التي تناولت دراسة أسباب ظاهرة الإرهاب ، ولكنها تتفق في القول بأن ظاهرة الإرهاب مركبة معقدة ولها أسباب كثيرة ومتداخلة ، بعضها واضح وطاف فوق السطح ، والبعض الآخر خفي غائص في الأعماق ، وبعضها عام على المستوى الدولي ، والبعض الآخر على المستوى المحلي في كل دولة ، بل وتتنوع الاستنتاجات بحسب اختصاص الباحثين ؛ إذ يركز البعض على بعض تلك الأسباب دون الآخر ، فأهل التوجه الاقتصادي يركزون على الأسباب الاقتصادية ، والاجتماعيون يركزون على الأسباب الاجتماعية ، و السياسيون والمختصون في الشؤون الأمنية ، يردونها إلى أسباب أمنية ، وهكذا... وهناك من يرفض إرجاع أسباب الإرهاب إلى الأسباب المادية الخارجية ، ويجعلها أسبابا نفسية فقط متعلقة بتكوين شخصية المجرم ، أي إنها استعداد نفسي عند من يقوم بالعمليات الإرهابية ، وأن الأسباب الأخرى ما هي إلا مثيرات لذلك الاستعداد النفسي ، ويستدلون على ذلك بأن هناك مجتمعات يعاني الفرد فيها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. الإرهاب إذا لم يأت اعتباطًا ولم ينشأ جزافًا بل له أسبابه ، فلا نستطيع الجزم بأن هناك سببًا واحدًا أدى إلى ظهور هذا الفكر ، ولكن تعددت الاتجاهات والمدارس الفكرية التي تناولت دراسة أسباب ظاهرة الإرهاب ، فهي أسباب كثيرة ومتداخلة تفاعلت على المدى البعيد ، فأنشأت في النهاية فكرًا متطرفًا. ما الذي يدفع إذا شخصا ما إلى أن يصبح إرهابيا ؟ هل الإرهاب ظاهرة إسلامية كما يزعم البعض ؟ ما علاقة الإرهاب بالوعي و المستوى التعليمي و الاقتصادي ؟ يستند مقالنا حول (الإرهاب و أسئلة العصر) على نتائج استجواب سيبرانثربولوجي لعينة من 20 من الطلاب الشباب المنتمين لحقل الإعلام و الاتصال. الاستجواب تمت إدارته في مستهل يوليوز 2015 على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك نظرا لتفاعليتها الهامة؛ و ها هي ذي بين يديك، عزيزي القارئ، أهم نتائجه... البحث عن الشهرة، سوء الفهم للدين، انعدام التوازن أو ضعف في الشخصية، عدم الرضا عن واقع معين، الفراغ الروحي، الجهل، الفقر، الكبت، الهروب من الواقع الذي يجده البعض أليما ، الحلم الموهوم بالحور العين، غزو القنوات الوهابية لملايين من البيوت في العالم العربي و الإسلامي، الدعاية التي تمارسها الجماعات الراديكالية لاستقطاب الشباب، عدم تنقيح الكثير من النصوص الشرعية، التفسير الخاطئ و القاصر لآيات القرآن، عدم فهم الناسخ و المنسوخ و عدم الإحاطة بأسباب التنزيل، الوقوف عند "ويل للمصلين" و عند "و اقتلوهم حيث ثقفتموهم"، و الحلم بجنان الفردوس بجز الرقاب، الانحراف في فهم الجهاد من معانيه السامية المرتبطة بتربية و ترويض النفس الأمارة بالسوء إلى معاني خطيرة يراد منها القتل و الترهيب و الترويع... تلكم كانت بعض الإجابات التي جاءت على لسان الشباب المستجوبين. ممتاز ! و لكن ماذا عنك أنت، عزيزي القارئ ؟ هل تعتقد مثلي أن الجماعة الإسلامية التي أصبحت حديث الساعة، و التي أتقزز من ذكر اسمها... هذا التنظيم قد أساء للإسلام أكثر من أمريكا، بل حتى أكثر من إسرائيل نفسها ؟ هل تتفق معي أن الشباب عندما يحس بأن الأبواب موصدة في وطنه، يسعى إلى إيجاد حل يكون إما ركوب قوارب الموت في اتجاه الصفة الأخرى أو الاتجاه نحو الفكر الجهادي المتطرف ؟ هل تتفق معي أيضا أن الشخص قبل أن يصبح إرهابيا يكون في حالة من الفراغ وغياب التأطير العائلي و الاجتماعي، تنضاف إليها ظروف اجتماعية مزرية قوامها الفقر والكبت والحرمان، فضلا عن غياب جانب الترفيه ؟ ألا تعتقد أن بعضا من الدول في العالم العربي و الإسلامي تنتج التطرف بقصد أو دونه من خلال سياستها التعليمية الفاشلة ومخططاتها الاجتماعية الهشة ؟ لا أدعوك بتاتا إلى الإجابة الفورية و القاطعة على كل هذه الأسئلة، و ربما سواها مما قد يتولد في ذهنك في حالات التأمل و التفكير العميق... إني أدعوك إلى أن تضم صوتك لصوتي لنهتف عاليا: لا للإرهاب ! لا لقتل الأبرياء باسم الدين ! لا لسفك الدماء باسم السلطة و السياسة و المناصب و الأموال ! لا و ألف لا، قلها معي أرجوك، و بأعلى صوت: لا للإرهاب ! الحديث معك، عزيزي القارئ، ممتع شيق و كثير الإفادة، و قبل أن أختم هذا المقال، على أمل اللقاء بك في فرصة أخرى، لدي فكرة أود أن أتقاسمها معك. لدي بالأحرى رسالة من قلبي لقلبك، و نحن قد انتهينا جميعا من صيام الشهر الفضيل، و شحنا، أظن، بما فيه الكفاية بطارية الروحانيات لدينا... رسالتي تتلخص في ثلات كلمات : الإسلام دين الحب. يستحيل أن يكون الدين الذي أوجد مساحات شاسعة للحوار بين أتباعه و بين غيرهم من أهل الكتاب و من سواهم...أقول، يستحيل أن يكون هذا الدين الخالد أبد الدهر حاملا لمعني الهدم و خراب الإنسان و الحضارة و العمران. الإسلام نور و محبة و سلام و ضياء و رحمة للعالمين. و أخيرا، لكل من يؤمن أن الإرهاب هو الحل، أقول : تأمل معي قوله تعالى في قرآنه الكريم : (و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، و تدبر معي قول المسيح عليه السلام (أحب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ، و أحب قريبك كنفسك) و تمعن في حديث رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ اللَّهَ يقول يوم الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظِلِّي). تأمل معي إذا هذه النصوص جيدا و لنهتف مجددا، و بأعلى صوت: لا للإرهاب !