هل نذهب مع الأستاذ الجامعي عبد الصمد الديالمي في قوله بان الداعي البيولوجي في الحفاظ على النسب و صفاء الميراث للابن او البنت هو القراءة الذكية و العقلية في عدم السماح بالعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج ؟ و لكي يكون منظرا لفكرة الحرية الجنسية كان عليه أن يبدع ما اسماه بالأمن السلالي. فالأستاذ يميز بين البنية السفلى المتمثلة في النسب و الميراث ، و بين البنية العليا التي يركزها في الشرف و البكارة و الكرامة .فهو في حال يقول بأهمية البنية السفلى و في حالة ثانية يؤكد على ان البنية العليا هي محدد مهم للأولى و بانتفائها داخل المجتمع نجد أنفسنا أمام مساحة كبرى من الحرية الجنسية لا داعي لإنكارها أو مقاومتها و ذلك بعدم بتفعيل القانون الجنائي المتمثل في الفصل 490 الذي يجرم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج. لكن بأي حق قانوني و تشريعي نحذف قاعدة قانونية تنظم سلوك ومنحى داخل المجتمع ؟ زيادة على ازدراء القاعدة الأخلاقية التي هي تعبير عما استقر في نفوس الأفراد في حقبة معينة من الزمن من مبادئ سامية واجبة الإتباع،لكونها ترجمة للمثل التي يجب أن تسود علاقاتهم وأنشطتهم و هذه القواعد هي التي تحمي الأمن بجميع مستوياته و تنويعاته . فالقاعدة القانونية و الأخلاقية تسن لحماية الأفراد وضماناً لحرياتهم و ليست تضييقا او منعا، فالحرية الجنسية تتجلى في نظري في منع الاتجار بالأشخاص والاستغلال المهين لكرامتهم. و عندما نفترض جدلا مع الأستاذ بان تكنولوجيا منع الحمل حلت مشكلة الأمن السلالي، و بالإمكان مباشرة الفعل الجنسي خارج نطاق مؤسسة الزواج دون خوف من الحمل . لكن عندما تفقد تلك الوسيلة التكنولوجية فعاليتها و يتم الحمل، فهل يا ترى أيها الأستاذ الديالمي سنكون أمام خطأ في الحساب فينتج عنه ابن زنا و هنا حسب نظريتك لابد من منعه من الميراث و اسم الأب لأننا لا نعرف لهذا الولد أو البنت أصلا أو فصلا إلا انه جاء كنتيجة لحرية اقل ما يمكن وصفها بها انها حرية ساذجة و تفتقر الى المبرر العقلي لوجودها .فالعلة من التحريم لا يمكنك إلباسها نظرية الأمن السلالي حسب ما تروج له بشكل فظ ،و كيف يمكنك تنظيم فعل فاحش و قبيح من المنظور الجمالي و الذوقي ؟ كيف تنتظم لغة الإباحة عندك للفعل الجنسي بشكل ينفلت من عقال الفطرة السليمة التي تستهجن هذا الفعل منذ أمد بعيد قبل ان تتنبه له أنت. فبالضرورة التشريعية و القانونية و الأخلاقية لابد من مساحة و إطار معترف به عبر التاريخ الإنساني لممارسة غريزة الجنس دون ارتدادات مستهجنة و تعتبر مؤسسة الزواج التي ترغب في إنهائها و استئصال جذورها مؤسسة عريقة و حامية للفعل الجنسي في حد ذاته من مزايدات مجانية لن تزيد هذه المؤسسة الا ارتقاء و تأصلا في أعماق المجتمعات التي تحترم مقومات وجودها. و نتساءل هل البغاء و الشذوذ الجنسي طارئ على المجتمع الإنساني ؟ لا اعتقد؛ فالبرجوع إلى النصوص التاريخية سواء دينية او فلسفية او أدبية ، نجدها تعالج المسألة من مناظير مختلفة سواء بالاستهجان او التحريم او من خلال تتبع الأسباب و استنطاق الدوافع و محاولة البحث عن الحل.لكن مؤسسة الزواج المتجذرة في الذهنية و العادات و التاريخ لا يمكن استئصالها بجرة قلم بدعوى ان الشباب مظلوم جنسيا و لابد لرفع هذا الظلم من اباحة الجنس بشكل يكفل تحقيق الرغبة و إنهاء الكبت الجنسي. و بالانتقال مع الديالمي الى مجال التكيف مع الواقع فلناقش معه مسالة القاعدة القائلة لا اجتهاد مع وجود النص تحيلنا إلى النصوص الشرعية التي تنقسم وفق التقسيم العقلي والواقعي إلى أربعة أقسام: نصوص ظنية الثبوت والدلالة معاً و نصوص ظنية الثبوت قطعية الدلالة ونصوص قطعية الثبوت ظنية الدلالة و نصوص قطعية الثبوت والدلالة معاً. وقاعدة «لا اجتهاد مع النص» إنما وضعت لضبط طبيعة الاجتهاد ومجالاته في القسم الأخير من النصوص، ومعناها أنه: لا اجتهاد مع النص القطعي الثبوت والدلالة، وأن هذا النوع من النصوص يكون الاجتهاد فيه، أي في فهمه والاستنباط منه ولا يكون الاجتهاد معه، أي في مقابلته ومعارضته، إذن هناك ثوابت لا تختلف باختلاف الزمان والمكان والحال، وهي التي تمثل الوحدة الفكرية والشعورية والعملية للأمة . وأمر آخر، أن القطعيات اليقينية في الثبوت والدلالة هي التي يحتكم إليها عند النزاع، ويرجع إليها عند الاختلاف في تعيين إحدى دلالات النص الظني أو ترجيحها، فإذا كانت هي موضع خلاف لم يبق ما يحتكم إليه. بالتالي تحريم الزنا بالنص القرءاني لا يمكنك معارضته أو تثبيته تحت بند الحداثة و الحرية لأنك في هذا المجال تقارع بلا أسلحة فعالة . أما فيما يخص الجواري فلا يمكنك الحديث عن شيء لم يعد له وجود واقعي و كانت تحكمه ظروف اجتماعية و عسكرية و أيضا مادية. من جهة ثانية آثار الأستاذ مسالة زواج المتعة و الزواج باليمين و كلاهما يعتبران تحايلا منهجيا على عملية الزنا، و قد اعتبر ان الشيعة بالمطلق يحللون زواج المتعة و هذا تضليل. فالشيعة الزيدية يخالفون الشيعة الإثنا عشرية في زواج المتعة ويستنكرونه، والشيعة الزيدية يقولون كالجمهور بتحريم نكاح المتعة كذلك ترفض فرقة الإباضية زواج المتعة . أما بخصوص الزواج باليمين فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مصر بياناً أوضح فيه بطلان هذا النوع لفقده الأركان والشروط الواجبة في الزواج، وإنما هو حالة من أحوال النكاح خاصة بنظام الرق والعبودية قضى عليها الإسلام بالتدريج في التشريع. و أسوق هذه الإحالات لكي لا يتم الخلط على القارئ و يعتبر ان المرجعية الدينية تبارك ما يسوقه الأستاذ تحت غطاء الحرية و الحداثة، صحيح انه بالمقابل هناك دعوات من الجانب الآخر تسوق هي الأخرى إلى ممارسات تعتبرها حلا عمليا للمشكل الجنسي لكن هذا لا يعطي الحق لأي كان ان يشرعن فعلا قد خدم التفسخ و الانحلال داخل المجتمعات سواء الغربية او الشرقية .و نتفق مع الأستاذ على أن العنف ضد المرأة في اطراد ،لكن هناك أسباب تعتبر متداخلة فهناك حالات يعيشها الإنسان في حياته اليومية في حالة من التبدل والتغير من غضب وضيق وحزن وخوف وفرح وسرور .و من ثم فميكانزم الكبت يساعد البعض في هذه المواقف من الحياة كمحاولة لإعادة التوازن من كثرة الضغوط والاحباطات والصراعات النفسية ، هذا الكبت الذي نقسمه إلى قسمين :
1- الكبت المادي: وهو الذي يتعلّق بكل الأمور المادية كالمال والجنس والاحتياجات الشخصية …إلخ . 2- الكبت المعنوي: وهو عبارة عن الأفكار والمشاعر التي لا يستطيع الفرد البوح بها لوجود سلطة تهدّد وجودها على أرض الواقع . و من ثم فالكبت المادي و المعنوي لا يخص المجتمع المغربي بالخصوص فهو ظاهرة إنسانية، وبالتالي لابد من البحث عن حلول مبتكرة و عقلانية تخدم الإنسان و تصون كرامته و عنفوانه. و إيماني بالمتناقضات هو تعبير عن الواقعية فالزنا موجود عبر التاريخ الإنساني لا يحتاج منا إلى التدليل على استمراريته و وجوده ،لكن أن نعطيه الشرعية في الوجود بدعوى أو أخرى فهذا ما ارفض مجاراة البعض فيه. و لهم الحق في تناول مسالة الحرية الجنسية و لي كامل الحق في الدفاع عن إنسانيتنا و وجودنا بكل استماتة لكن دون شماتة أو تسميم لمفهوم الحرية بتجلياتها المسئولة خدمة لمفاهيم و أخلاقيات تبت بالقطع خسرانها .و سيبقى الأستاذ الديالمي يبتكر الحلول التي تعبر عن قناعاته و أسلوبه الذي ارتضاه في الحياة ، و سوف استمر في البحث عما أراه كفيلا بالرقي و البروز لهذا الشعب دون إغراق في أتون حرب تكشف العورة و تحبط العزيمة و الإرادة في التفوق الحقيقي.