1كيف تشعر بصفتك أول مخرج مغربي عالج موضوع الأسرى المغاربة في تندوف، بعد إنتاج وثائقي يساند البوليساريو؟ علما أنك لم تدعم من أي جهة، و الفيلم الإسباني يحظى بالدعم؟ من الوهلة الأولى ، أقول أننا نحن أصحاب حق، و ليس هناك أي حق تاريخي أو حضاري أو سياسي يعطي الحق للانفصاليين من أجل المطالبة بالصحراء المغربية، فنحن نعيش في زمن تتحد فيه الدول الأوروأمريكية، في زمن هدم فيه جدار برلين و وحدت فيه العملة الأوروبية، و أنشأت فيه السوق الأوروبية المشتركة، في هذا الزمن يطلب منا نحن مجتمعات الجنوب التقسيم تحت شعارات مزيفة، بل أقول أن الدعم الإسباني في المجال الفني جاء يواكب المشروع الاستعماري المتعالي الذي يهدف إلى إضعاف بلدان الجنوب لأنهم أصبحوا يعوا دور الإعلام و خصوصا الصورة المتحركة في إقناع الأوروبيين و حشد تعاطفات جديدة لصالح البوليساريو ،و إذا كانوا صادقين فليرجعوا لنا سبتة و مليلية و ليدعموا القبايل بالجزائر لأن دعمهم استمرارية لفكرهم الذي يدعون... و انظروا هنا إلى "المفارقة" التي لا تفهم لي... نحن المغاربة نتقدم في صراعنا مع البوليساريو سياسيا و ديبلوماسيا، لكن لا نسوق لنجاحاتنا و لا نعرف بها للمجتمع الدولي، وهو معذور إذا تعاطف مع النظرية الانفصالية لأنه لا يعرف عن القضية إلا ما وصل إليه عبر الإعلام المخابراتي المدعم للبوليساريو و الذي يحمل إليه العديد من المغالطات (التاريخية و السياسية و الثقافية) مستعملا معيارا متحايلا وذلك عندما يستخدم هذا الإعلام الموجه مصطلحات "تقرير المصير، و الأقلية، و الخصوصية العرقية، إلخ...) بل كلنا نتعاطف مع هذه الخطابات، و بالتالي يساق الكل وراءها في غياب تام لإعلامنا المغربي ولصورتنا التي أصبحنا لا نقدم عبرها إلا التفاهات التي سوف لن تفيد المغرب في شيء ، بل هناك العديد من الأعمال الفنية التي تصبح كالصندويتش، سرعان ما تنساها بمجرد خروجك من قاعات العرض، وهذا غير سليم، إذ تصرف الملايير من دافعي الضرائب لتصور خريطة للمغرب بدون صحرائه، و نروج لقصص غبية وسطحية ومملة بدون عمق ولا منهجية إبداعية ولا روح ، بل تعرض هذه الأعمال مفصولة تماما عن هموم المواطن المغربي المغلوب على أمره، و بعيدة عن همومه اليومية... و بشكل عام ما يحز في نفسي هو تقديم هذه الأعمال التافهة على أشياء جد مهمة، فمثلا عندما كنت أشتغل على الوثائقي "تندوف، قصة مكلومين" نفر بعض الفنانين و نصحوني بعدم الاشتغال على الموضوع لأنه لا أحد سوف يهتم لذلك و لأن أمريكا تتخذ موقف الحياد... كيف إذن لا نوثق لمدنيين أعتبرهم أبطالا قضوا ربع قرن في سجون تندوف، منهم من قضى نحبه و منهم من عانى التعذيب المرير، حتى أصبحوا أقدم الأسرى في العالم !!! كيف لا نوصل خبرهم إلى ناشئتنا الصاعدة حتى يتلقوا دروسا في الوطنية؟ هل نعتقد أن طفلا عاين نكران الجميل هذا لهؤلاء المغاربة، سوف يكون محبا لوطنه و مضحيا من أجله في حالة أي حرب لا قدر الله؟!!! كيف إذن هذه المفارقة العجيبة؟ كيف هذا التنكر لعبد الله لماني و محمد لغريسي و علي عثمان و آخرين تشبثوا بوطنهم و بملكهم ؟ وكيف نصرف أموال دافعي الضرائب على التفاهات التي تعذب المتفرج في القاعات، و التي تزيد من إذلال المغرب و ترسخ الصور السلبية لنسائه و شبابه عوض أن تخدم هذه الصور أمجاد هذا البلد العظيم و أعلامه من النساء و الرجال الذين صنعوا حضارته؟ كيف نقبل نحن المغاربة الأحرار أن يظلم هؤلاء الأبطال من الجزائر ثم أن يتنكر لهم إخوانهم في المغرب؟ و ذلك من أجل إرضاء مغاربة فرنسيين أو بالأحرى فرانكفونيين يقدمون أعمالا مغربية برؤية و هم أجنبي (يخدم الأجندة الإستعمارية) لنحصل في النهاية على مسخ و هجينة سلبية قبيحة حتى على مستوى الحوارات الرديئة التي لا تحترم المشاهد(وكأن المشاهد المغربي لا يهم، الذي يهم هو الأجنبي و ما دام لا يفهم الدارجة فلا بأس أن تكون الدارجة مشوهة و ركيكة ومكسورة، لكن ماذا لو كان الأمر يتعلق بالفرنسية؟؟؟) ... أقول إذن أن صناعة الحضارة و التاريخ لا تأتي من الآخرين، بل منا نحن، فعلينا أن نتكلم عن أنفسنا لأننا إذا لم نفعل، سوف يتكلمون عن مسرحيات سخيفة مثل مسرحية "أميناتو حيدر" ، يا إلهي كيف أحس بالخجل من نفسي و أنا أرى مدنيين عانوا التعذيب القاسي مدة 30 سنة، لا نتكلم عنهم و لا نعرف بهم لدى المجتمعات الأخرى التي لو علمت ذلك لغيرت رأيها أكيد من قضية الصحراء، ثم نقف نتفرج على مسرحية "أميناتو حيدر" و نتباكى عندما يصفق لها المجتمع الدولي؟؟؟ ماذا يمكن بالله عليكم تسمية هذا؟ - 2الفيلم الإسباني اعتبر أنه أحادي النظرة، هل يمكن أن نعتبر أن فيلمك الوثائقي "تندوف، قصة مكلومين" هو أحادي النظرة كذلك؟ أنا لم أشتغل على الموضوع من الجانب السياسي، بل اخترت الجانب الإنساني وبطبيعة الحال لا يمكن أن ينفصل أي موضوع عن ما هو سياسي، ومسألة تقديم الرأي و الرأي الآخر ، هي مسألة ضرورية لإحاطة الموضوع من كل النواحي و الزوايا و الاتجاهات المتناقضة لتكون الفكرة كاملة بالنسبة إلى المتلقي، و من أجل المصداقية كذلك، لكني في الوثائقي اخترت أفرادا مسجلين في لوائح منظمة الصليب الأحمر الدولي و لدي أرقامهم كدليل على مصداقيتهم، و أما فيما يخص شهاداتهم فقد شهد على صحتها حتى الأجانب مثل الطبيب الفرنسي الذي كان يزور المعتقل، فنوع الوثائقي الذي اشتغلت عليه لم يكن به سجال حول ما إذا كان فعلا قد اعتقل هؤلاء الناس أم لا، فأنا أملك الكثير من الدلائل لدعم فيلمي و ما تضمنه من حقائق... لكن الفيلم الإسباني هو سياسي بامتياز سوف يناقش قضية "الانفصال" في حد ذاتها وهنا إذا لم يعط المجال إلى الرأي والرأي الآخر، فسيكون فيلما بدون مصداقية ولو أنفقت عليه اسبانيا مال قارون... - 3بالرغم من أن فيلمك الوثائقي "تندوف، قصة مكلومين" ساهم بشكل كبير في تغيير آراء العديد من المتعاطفين مع البوليساريو داخل و خارج المغرب فقد عرض بمؤتمر جنيف و بالعديد من المحافل في أوروبا و أمريكا وحقق نجاحا مسبوقا، لم يعط المركز السينمائي لك الدعم لفيلمك السينمائي حول نفس الموضوع، ما تعليقك؟ لو كانت طريقة انتقاء الأفلام تتم بطريقة "علمية" لتقبلت الأمر بصدر رحب، فأنا من أبناء الشعب البسطاء، و قوتي في كفاءتي و ليست في علاقاتي و لا في المال الذي لا أملكه أصلا... لكن عندي ملاحظات، أولها أن لجن الدعم تتكون من أفراد يصوتون... في غالب الأحيان تكون الأغلبية مدروسة و مخطط لها، و يبقى اثنان أو ثلاثة من يؤثث بهم بصفتهم مهنيين في الميدان السينمائي (للترويج الاعلامي)، وهذا يجعل هؤلاء المهنيين لا يغيرون من الأمر شيئا ولو اعترضوا على بعض الأعمال، لأنه في النهاية يقولون أنها الانتخابات التي تحكم... وأنا أقول أن تلك الأغلبية لا علاقة لها بالسينما، بل أشك أنها تقرأ كل الأعمال، والدليل هو أنه عندما رفض فيلمي ، توصلت بملاحظة غريبة تقول أن طرق التعذيب مبالغ فيها، فاكتشفت بسرعة: 1 أن اللجنة لا تعرف عن القضية الوطنية الكثير ... 2 أنني كتبت على الصفحة الأولى للسيناريو ما يلي : "طرق التعذيب غير خيالية بل مأخوذة من شهادات المعتقلين و من سيرهم الذاتية... لتكون واقعية..." مع منح كتاب "الرعب" لكل أعضاء اللجنة و للإدارة، مما يدل أن الكتاب لم يتصفحه أحد... 3 تسرب أخبار قبل النتائج بأن أسماء معينة سوف تأخذ الدعم، و فعلا أخذته بحجة "أنهم مساكين كيعيشو من السينما..." و كأننا نحن نعيش من مجال آخر؟؟؟ 4 نفس الأسماء تأخذ دائما الدعم، و بعضها لديها تجربة 30 سنة في السينما و مازالت تأخذ الدعم، في حين أن كل الدول بما فيها فرنسا التي أخذ قانون الدعم عنها، تعطي الدعم لكل اسم مرة أو مرتين، و معنى ذلك أن المخرج يجب أن ينطلق تاركا الفرصة أمام أجيال أخرى، لكن الحالة في المغرب أن المخرج يفشل ونعيد دعمه (على فشله)، والكل يعرف أن أول شيء يفعله المخرج الذي هو المنتج في أغلب الأحيان هو شراء سيارة و منزل قبل بدء التصوير، و المركز السينمائي يعلم بتلك الأسماء، بل و يدعمها مرة أخرى و أخرى !!!و من أراد التفاصيل فيمكن أن يسأل أي مهني بسيط في الميدان ليمطره بالأخبار المشابهة و بأسماء المخرجين الذين اغتنوا قبل تصوير أفلامهم، وكيف أنهم لم يكملوا له راتبه الذي اتفق معهم عليه أو الذي يستحقه... - 4ما الحل؟ الحل في نظري هو الاقتباس من امتحانات الباكالوريا بمعنى أن تكون أسماء المخرجين و المنتجين محجوبة ولا نعلم بأسماء أعضاء اللجنة إلا بعد النتائج وأن تكون متابعة لتكوينهم (هل هم مكونيين في المجال السينمائي) لأنه أحيانا يتوصل المخرجين بملاحظات غريبة و مضحكة لا تمت لأهل المهنة بصلة (مرة قالوا لمخرج عملك من صنع الخيال !!! و أود أن أعرف هنا هل السينما تصنع من الشوكولاتة؟ فإذا كان كذلك فاللهم زدني علما) ، و إذا شكك أحد في كلامي ، فأنا مستعد شخصيا لمناظرة "علمية" (على أسس القواعد السينمائية) مع أي كان يمثل المركز السينمائي المغربي، و بحضور الإعلام و الصحافة المتخصصة المغاربة و الدوليين و المهنيين و النقاد المغاربة و الدوليين، و لنرى هل نحن نمارس السينما بقواعدها العالمية المتعارف عليها ، أم أننا نعطي الدعم على حسب المزاج و الزبونية، و بالتالي تضيع الأشياء الجميلة بما فيها القضية الوطنية الأولى، و تهرب عقولنا إلى أوربا ليستفيد منها من يعرف بحق الأشياء...