في هذه الحلقات سنحكي قصة الضابط المغربي علي نجاب، الذي كان رهن الأسر لدى البوليساريو لمدة 25 سنة، فبعد عدة لقاءات مباشرة مع هذا الضابط الطيار المتقاعد، روى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» تفاصيل حياته منذ النشأة الأولى، دراسته الابتدائية بتازة والثانوية بالدار البيضاء والجامعية بفرنسا وأمريكا للتكوين في مجال الطيران، ويروي علي نجاب كذلك عن سيرته العملية في الجيش المغربي، وكيف سقط في يدي العدو بالصحراء المغربية، ويتذكر تفاصيل المعاناة والتعذيب الوحشي بمعتقلات تندوف لدى البوليساريو، ويكشف حقائق جديدة لأول مرة حول شخصيات عربية ومغربية، ومواقفهم المعادية للوحدة الترابية، كما يعطي وجهة نظره حول نزاع الصحراء المفتعل كمشارك في حرب الصحراء المغربية، ويتذكر أيضا هنا حين زار المنبهي مخيمات تندوف، كما هو الشأن لعلي المرابط الذي حاور عبد العزيز المراكشي بتندوف، ويتحدث عن أشياء أخرى كالمسيرة الخضراء، وجمعية ضحايا وأسرى الوحدة الترابية، وعن الإفراج عنه وكيفية الاستقبال بالمغرب. وعن سؤال وجهته لعلي نجاب عن كيفية الإفراج عن الأسرى المغاربة من جحيم البوليساريو، رد نجاب لقد كان ذلك سنة 1984 ، حيث عمل البوليساريو على إطلاق سراح 10 أسرى مغاربة، بعد أن قام عمر الحضرمي ومديرية الأمن التي كان على رأسها ببحث دقيق عن الأسرى، فتم اختيار 10 أسرى ينتمون إلى مختلف الجهات المكونة للمغرب، وربما كانت هذه الفكرة من أجل الدعاية، لأن وصول هؤلاء العشرة من الأسرى إلى المغرب ستثير الحديث بشكل أو آخر عن البوليساريو، والأسرى الموجودين لديهم عبر التراب الوطني، وفي يوم من أيام سنة 1986 جاء عمر الحضرمي للمركز الذي نتواجد به، وطرحت عليه سؤالا، لماذا لا يفرج البوليساريو عن الأسرى المسنين والمرضى؟ لا سيما أن البوليساريو يدعي أن لا عداوة له مع الشعب المغربي، بل مشكلته مع الدولة المغربية، فرد علي عمر الحضرمي بالقول لقد: أطلقنا سراح عشرة أسرى لم تأت بأية نتيجة، وقلت له وأية نتيجة كنتم تنتظرون، فإطلاق سراح الأسرى، هو عمل إنساني فقط، فلم يجب وراح يتكلم في أشياء أخرى، ولما هم بمغادرة المركز ذكرته على أنه لم يجب عن سؤالي المتعلق بإطلاق سراح المسنين و المرضى، فقال لي: بالفرنسية ما معناه، أن سؤالك لم يسقط في آذان غير صاغية. فلم تمض إلا سنة كاملة على هذا الحديث المقتضب مع عمر الحضرمي، وبالضبط في سنة 1987 قرر البوليساريو إطلاق سراح 200 أسير مغربي، فكان معظمهم من المسنين والمرضى، وكان عمر الحضرمي لا يزال مسؤولا على الأمن بالبوليساريو، لكن فيما بعد قيل لنا نحن الأسرى على أن المغرب يرفضهم وبقوا في الأسر معزولين عن باقي الأسرى فمات منهم خمسة عشرة أسيرا ، لكن فيما بعد سنفهم على أن المغرب كان يعترض على طريقة استلام الأسرى المغاربة، وكان يطالب بطريقة تحترم القانون الدولي وتليق بسيادته كدولة، ففي سنة 1995، سيتم تسليم هؤلاء الأسرى إلى منظمة الصليب الأحمر التي بدورها عملت على تسليمهم إلى المغرب، وهنا مربط الفرس، لأن المغرب رفض تسلم الأسرى مباشرة من البوليساريو، لأنه لو فعل، فذلك سيعتبر اعترافا رسميا منه بالبوليساريو. وهكذا تم التوصل إلى شبه اتفاق مع منظمة الصليب الأحمر لإطلاق سراح الأسرى من الجانبين، لكن دون أن تكون عملية تبادل الأسرى ، وعملية التبادل الوحيدة للأسرى التي وقعت، كانت مابين الدولة المغربية ودولة الجزائر، حيث تبادل المغرب ب 106 أسير جزائري مقابل 150 أسيرا مغربيا من ضمن 476 أسيرا التي كانت تحتفظ بهم الجزائر بالبليدة قرب العاصمة الجزائر، أما الباقي فقد تم إرجاعهم للبوليساريو. وفيما بعد ضربت الجزائر والبوليساريو كل ما قامت به منظمة الأممالمتحدة ومنظمة الصليب الأحمر من أجل إطلاق سراح الأسرى، عرض الحائط، فأصبحت عمليات إطلاق سراح الأسرى المغاربة يخضع لعملية تبادل "السلع" بين البوليساريو والمنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تؤدي أغلى ثمن كمساعدات مادية أو مواقف سياسية في محافل دولية، وصار إطلاق الأسرى المغاربة بعدد قليل يتراوح ما بين 150 و 200 أسير. فحقيقة الأسرى المغاربة ومعاناتهم والتعذيب الذي مورس عليهم لم تعرف وتفضح لدى الرأي العام الدولي إلا بعد التقرير الناتج عن تحقيق ميداني قامت به جمعية فرانس ليبرتي التي كانت ترأسها السيدة دانيال ميتران زوجة الرئيس السابق لفرنسا، والغريب في الأمر أن هذه المنظمة الفرنسية تدعم ماديا وسياسيا في البداية البوليساريو، إلى أن اكتشفت الحقيقة في الميدان داخل معتقلات البوليساريو، وغيرت موقفها تماما. وكان آخر فوج من الأسرى، تم إطلاق سراحه في غشت 2005 وعددهم يصل إلى 404 أسير، يقول علي نجاب بعد أن قامت الجمعية المغربية لأسرى حرب الوحدة الترابية المكونة من الأسرى العسكريين والمدنيين الذين عادوا للمغرب، بحملة أولا بجنيف وثانيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية لتحسيس الرأي العام الأمريكي والأوربي بصفة عامة لضرورة الضغط من أجل إطلاق سراح ما تبقى من الأسرى المغاربة لدى البوليساريو.