هي عبارة وردت في تصريح للسيد رمطان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائري على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب الممهدة للقمة العربية في شرم الشيخ. حاولت أن أفهم ما يريد أن يقصده المسؤول الأول عن الدبلوماسية الجزائرية من كون جيش بلاده لا يحارب إلا داخل الجزائر فقط، واستعصى علي الفهم، واختلط علي الأمر ما إذا كنت أن الذي قد أسأت الفهم أم أن رمطان لعمامرة هو الذي أساء التعبير، أم أنها زلة لسان ولكنها عين الصواب. وفي واقع الحال أن الرجل كان صادقا كما كان مخادعا في نفس الوقت. وذلك هو دأب الدبلوماسيين الجزائريين الذين يمكرون ويزايدون كلما تعلق الأمر بالقضايا التي لم يكن لهم فيها سبق ولم يعجنوها بأيديهم، ظنا منهم أن الدبلوماسية الإفريقية والعربية ينبغي أن تكون أولا خميرة جزائرية، وما عدا ذلك وجب مواجهته بالرفض. الشعب في دائرة استهداف الجيش الجزائري: جانب الصدق في تصريح هذا المسؤول يكمن في أن القيادة العسكرية الجزائرية جعلت بالفعل من الوظيفة الأساسية لجيشها هو قمع الشعب الجزائري. والقول بأن هذا الجيش لا يحارب إلا داخل أراضيه هو قول ينبغي أخذه على محمل الجد، وإلا ضد من تشن هذه الحرب؟ أو يا ترى من هو هذا العدو بداخل الأراضي الجزائرية الذي وجب محاربته في القاموس العسكري لجنرالاتها؟ إنه ذلك المواطن البسيط الذي يريد أن يتنفس الحرية وتكتم أنفاسه، ويريد قسطا من الكرامة لكنه يتعرض للذل والهوان، ويريد ضمان العيش الكريم فإذا به يواجه بالتجويع والتفقير ، ويريد المساوات بين مكونات الهوية الجزائرية لكن يتم التصدي له على مدى السنين وبدون انقطاع بإنزالات عسكرية في غرداية وتيزي وزو ومختلف القبايل، ويريد انتخابات حرة وديمقراطية لكنه يواجه بتزوير الإرادة الشعبية، وأن لا ديمقراطية تعلو ديمقراطية الثكنات، وأن الإرادة الشعبية مرهونة بإرادة العسكر والجنرالات. العقيدة العسكرية للنظام الجزائري لا تختلف عن عقيدة النظام السوري الذي لم يوجه يوما ما بندقيته على الإطلاق إلى إسرائيل منذ احتلالها للجولان بل كان وما يزال يستخدم ترسانته العسكرية في إبادة الشعب السوري. وطبيعي اليوم أن يحظى نظام بشار الأسد بتأييد من نظام بوتفليقة وجنرالاته لأن بينهما قواسم مشتركة . فالأول سبق الثاني في المجازر الداخلية. والعشرية السوداء التي عانى منها الشعب الجزائري من تنكيل وتقتيل ودمار وخراب للبيوت لا لشيء سوى أن الشعب الجزائري قال "لا" لتزوير إرادته في الانتخابات، فكان الثمن غاليا في إزهاق الأرواح وقطع الأرزاق والأعناق. وهو نفس المسلسل الذي دخلت حلقاته اليوم في سنتها الرابعة بسوريا الأسد. وطبيعي أن يقف النظام الجزائري مؤيدا للنظام البعثي . وإذا اتخذت بعض الدول العربية اليوم موقفا صارما حيال ما يجري في اليمن ، فذلك من باب حرصها على تجنيب الشعب اليمني المآل المظلم والقاتل الذي ما زال يعاني منه الشعب السوري. فالحركة الإرهابية للحوثيين مدعومة، كما هو النظام السوري، من طرف إيران التي بدا واضحا أنها تتحكم في خيوط اللعبة وتريد أن تضع المنطقة في فكي كماشة من الشمال بواسطة ذراعها حزب الله ونظام الأسد وفي الجنوب عن طريق عصابة الحوثيين. الدعوة للحوار السياسي أكذوبة جزائرية للقفز على الشرعية اليمنية: المسؤول الجزائري رمطان لعمامرة يدعي أنه عوض الإحتكام إلى الخيار العسكري من قبل بعض الدول العربية ضد الحوثيين، ينبغي إتاحة الفرصة للحوار السياسي لتجاوز الأزمة في اليمن. وإذا كان السيد لعمامرة صادقا فيما يدعيه، كان على بلاده أن تنسجم مع نفسها وأن تتخذ موقفا صارما ومنددا بالتدخل العسكري في سوريا سواء من طرف جنرالات إيران أو من طرف رجال حزب الله الذين يعيثون فسادا وتقتيلا في الشعب السوري. كما أن الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري المشهود له بوساطاته السلمية في تسوية الأزمات لم يفلح سياسيا في إنهاء الأزمة السورية ورمى منديله على الحلبة معلنا عن انسحابه. وعلى إثر ذلك، كنا ننتظر من النظام الجزائري أن يطالعنا بوصفة سحرية في سياق الحوار السياسي بخصوص الأزمة السورية لكنه لم يفعل، فكيف يصح له أن يتشدق بها في سيناريو الأزمة اليمنية. فحديث القيادة الجزائرية عن الخيار السياسي كأداة لتسوية الأزمة اليمنية هو تغليط للرأي العام العربي وإظهار الجزائر بأنها دولة توثر المساعي السلمية على استخدام القوة. والحقيقة أن تلك الدعوة يراد بها خلط الأوراق من جديد،كما يريد نظام الملالي في إيران، والعودة إلى الوراء أي إلى المربع الأول للأزمة اليمينة بعد أن توافقت وأفلحت الأطراف اليمنية في إحداث انفراج سياسي انتهى بانتخاب رئيس شرعي لم تقبل به جماعة الحوثيين كما هي إيران. إنه انقلاب على الشرعية الذي تتعامى عنه الجزائر. فأي حوار سياسي تتحدث عنه القيادة لجزائرية والحالة أن عصابة الحوثيين مدججة بالأسلحة المتطورة من صواريخ بلاستيكية التي أمنتها إليها طهران ونصبتها على الحدود مع السعودية. الحوثيون لا يومنون بالحوار بل يعملون على أجندة إيرانية مثل هو حزب الله في لبنان. المخطط يستهدف التماسك بإحداث طائفية مناطقية يقف من ورائها مارد واحد سواء في الضاحية الجنوبية في بيروتبلبنان أو في صعدة باليمن. إن الأزمة اليمنية، ورمطان لعمامرة يعلم ويتعامى عن ذلك، تذكي نارها وتنسج خيوط لعبتها طهران التي تدعم ذراعها الشيعي المتغلغل في المجتمع اليمني والمتمثل في الحوثيين. فلماذا لم يجرؤ معالي السيد لعمامرة في رفع صوته في وجه التدخل الإيراني السافر الذي يندرج في إطار استراتيجية خطيرة تستهدف دول المنطقة برمتها ، وقد ياتي الدور على الجزائر حينما ينتهي العمل بالهلال الشيعي و يكتمل هذا "البدر" لاحقا ليضيء سماء الجزائر، وبشائره اليوم تنامي ظاهرة التشيع في صفوف الجزائريين. والدليل على أن إيران ضالعة في الأزمة اليمنية ومعنية بها هو تحركها الفوري لدى القيادة الجزائرية بالتدخل من أجل إيقاف العملية العسكرية المعروفة باسم "عاصفة الحزم" والتي انخرطت فيها اليوم عشر دول عربية ضد حركة الحوثيين الإرهابية. ألم تتساءل القيادة الجزائرية عما هذا الذي دفع القيادة الإيرانية إلى هذا التحرك لولا مصلحتها في المنطقة، وأي تهديد نقله وزير الخارجية الإيراني إلى العاصمة الجزائرية؟ فالسيد لعمامرة حينما حذر من تداعيات تلك العملية العسكرية على منطقة الخليج ككل، فهو يريد بذلك أن ينقل رسالة تحذيرية من طهران تم التداول بشأنها في العاصمة الجزائرية. التدخل العسكري الجزائري بين الوجود الفعلي والتواطؤ: الرجل مثلما كان صادقا في قوله بأن البندقية الجزائرية لا تستعمل إلا في داخل حدود البلاد كأداة لقمع الشعب الجزائري وهو الثابت والأصل في العقيدة العسكرية للجزائر، فهو كان مخادعا في نفس الوقت إذ نسي أو تناسى، ونحن هنا من أجل إنعاش ذاكرته ببعض الأحداث التي تورط فيها الجيش الجزائري خارج الحدود. مباشرة بعد استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية أي في عام 1976 سارعت القوات الجزائرية ،في سباق مع الزمن،إلى اقتحام التراب المغربي في محاولة منها لاحتلال أجزاء من الصحراء وتسخيرها لمرتزقتها تمهيدا لضمها إلى التراب الجزائري. غير أن هذه العملية انتهت بأسر جنود جزائريين في معركة تاريخية وهي "معركة امغالا" ظلت على سائر الأيام والسنين عقدة مغربية عالقة في الحنجرة الجزائرية. اللهم إذا كان السيد لعمامرة يرى في بلدة امغالا ما كانت عليه وضعية برلين الشرقية في ألمانيا الغربية ،أي قطعة محسوبة على التراب الجزائري ولذلك وجب توجيه البندقية الجزائرية إليها. ومثلما أن التدخل العسكري لا يكون دائما عن طريق الجنود، فإنه قد يأخذ عدة تجليات كالدعم اللوجيستي بالعدة والعتاد في سياق الدعم لهذه الحركة الانفصالية أو تلك. هذا هو حال التدخل العسكري الجزائري في دعمه لما يسمى بحركة البوليساريو، حينما يمدها بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة منها والثقيلة. ثم أن التحرش ببلد جار كالمغرب أوليس بمثابة إعلان حرب على الجوار؟ بل ليس أخطر من ذلك هو أن يسخر بلد كالجزائر أراضيه لكراكيزه من أجل إطلاق عمليات عسكرية ضد المغرب ثم العودة للاحتماء في الحضن الجزائري. تغطية عسكرية جزائرية على هذا لنحو السافر جوبهت في حينها بإعلان المغرب استخدام حقه في الملاحقة. وكان أمل القيادة الجزائرية وما زال هو رغبتها في الدخول في حرب مع المغرب بافتعال الاسباب للانجرار إلى هذا المنزلق الخطير. ولولا حكمة المغرب والمغاربة لكان السيناريو على عكس ما هو عليه. فبعض القادة الجزائريين يتجرؤون في الاستفسار عن هذا الأمر وبنوع من الاستفزاز لدى الدبلوماسيين المغاربة المعتمدين لديها وهو متى سيقبل المغرب بخوض حرب مع الجزائر لإنهاء عقدة حرب الرمال لعام 1963، وكأن هذه الحرب ستدور أيضا رحاها بداخل التراب الجزائري. التدخل العسكري للجزائر سجل في عدة دول إفريقية وأخذ عدة أوجه تحت يافطة دعم حركات التحرير. وبالأمس غير البعيد أي في اللحظة التي كان فيها نظام القذافي يصارع شعبه، تدخلت الجزائر لحماية هذا النظام والحيلولة دون إسقاطه. وقد ثبت مع اندحار النظام العسكري في ليبيا ضلوع خبراء عسكريين جزائريين انتشروا في المحافظات الليبية وخاصة الغربية منها لدعم نظام القذافي ضدا في شعبه ومنعا لانهياره لكي لا تنتقل العدوى إلى الإطاحة بالنظام الجزائري. إخلال الجزائر بركن من أركان العمل العربي المشترك: تصريح المسؤول الجزائري ينطوي على أبعاد خطيرة من شأنها أن تقوض الجهد العربي المبذول حاليا في إعادة اللحمة والتضامن المفقودين لعقود خلت كانت فيها جل القرارات حبرا على ورق منذ عام 1973. واليوم جاء الوقت لتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وتنزيلها على أرض الواقع لمواجهة المارد الشيعي الإيراني. إلا أن القادة الجزائريين فضلوا عدم تفعيل هذه المعاهدة بدعوى أن جيشها لا يحارب خارج أراضيه، وهو ما يتناقض مع معاهدة الدفاع المشترك التي قبلت بها الجزائر بصفتها كعضو في الجامعة العربية. وقد يقول قائل إن الدستور الجزائري ينص على منع القوات الجزائرية من المشاركة إلى جانب قوات أخرى حتى ولو كانت قوات عربية لمواجهة أي خطر يتهدد الأمة، ولو صح ذلك فما جدوى عضوية الجزائر في الجامعة العربية، أهو تقاسم اللغط وتجادب أطراف الحديث في المتاهات والتفاهات. وإذا لم تنخرط الجزائر في المنظومة الدفاعية في هذا الوقت العصيب حيث الأخطار الأمنية تتهدد الأمة، فإن عقوبة الطرد أولى من بقائها في الجامعة العربية بسبب استخفافها بركن أساسي في منظومة العمل العربي المشترك. الجزائر دائما وكعادتها تغرد خارج السرب، والأمر ليس بغريب عنها في تواطؤها وتخاذلها على حساب الأمة ولها في ذلك سوابق. فهي البلد الوحيد الذي وقف إلى جانب إسبانيا ضد المغرب حينما نشبت أزمة حادة بين البلدين على خلفية جزيرة ليلى. وقد فات الجزائر أن تدعو إلى التأني والحوار في تلك الأزمة على غرار ما تدعيه حاليا في أزمة اليمن. إجمالا، ماكينة الدبلوماسية الجزائرية تدور رحاها على مفصل رئيسي يراد به معاكسة مصالح المغرب حيثما وجدت، والتشويش على أي نشاط دبلوماسي يتولاه المغرب، والأزمتان المالية والليبية شاهدتان على ما يحظى به المغرب من ثقة ودعم أممي . كما هو الحال عليه في العلاقات المغربية الخليجية، ولأنها علاقات ممتازة فهي مثيرة للغاية ومستفزة كثيرا لحكام الجزائر ويشمئزون من أي مسار تصاعدي لهذه العلاقات. فالدبلوماسية الجزائرية همها في جميع الحالات أن تتخندق في كل موقع يساعدها على تصويب بندقيتها ضد المصالح المغربية. ورفض الجزائر المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" مرده إلى أسباب منها: العلاقة الاستراتيجية القائمة بين الجزائروإيران على حساب العلاقات العربية البينية اتهام الجزائر لبعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية بالوقوف وراء تراجع أسعار النفط الذي تتضرر منه حاليا الجزائر كما هي إيران، ومن هذا المنطلق يرفض الحكام الجزائريون الوقوف إلى جانب الرياض في عملية "عاصفة الحزم" وأخيرا وليس آخرا دخول المغرب في هذا التحالف العربي يزيد الطينة بلة من المنظور الجزائري ويكمل الأسباب لكي تضرب الجزائر الدعوة السعودية عرض الحائط . إنها الجزائر وهكذا تريد أن تكون دائما مغردة خارج السرب العربي إلا السرب الفارسي. والشعب الجزائري مع حماقة وتهور قيادته مجرور إلى مصير مجهول، وهو محتار من أمر جنرالاته و لا يعرف هذا الشعب المسكين على أي قدم يريدون أن يرقصوا، مع علمه اليقين أن مؤخرة كل بندقية وفوهة كل مدفع معدة في الأصل لكل جزائري سولت له نفسه فتح فمه ولو للتثاؤب