من قال إن العرائس الصغار تزف إلى عرائسهن فقط في القرى النائية بالمغرب؛ هن موجودات أيضا في المدن الكبرى، حيث ترعرعن في أزقتها، وتعلمن في مدارسها، إلا أنهن لم يستطعن متابعة دراستهن بسبب سلطة التقاليد، التي ما زالت راسخة في عقول العديد من الآباء، هن نساء اغتصبن بقوة القانون. فبعد الدراسة الوطنية التي كشفت عن أرقام مهولة لزواج قاصرات بالمغرب، "شبكة أندلس الإخبارية" ارتأت تقريب قصص هؤلاء النسوة اللواتي جالستهن لتستمع إلى معاناتهن ومطالبهن المشروعة بقوة القانون أيضا.. إلهام تسعى إلى العيش بكرامة "حياتي ضاعت، لم أتمم دراستي ولم أحصل على شهادات، وأنا في الوقت الحالي مجرد صغيرة مطلقة، ليس لي طموح سوى العيش بكرامة.. "، هذه العبارات تكاد تكون القاسم المشترك لأغلب حالات زواج القاصرات التي التقينها؛ فبهذه الكلمات تستهل إلهام " اسم مستعار" حديثها، فهي لم تشأ أن تبوح لنا باسمها الحقيقي أو حتى التقاط صورة لها، شأنها شأن باقي النسوة الصغار فهن يخفن من مجتمع يتهمهن بالنشوز. إلهام شابة مطلقة تبلغ من العمر عشرين سنة، وهي تنحدر من منطقة "عين حرودة"، تزوجت حين كان سنها لا يتعدى خمسة عشر عاما، لم يعد لها أمل في المستقبل كما روت لنا بنبرة متأثرة، وهي تحكي في همس واضح:" عندما وصلت إلى القسم السادس الابتدائي لم أستطع متابعة دراستي، بسبب بعد المسافة بين البيت الذي تقطنه أسرتي وبين المدرسة". الحكاية بدأت عندما وافقت إلهام على زواج بشاب يقطن بعيدا عن بيتها، فهي كانت تعتقد أن الزواج مجرد هروب من العنف الذي يمارسه عليها والديها، تقول "لم يخبرني أحد عن الممارسة الجنسية الطبيعية التي تجمع بين الأزواج؛ فالزواج كان بالنسبة إلي هو أن أمتطي الحافلة، وأن أسافر بعيدا عن قريتي وعن قسوة والدي.." رفضت المحكمة تزويج إلهام؛ لكن أسرتها لم تستسلم، فقدمت المال للعدلين اللذين قاما بتوثيق عقد الزواج للتحايل وتزويج إلهام.. لم تدرك إلهام، التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، أن الزواج هو مسؤولية يتحملها الطرفان، كانت تتعرض للضرب المبرح وسوء المعاملة من زوجها الذي يبلغ خمسا وعشرين سنة من عمره، لهذا قررت الرجوع إلى بيت أبيها مجددا. لكن في أول خطوة لها لبدء من جديد بحثت عن عمل؛ لكنها تقول وهي تردف دموعا "بمجرد سؤالي عن عمل ما، يقومون المسؤولون عن العمل بمساومتي، لا يحترمونني ..يصفونني بالعاهرة إن رفضت تلبية رغباتهم الجنسية". ضحية اغتصاب "إن لم يقتلني سأقتله"، بهذه العبارة تكشف إيمان "اسم مستعار" عن النوايا التي تضمرها ضد زوجها.. تقول هذه السيدة، التي تبلغ العقد الثالث من عمرها وتتمتع بقوام طويل وببنية متناسقة: "بالرغم أنني كنت متفوقة في دراستي، إلا أن ذلك التفوق لم يشفع لي عند والدتي وشقيقي الأكبر؛ فهما كانا يريدان تزويجي بأحد أصدقاء أخي، الذي لم يكن يتجاوز عمره اثنتي وعشرين سنة"، وتضيف مسترسلة: "حاولت، بكل الطرق، أن أمنع هذا الزواج؛ لكن شقيقي هددني بذبحي إن لم أقبل بذلك القرار، فقد كان يفرض سيطرته داخل البيت ". جاء اليوم الموعود، وتم عقد قران الطفلة إيمان البالغة من العمر أربع عشرة سنة، والتي أخبرتنا بأنها لم تتعرف على العدلين اللذين حررا عقد زواجها، حتى يسألاها إن كانت موافقة على هذا الزواج أم العكس؛ فأبوها تكفل بالموضوع، فهي كانت طفلة صغيرة ولا تفقه شيئا عن الزواج وما يترتب عنه من مسؤوليات. تواصل إيمان حديثها قائلة:"عندما انتهى حفل الزفاف اكتشفت أن الزواج ليس تلك اللعبة التي كنت ألعبها في الدرب مع فتيات الجيران؛ بل وجدت نفسي بين يدي رجل غريب، يطلب مني أن أصبح زوجته. في البداية، لم أفهم ما يقول، لكن بعد دقائق فهمت أن الزواج هو معاشرة جنسية؛ وهو ما لم أشعر به بالرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على زواجي، فقد قام بتعنيفي وضربي، بشتى الطرق". تتنهد إيمان بعمق وتعدل جلبابها الضيق :"في كل مرة يطلب مني ممارسة الجنس يضربني ويقوم باغتصابي، تجاهلت حقوقي تجاهه. وكلما حاولت أن أستغيث بوالدتي وأشكو لها ما يحدث لي، كانت تخبريني بأن هاته الأمور عادية ولا يجب أن أنزعج منها؛ بل أحيانا كانت تكتفي بالضحك". بقرب من إيمان، تجلس ابنتها التي فضّلت أن تختار اسم حياة لأنها رفضت أن تكشف لنا عن اسمها الحقيقي خوفا من الفضيحة. تخلى عنها بعدما تزوجها.. بجسمها النحيل وملامحها الشاحبة، تحكي حياة البالغة من العمر عشرين سنة، أن السبب الحقيقي وراء زواجها وهي في سن السادسة عشرة هو الهروب من العنف الذي كان يمارسه والدها عليها، إذ كان يسيطر عليها ولا يدعها تختار مصيرها. تقول حياة:"كان يقسو علي، ويضربني كثيرا، وكنت أتألم عندما أشاهده يعذب والدتي.. أعتقد أنه يكره النساء؛ فهو كان يرفض أن ألبس لباسا عصريا، فرض عليّ الحجاب، كان يلزم علي أن أرتدي لباسا فضفضا، كان يعرف كيف يقسو علي". لم تفكر حياة في مصيرها إن تزوجت بزميل لها في الدراسة؛ فهي كانت تدرس وكان همها الوحيد أن ترتاح من شر والديها. تعرفت على الشاب الذي كان يكبرها ببضع سنوات والذي قدمها إلى باقي أفراد أسرته؛ فبدا لها أنهم سعداء، لا سيما بعدما تعرفت على والدته، فهي تقول بنبرة متوترة :"كنت معجبة بوالدته، كانت أنيقة، أعجبت بالطريقة التي تتحدث بها مع ابنها، كان المنزل الذي يعيش فيه هادئا، كل تلك العوامل كانت حافزا لي من أجل أن أرتبط بالشاب، إلا أنه بعض زواجي به اكتشفت أن هذه السيدة هي مجرد عاهرة وأن هذا الابن هو مجرد مدمن لكن بعد فوات الآوان". لم تكن والدتها راضية على زواجها بالشاب، لكن ابنتها تمسكت بقرارها وتم عقد قرانها بالطريقة نفسها التي تزوجت بها والدتها، كانت تبلغ ست عشرة سنة من عمرها، تقول مسترسلة :"العدلان لم يطلبا مني بطاقة التعريف الوطنية، واكتفيا بولي الأمر" حياة تخلى عنها زوجها في أحد المستشفيات بمدينة أكادير وهي تتألم من مخاض الولادة، وتركها لوحدها دون عائلتها، وكأنها تدفع ثمن ثقتها به، توسلت إحدى الممرضات أن تتصل بوالدتها لتطلب منها المجىء. بعدما أنجبت حياة رضيعها، رفض زوجها الاعتراف به، فلم يكن لها الخيار سوى الرحيل إلي بيت والدها وطلب الطلاق.