تشهدت العاصمة الإسبانية منذ منتصف شهر نونبر 2014 حراكا غير مسبوق خلفه قرار بلدية غرينيون، المتواجدة على بعد ثلاثين كيلومترا جنوبي مدريد، إغلاق أكبر مقبرة إسلامية بالبلد وهي المقبرة التي كان الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو قد وهبها لدفن الجنود المغاربة الذين كانوا يحاربون في صفوف قواته إبان الحرب الأهلية الإسبانية [1939 -1936 ]. قرار الإغلاق هذا والإعلان عن تفويت تسيير المقبرة إلى شركة خاصة، بعد مناقصة عمومية، خلف استياء كبيرا في أوساط الجاليات المسلمة، خاصة وأنه اتخذ من دون أي سابق إنذار وبتواطؤ مع الأمين العام للمفوضية الإسلامية رياج ططري الذي أعطى موافقته على قرار الإغلاق دون استشارة الجمعيات الدينية بما فيها تلك التي تنضوي تحت لواء اتحاد الجمعيات الاسلامية بإسبانيا "أوسيدي" الذي يسيره منذ ما يقرب من ثلاثين سنة. تخلي القنصلية المغربية عن الاشراف عن المقبرة وحسب المعلومات التي حصلت عليها "أندلس برس" فقد سلمت وزارة الدفاع الاسبانية مفاتيح المقبرة إلى السلطات القنصلية المغربية في بداية الستينيات من القرن الماضي وكانت القنصلية المغربية هي من يدفع مصاريف الماء والكهرباء والضرائب وكذا راتب المشرف على المقبرة إلى عهد قريب. كما حصلت "أندلس برس" على نسخة من السجل العقاري تثبت أن اسم القنصلية المغربية كان موجودا في السجل العقاري، حيث أن وزارة الدفاع كانت تنتظر من القنصلية المغربية استكمال الإجراءات القانونية للحصول على ملكية المقبرة التي تضم رفات المئات من الجنود المغاربة. القنصل المغربي يتملص من المسؤولية ولتبرير تخلي المغرب عن هذه المقبرة التي تشكل ذاكرة مشتركة بين المغرب وإسبانيا، قال القنصل العام للمملكة المغربية بمدريد، طارق الوجري، إن البقعة الأرضية التي توجد عليها مقبرة غرينيون، ليست في ملكية المغرب وإن المملكة المغربية، و"في تضامن ودعم لأفراد الجالية المسلمة المقيمة بهذه الجهة، تولت بشكل تطوعي إدارة هذه المقبرة، وباشرت منذ سنوات، بناء على طلب وجهته الجمعيات الإسلامية للقنصلية، أداء فاتورتي الماء والكهرباء". وأكد أن هذه الأرض ملكية هذه البقعة لا تعود للمغرب، وإنما هي تابعة لوزارة الدفاع الإسبانية منذ سنة 1965، التي سلمتها، لاحقا، لبلدية غرينيون، مشيرا إلى أن المغرب لا يمكنه الاستمرار في تحمل تكاليف تدبير إدارة هذه المقبرة، فيما يبذل جهودا جبارة من أجل نقل جثامين مواطنيه إلى البلد. وأشار الوجري، من جهة أخرى، إلى أن القنصلية كانت تتكفل بأشغال صيانة المقبرة والمسجد الذي شيد على هذه الأرض، في سياق التضامن التاريخي الذي تبديه المملكة تجاه الجالية المسلمة، مبرزا أن هذه المقبرة أغلقت مؤقتا من قبل بلدية غرينيون في انتظار التعاقد، عن طريق مناقصة، مع شركة تتولى إدارتها على غرار مقابر أخرى في العاصمة الإسبانية. وقال إن القنصلية المغربية بمدريد بعثت بمراسلة إلى بلدية غرينيون من أجل التراجع عن قرار إغلاق هذه المقبرة إلى حين التوصل إلى حل مناسب لهذه القضية، مشددا على أن هذا الإجراء يضر بمصالح المسلمين المقيمين بهذه الجهة. وأشار قنصل المملكة إلى أن عدد المغاربة المدفونين بهذه المقبرة قليل جدا، مؤكدا، في المقابل، أن مصالح القنصلية قامت بتحسيس مختلف الجمعيات، بما فيها الجمعيات المغربية، بأهمية تولي إدارة هذه المقبرة، الفريدة من نوعها بالعاصمة الإسبانية. مسلمو إسبانيا يستنجدون باليهود لدفن موتاهم هذا ودفع قرار السلطات الاسبانية المقبرة، بعض الجمعيات الاسلامية إلى الالتجاء إلى رئيس الجالية اليهودية بإسبانيا لطلب مساعدته لتمكين المسلمين من الحصول على حقهم في دفن موتاهم على الطريقة الإسلامية. وخلال اجتماع انعقد في بلدة فوينلابرادا وحضره العديد من رؤساء الجمعيات الدينية والثقافية، لتدارس الحلول الممكنة بعد قرار السلطات الاسبانية إيقاف الدفن في مقبرة غرينيون، أشار محمد خرشيش، ممثل الجماعة الإسلامية "السنة" بفوينلابرادا، أن رئيس الجالية اليهودية أبدى استعداده لمساعدة الجاليات المسلمة للحصول على مقابر لدفن موتى المسلمين على الطريقة الاسلامية على غرار اليهود الاسبان. وقال خرشيش إن السلطات الاسبانية تكيل بمكيالين حيث تسمح لليهود بدفن موتاهم على الطريقة اليهودية بينما تحاول منع المسلمين من دفن موتاهم على الطريقة الاسلامية. مطالب برحيل أقدم "رئيس" في إسبانيا وخلال النقاش الذي تخلل هذا الاجتماع حمل العديد من المتدخلين المسؤولية للسلطات الاسبانية وكذا للأمين العام للمفوضية الاسلامية، رياج ططري، الذي وافق على إغلاق المقبرة دون استشارة الجمعيات الاسلامية الشيء الذي دفع العديد من المشاركين إلى المطالبة ب"رحيل" الأمين العام للمفوضية الذي يحتل هذا المنصب منذ ما يقرب من ثلاثين سنة. ورفع بعض المشاركين في هذا اللقاء لافتات كتبت عليها عبارة "رياج ططري... ارحل" للتعبير عن سخطهم على الطريقة التي يتعامل بها الأمين العام للمفوضية الاسلامية مع أفراد الجاليات المسلمة. إعادة فتح المقبرة تحت ضغط الشارع ومخاوف من تأزم الوضع كل هذه التفاعلات دفعت مجموعة من الجمعيات، خاصة الشبابية منها إلى تنظيم مظاهرات أمام وزارة العدل الاسبانية وكذا أمام المقبرة وأمام بلدية غرينيون للتعبير عن سخط المسلمين على هذا القرار وكذا للتنديد بتواطؤ الأمين العام للمفوضية الإسلامية. أكبر هذا المظاهرات تلك التي نظمت يوم 29 نونبر أمام مقر بلدية وشارك فيها المئات من أبناء الجاليات المسلمة. وردد المتظاهرون شعارات تندد بقرار إغلاق هذه المقبرة من قبل بلدية غرينيون وهو القرار الذي اعتبروه مجحفا في حق المواطنين من معتنقي الديانة الإسلامية والذين يقدر عددهم بمليوني شخص، وطالبوا بإعادة فتحها فورا ومن دون أية شروط. كما رفع المشاركون لافتات تحمل مسؤولية إغلاق المقبرة للبلدية وللمفوضية الإسلامية التي أعطت تزكيتها لقرار الإغلاق، معتبرين أنها مؤسسة غير شرعية ولا تمثل المسلمين ما دامت غير منتخبة ولم يغير هياكلها منذ أزيد من 25 سنة