بنك المغرب يتوقع تراجع التضخم إلى 0.8% في الفصل الرابع من 2024    وضعية إشتغال مركز تسجيل السيارات بالجديدة.. العمل داخل ''كراج'' بدلاً من مرفق عمومي يثير التساؤلات    الملك يعزي الرئيس ماكرون في ضحايا إعصار تشيدو بأرخبيل مايوت    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    ريال مدريد يتوج بلقب كأس القارات على حساب باتشوكا المكسيكي    برعاية مغربية .. الفرقاء الليبيون يتوصلون إلى اتفاق جديد في بوزنيقة    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    النقض يرفض طلب "كازينو السعدي"    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    في يومها العالمي..ائتلاف يدق ناقوس الخطر إزاء ما يتهدد لغة الضاد في المغرب من محاولات الهدم    ألباريس: لم نقدم أي تنازلات للمغرب في ملف الصحراء والعلاقات بين البلدين تعيش أفضل لحظاتها    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    الأمن يطلق بوابة الخدمات الرقمية    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    مؤجلات الجولة 31 من الدوري الاحترافي .. الوداد ضيف ثقيل على الجيش الملكي بالقنيطرة والكوديم يتحدى نهضة بركان    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    مفوضة أوروبية: المغرب «شريك أساسي وموثوق» للاتحاد الأوروبي    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح        الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    الجواهري: سنكون من أوائل الدول التي ترخص العملات المشفرة    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    الطلب العالمي على الفحم يسجل مستوى قياسيا في 2024    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغراوي و "داعش": الرمضاء و النار
بقلم: ابراهيم الفتاحي

بعد غياب طويل خرج شيخ الوهابيين المغاربة في ندوة نظمت بمراكش الشهر الماضي بهجوم حاد على تنظيم " الدولة الإسلامية" المعروف ب"داعش" اختصارا لتسميته السابقة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والذي يسيطر على أراض واسعة من سوريا والعراق محاربا النظام السوري والجيش الحر السوري معا، ومحاربا القوات العراقية وقوات العشائر في الأنبار وقوات البشمركة في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي. وتحول المغراوي إلى عالم نفس وهو يحلل أسباب التحاق بعض الشباب المغاربة بالتنظيم، عازيا هذا الالتحاق إلى الأوضاع الإجتماعية الصعبة لهؤلاء، ناسيا أن كثيرا من أتباعه أيضا مدفوعون بأسباب اجتماعية أو نفسية، إذ التزمت والماضوية لا يعدوان أن يكونا واحدا من الميكانيزمات الدفاعية، و نسي الشيخ المغراروي أنه ما بين فكره الوهابي وفكر داعش مجرد شعرة تتمثل في معاداة الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، أما دون ذلك فشبه تام، فالمظهر نفسه واللباس ذاته واللحى عينها، والنساء المنقبات الممنوعات من الخروج بدون محرم، و نسي الشيخ السلفي فتوى جواز تزويج بنت التسع سنين قبل سنوات التي أقامت الدنيا ولما تقعدها بعد، فالإرتكاس نحو الماضي لا يختلف من سلفية إلى أخرى، وإن كانت سلفيته اليوم تبدو معتدلة لأنها تدعو إلى الولاء للحاكم، وهي "سلفية الآل والريال" أو "سلفية القصور والقبور" مثلما كان الشيخ الفيزازي يسميها في نسخته الأصلية المركزة قبل أن يتحول إلى سلفي "laight" مع توالي المراجعات؛ وأستحضر هنا كلاما للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد في كتابه "نقد الفكر الديني" حيث قال إنه ليس ثمة إسلاموي معتدل، وأن العنف منتهاهم جميعا ولا يختلفون إلا في التوقيت، فمنهم من يرى ضرورته منذ البداية، وآخرون يؤجلونه حتى يتمكنوا بعد أن يتمسكنوا زمنا، أي أنهم يعتمدون مبدأ "المظلومية" و مبدأ "الإستضعاف في مواجهة الإستكبار" حتى يكثر عددهم وتشتد شوكتهم، آنذاك "يتركون الجمر الذي يقبضون عليه" حسب زعمهم و يمضون إلى فرض تصورهم بالقوة وتعنيف الرافضين حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إن جحافل أتباع المغراوي بفكرهم المتشدد وموقفهم من المجتمع وما يجري فيه ونظرتهم السلبية لعلاقة عموم الناس بالدين ونظرتهم إلى علماء المؤسسات الرسمية لا يحتاجون إلا إلى فتوى تبيح الجهاد أو تفرضه دون إذن الحاكم ليتحولوا إلى العنف وتكفير المجتمع بل وقتاله، وتغيير "المنكر" باليد بدل الاكتفاء بالقلب أو اللسان، هذه الفتوى التي قد تأتي ذات يوم من شيخ أكبر من المغراوي أو من خليفته إن رحل يوما إلى دار البقاء والأعمار بيد الله، فهذه السلفية الوهابية تقوم اليوم على استبعاد الجهاد لعدم توفر إمكانيته، وهذا ما أوضحه أحد منظريها الكبار وهو الشيخ الفلسطيني الأردني محمد ابراهيم شقرة في كتابه "هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهاجا"، حيث قال إن خير الجهاد في وهننا هذا الذي نحن فيه ( ويقصد المسلمين) هو ترك الجهاد،بل أسقط الإعداد له أيضا ورأى أن خير الإعداد ترك الإعداد، لكن في الوهن فقط، فماذا لو تغيرت التقديرات وبدا أن الوهن قد زال؟ وإن شيخي المغراوي الكبيران الراحلان محمد بن صالح العيثيمين و عبد العزيز بن باز قد اعتبرا أيضا أن الجهاد لا يستقيم وهذا الضعف، وأن وجوبه مرتبط بالنفير العام وبأمر من الحاكم، حتى هنا نقول لا بأس والخطر بعيد،لكن الفتوى متقلبة ولا تستقيم على حال، وترتبط بتقديرات أفراد فقط، بل ترتبط أحيانا بالأهواء والحسابات السياسية، فماذا لو أن شيخا سلفيا بارزا في الشرق بدا له أن أوان الشد قد بلغ، وأن رفع السلاح قد حان حينه؟ كمن سلفي سيولي وجهه شطر فتواه؟ خصوصا وأن البنية الذهنية قد تهيأت واستعدت واكتمل فيها التطرف.
لقد وصف الشيخ المغراوي أولئك الشباب المغاربة الذين التحقوا بتنظيم "داعش" في العراق و سوريا بالمساخيط، لكنه نسي سخط أتباعه على المجتمع واتساع دائرة الحرام لديهم، وتمذهبهم في العبادات والمعاملات بغير المذهب الرسمي للمغرب، واعتبارهم الأشاعرة مبتدعة، والأشعرية هي العقيدة الرسمية للدولة المغربية، وما زلت أذكر كيف قال لي ذات يوم حينما سألته عن كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي بأنه كله شر، والغزالي حجة الإسلام وإمام الأشعرية بعد أبي الحسن، لكن مضت الأيام وفي أحد دروسه الفقهية بدار القرآن ببوكار طفق يستشهد بكتاب "المستصفى" وهو أيضا للغزالي، فاستغربت رفض الرجل في العقيدة والعبادة واعتماده في أصول الفقه، آنذاك استدركت تخبط هذه السلفية، فكان ما كان بيني وبينه وغادرت دار القرآن بلا رجعة حتى اليوم. وبعد قراءتي لكتاب الراحل الدكتور محمد بوالنيت "كشف الشفهات: السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة" انفتح بصري على أشياء أخرى، كما أن كتاب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب "الصواعق الإلاهية في الرد على الوهابية" قد أوضح لي كثيرا من تهافت هذه الرؤية في الاعتقاد وغيره، والغريب في الأمر أن سليمان بن عبد الوهاب هو الشقيق الأصغر لمحمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية وشخها، لكنه أوضح خطورة فكر أخيه وتهديد مساعيه للأمة الإسلامية، فهل حدث ما حذر منه؟
إن خلاف الوهابية وداعش لا يعدو أن يكون خصام "العطارة"، لأن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما، فعرى الترابط الحقيقية توجد في الأذهان وليس في الميدان، وحتى وإن حمل السلفي "مروحة" فذهنه يحمل "كلاشينكوف" وهو عنيف موقوف التنفيذ ينتظر فتوى ما زالت في صلب شيخ ما يقذفها لحظة النشوة، أو لحظة خلاف مع شيخ آخر أو حاكم، وإن الاستنجاد بشيخ مثل المغراوي لمواجهة "داعش" أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار.
تقتضي محاربة التطرف تفتيح الأذهان لتقبل الاختلاف والرأي الآخر، لتحاور وتناقش بدل أن تهجر وتقاطع مثلما يفعل السلفيون، فما دونهم جهلة وهم لا يبغون الجاهلين، فسلام علينا يوم ولدنا مغاربة مسالمين محبين للاستقرار، وسلام علينا يوم ارتضينا السلام ونبذنا التعصب والتطرف، فلنا السلام ما حيينا ويوم نموت ويوم نلقى الله بقلوب سليمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.