صحافيون جزائريون يستحضرون مساهمة المغرب في استقلال الجارة الشرقية    زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح عاصفية مرتقبة بعدد من أقاليم الممكلة    "أطباء القطاع العام" يعلنون خوض إضراب وطني عن العمل احتجاجا على حكومة أخنوش    أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل لاعب إفريقي للسنة    المنتخب الوطني يختتم مشواره في إقصائيات كأس إفريقيا بفوز كبير على منتخب ليسوتو    المفوضية الجهوية للأمن بأزرو…استعمال السلاح الوظيفي من قبل شرطي لتوقيف متورطين في اعتراض وتهديد سائق أجرة    أسرة الأمن الوطني تحتفي بأبنائها المتفوقين دراسيا ورياضيا وفنيا    توزيع 10 حافلات للنقل المدرسي على الجماعات الترابية بإقليم الحسيمة    المنتخب المغربي يختتم تصفيات كأس إفريقيا 2025 بالعلامة الكاملة    مشاريع الحسد الجزائرية تواصل فشلها الذريع....    شريط سينمائي يسلط الضوء على علاقات المملكة المغربية والولايات المتحدة منذ مستهل التاريخ الأمريكي    الشرادي يكتب : عندما تنتصر إرادة العرش والشعب دفاعا عن حوزة الوطن وسيادته    حالة ان.تحار جديدة باقليم الحسيمة.. شاب يضع حد لحياته شنقا    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    إنقاذ سائح وزوجته الألمانية بعد محاصرتهما بالثلوج في أزيلال    مصرع 4 أشخاص في حادث سير مروع    المغنية هند السداسي تثير الجدل بإعلان طلاقها عبر "إنستغرام"    مجموعة العشرين تعقد قمة في البرازيل يطغى عليها التغير المناخي والحروب وانتخاب ترامب    بريطانيا تفرض عقوبات جديدة ضد إيران        دراسة: البحر الأبيض المتوسط خسر 70 % من مياهه قبل 5.5 ملايين سنة    الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة        الحزب الحاكم في السنغال يستعد للفوز    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغربيات حاولن إسقاط الحسن الثاني وانتفضن ضد النظام

روت أسبوعية "الأيام" في عددها لهذا الأسبوع، عن حلم نساء تحول إلى كابوس، إما ثائرات أو حالمات أو زوجات قاسمهن المشترك تحدي ملك جبار اسمه الحسن الثاني، إنهن مغربيات شامخات أخلصن لقناعاتهن مهما كان منسوب صوابها أو خطئها، وضحين بحياة من أجل الانعتاق أو الحرية أو الكرامة وأدين الثمن غاليا، هن إذن عشر نساء سعين لإسقاط الملك اختارتهن هيئة التحرير وهذه مساراتهن.
وإضافة إلى السرفاتي، نجد فاطمة أوفقير زوجة أشهر انقلابي ضد الحسن الثاني، خديجة الشاوي الممرضة التي كادت تقلب الحسن الثاني من أجل زوجها، وسعيدة المنبهي شهيدة حلم الثورة على النظام، مي فاما المقعد الذهبي وسط رموز معارضة الحسن الثاني، فاطنة البيه بنت الفقيه التي سعت لإسقاط الملك، عايدة حشاد الصيدلانية التي تحدت تازمامارت، لطيفة الجبابدي الطفلة الثائرة التي وضعها الملك في قفص "درب مولاي الشريف"، نادية ياسين الإسلامية المغربية ذات الميول الجمهورية، وربيعة بنونة المرظاة الوحيدة التي زارت تازمامارت.
وهذا آخر حوار أجرته الراحلة كريستين السرفاتي قبل وفاتها:
- كيف كان استقبالك في فرنسا بعد طردك من المغرب في المرة الأولى؟
فوجئت هناك بأن الكثير ممن كنت أعتبرهم مناضلين سيطر عليهم الخوف والرعب إلى حد ألا أحد منهم جاء لاستقبالي، بمن فيهم أولئك الذين كانوا أعضاء في لجنة مناهضة القمع في المغرب.
- وماذا بعد ذلك؟
أوصلني أحد الأصدقاء إلى مقر جريدة «لوموند»، إلا أن الجريدة لم تبد اهتماما كبيرا بموضوع طردي من المغرب، إذ لم يستحق الحدث، في نظرهم، إلا خبرا قصيرا في الصحيفة. كانت تلك هي المرة الأولى التي أطرد فيها من المغرب.
- كم كان العدد إذن؟
ثلاث مرات. ألا ترى معي أنه ينبغي أن يدون هذا الأمر في كتاب غينيس للأرقام القياسية (تضحك)!
- لا شك أن طردك خلق لك مشاكل في حياتك الخاصة؟
نعم، وقد اضطر ابناي البكران إلى القبول بأي عمل من أجل مواجهة الحياة، قبل أن ألتحق، كمدرسة، بثانوية كانت معروفة بتميزها الكبير. هناك كنت أشكل الاستثناء، باعتباري كنت الأستاذة المطرودة من المغرب. وكان من صدفة الأيام أن علمت بأن الرئيس ميتران له ابنة اسمها مازارين. فقد جمعنا ناظر المؤسسة ليخبرنا بوصول تلميذة في المستوى السادس، وبأنها ليست كبقية التلميذات، بل هي بنت الرئيس. كانت المؤسسة تجمع تلاميذ من اليمين واليسار، لكنهم كانوا ينتمون إلى البورجوازية، ويتمتعون بمستوى عال من التكوين العلمي والفكري. فالجميع كان يقطن بالمقاطعة الخامسة الباريزية، التي كان الكل يطمح إلى الانتساب إليها.
- وماذا عن المغرب؟
طبعا، كان جسدي في فرنسا بينما عقلي في المغرب. لم يكن من السهل التخلي عما أؤمن به.
- كيف بدأت علاقتك الخاصة بأبراهام السرفاتي؟
بدأت خلال مرحلة الاختفاء بالمغرب. حينها، كان أبراهام وحيدا، بعد أن أنهى الطلاق علاقته بزوجته، كذلك الشأن بالنسبة إلي، فقد كنت منفصلة عن زوجي. فحصل ما كان يجب أن يحصل.
ما أريد أن يعرفه الناس جيدا هو أن قصة الارتباط العاطفي في عالم الاختباء والهروب من خطر المداهمة الأمنية ليست كأي علاقة ارتباط عادية؛ فقد كنا في خوف وترقب دائمين. كما أننا كنا نستحضر أن علاقتنا لن يكون لها مستقبل، وأنها ستنتهي يوما من الأيام باعتقال لا شك فيه، كما لم يكن من حقنا أن نحلم بأطفال كما بقية الحالمين المحبين.
- كم دام انفصالك عن أبراهام.. هو في المغرب وأنت في فرنسا؟
دام انفصالنا 12 سنة كاملة، لم أتوصل خلالها ولو بخبر واحد عن أبراهام، قبل أن يدق على بابي، ذات يوم، طلبة مغاربة ليسلموني رسائل سرية من ضباط وملازمين اعتقلوا على إثر المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين ضد نظام الحسن الثاني، ويخبروني بأنهم يوجدون في مكان سري. كان ذلك اليوم مهما في حياتي.
- متى حدث هذا؟
حدث سنة 1980. أذكر هذا التاريخ لأن السنة الموالية كانت هي السنة التي وصل فيها اليسار إلى الحكم في فرنسا، وسُمح لنا في لجنة مناهضة القمع في المغرب بتنظيم لقاء حول الاختفاءات في المغرب. وقد استغللت تلك الرسائل في جمع كل من يمكن جمعه حول عائلات المختفين عبر لجنة مناهضة القمع.. وأريد أن أؤكد، هنا، أنني عندما قرأت مضمون تلك الرسائل أحسست بما لا يمكن لإنسان أن يحس به.. كانت أوصافا رهيبة تلك التي خطها أصحابها بما استطاعوا من إمكانات.. فقد كتبت على أطراف قطع صغيرة من الورق...
- كانت بداية علمك، إذن، بمعتقل تازمامارت...؟
فعلا، لكن بقي لي أن أعرف أين يقع هذا المعتقل. وقد نجحت في ذلك من خلال رجوعي إلى دليل جغرافي قديم؛ هو دليل أزرق كتب مقدمته المارشال ليوطي. وعثرت فيه على بلدة صغيرة تسمى تازمامارت. وتأكدت من صحة المعلومة عندما التقيت، في يوم من الأيام، بالوزير ميشيل جوبير، الذي سألني عما إذا كنت عثرت على تازمامارت في جغرافية المغرب، وأضاف أنه هو الآخر عثر على هذا المعتقل في نفس الدليل (تضحك).
- لا بد أن شخصيات فرنسية سياسية ساندتك في قضيتك..؟
نعم، مثل ميشيل جوبير، الذي كان إنسانا رائعا وأبدى تعاطفا كبيرا معي، ثم جون دانيال (لونوفيل أوبسرفاتور)... وآخرين.. بعد ذلك، سكنت بنوع من الهوس تجاه تازمامارت والمسجونين فيه. كنت أستحضر دائما مأساتهم، كنت أتصورهم وهم يموتون وحيدين في زنازن مظلمة...
- ومتى بدأ نضالك الفعلي من أجل أبراهام ومعتقلي تازمامارت؟
خلال مقامي في فرنسا، توصلت في أحد الأيام برسالة من أبراهام، يخبرني فيها بأنه مريض ويعاني من ظروف صحية سيئة... فثرت، وقلت.. كيف لهم أن يزيدوا من عذاب إنسان مريض أصلا؟ كيف لهم أن يعذبوا إنسانا لأفكاره؟ كيف يعذبون إنسانا لم يقتل أحدا؟ وخلال ذلك، اتصلت بسيدة كريمة تنتمي إلى اليسار الفرنسي وسهلت لي الاتصال بدانيال ميتران، عقيلة الرئيس الفرنسي.. رتبنا للقاء في الإليزيه، فاستقبلتني وحكيت لها القصة. إلا أنها أجابتني بأن علاقتها بالحسن الثاني ليست على ما يرام، وبأنها لا تحبه وهو كذلك يبادلها الشعور نفسه، وأن السبب في ذلك أن دانيال ميتران ترفض أن تقوم بزيارة خاصة للمغرب خلافا لما يريده الملك. غير أنها طلبت مني أن أمهلها عطلة نهاية الأسبوع لترد علي الجواب النهائي وتخبرني بما يمكنها فعله.
- لماذا نهاية الأسبوع؟
لأنه كان من عادتها أن تلتقي الرئيس ميتران كل نهاية أسبوع، فارتأت أن تخبر الرئيس، أولا، بالأمر لتحصل على الضوء الأخضر، وهو ما حصل. فاتصلت بالملك الحسن الثاني لتخبره بأن لها صديقة تريد الزواج بأحد المعتقلين لديه، وهو أبراهام السرفاتي. إلا أنها تعمدت ألا تكشف له عن هويتي. كما أن الملك لم يدرك أنني أنا التي أخفيت مبحوثا عنهم في المغرب وأنني أنا التي طُردت من المغرب.
وبناء على هذا الطلب، صرح الملك علنا في الرباط أمام السفير المغربي بفرنسا، بنجلون، ربما، الذي التقى الملك للنظر في الطلب، وأمام شخصيات أخرى، بأنه يقبل الطلب. وطبعا، كانت جميع أقوال الملك قرارات موجبة للتنفيذ المستعجل.. وذات يوم، وصلتني مكالمة في الصباح من دانيال ميتران نفسها لتزف إلي البشرى. ثم جاءني اتصال ثان من السفير المغربي في فرنسا، ليحمل لي هو الآخر الخبر قبل أن يبلغني بشرط الملك، الذي يقضي بألا أعود إلى المغرب يوم 3 مارس، حتى لا أفسد على الملك عيد العرش! رغم ذلك، لم أشعر بأنني أجبت السفير بأنه لا بد لي من أن أكون حاضرة في فرنسا يوم 16 مارس 1986 لأدلي بصوتي في الانتخابات التشريعية. كان علي، إذن، أن أجد تاريخا مناسبا بين 3 مارس وال 16 من نفس الشهر.
- وماذا فعلت، إذن؟
لقد كانت مغامرة حقيقية، فقد كان علي أن أسافر من فرنسا إلى المغرب وحدي. ومباشرة بعد وصولي إلى المطار، انتبهت إلى أنني مراقبة من قبل رجل مخابرات. أدركت أنه كان يريد أن يعرف العنوان الذي سأتجه إليه في المغرب. كان ملتصقا بي عندما سألني شرطي المطار عن العنوان. فكان أن أجبت بأن عنواني هو سفارة فرنسا بالمغرب.. وقد شاءت الصدف أن ألتقي زوجا رائعا كان صديقا لأبراهام السرفاتي. يتعلق الأمر بالدكتور «بندلاك» وزوجته «جانيت»، اللذين اصطحباني إلى منزلهما. وأريد، بالمناسبة، أن أوجه إليهما شكري العميق على ما أسدياه إلي من خدمات وعلى ما قضيته معهما، فيما بعد، من أوقات سعيدة. كنت أقضي معهما حوالي 15 يوما كل فترة شهرين بعد زواجي بأبراهام السرفاتي..
في اليوم الموالي، اتصلت بالسفارة الفرنسية، وأخبرت المسؤولين بالحكاية، فأوصاني أحدهم بالذهاب حالا إلى سجن القنيطرة، حيث يعتقل أبراهام.. وصلت إلى السجن.. تقدمت نحو أحد الحراس، وقلت له إنني أريد لقاء أبراهام السرفاتي. اندهش الحارس لطلبي، وقال لي: لا يمكن، لأن اليوم الثلاثاء، وهو ليس يوم زيارة! لم أكن أعرف هذا. فأخبرت الحارس المسكين بأنني جئت بإذن من الملك، وأن الأمر مستعجل.. بعد الذي قلته، طلب مني الحارس الانتظار قليلا حتى يخبر مدير السجن بالأمر. بعد لحظات، كنت داخل السجن المركزي بالقنيطرة وأدركت أن المدير كان على علم بالموضوع.
- لا بد أن إحساسا ما انتابك وأنت بداخل سجن القنيطرة... فأخيرا دخلت سجنا مغربيا أنت كذلك؟
كان إحساسا غريبا. ولاحظت أن خريطة المغرب، التي كانت معلقة بمكتب المدير، لم يكن عليها أي موقع يشير إلى تازمامارت... بالمناسبة، أنا علمت بمواقع السجون المغربية من خلال غيابها عن الخرائط الرسمية (تضحك).. مدير السجن هذا صادفته مؤخرا في مراكش. وكان هو من رآني، فجاء ليسلم علي ويسألني عما إذا كنت تعرفت عليه.
- وماذا حدث بعد ذلك في السجن.. هل التقيت أبراهام؟
نعم، جيء به إلى مكتب المدير. أذكر أن أبراهام كان يبدو في هيأة مشرد. كان يرتدي سروال جينز قديم وقميصا بسيطا، بينما خلا فمه من أسنانه وترك شاربا ينبت. لكن رغم سنوات الفراق ال12، فقد تعرفنا على بعضنا البعض.. كانت السيدة ميتران هي التي اقترحت علي أن أتزوج من أبراهام كي أتمكن من زيارته والبقاء قريبة من قضية الدفاع عن حقوق المعتقلين. فلم يكن لدي من تبرير لزيارته اعتبارا لعدم وجود قرابة بيني وبينه. لم أكن مستعدة للزواج، لكنني كنت مضطرة إلى ذلك.. إلا أن الزواج لم يتم بسرعة، فقد استغرق الأمر أشهر عدة. فقد تقدمت بالطلب في شهر مارس ولم يحسم فيه إلا في شهر نونبر الموالي.
- وما أسباب هذا التأخير؟
عرفنا فيما بعد أن السلطات أخرت الزواج لسببين: الأول هو أن أبراهام تمكن من نشر حكاية وتفاصيل تعذيبه في السجن على صفحات المجلة الفرنسية «LES TEMPS MODERNES» والسبب الثاني هو أنني نشرت كتابا في فرنسا حول حقيقة ما يجري في المغرب بطلب من الكاتب فرانسوا ماسبيرو ضمن أنشطة لجنة مناهضة القمع في المغرب بفرنسا؛ عنوان الكتاب هو«RENCONTRE AVEC LE MAROC» (لقاء مع المغرب)، والذي وصفت فيه حالة القمع السائدة في المغرب. إلا أنه لم يحمل اسمي الحقيقي، بل وقعته باسم مستعار هو «كلود أريام».. صحيح أن دار النشر «لاديكوفيرت»، حافظت على السر ولم تكشف أبدا عن التوقيع الحقيقي، إلا أن شكوكا حامت حول الموضوع، خاصة من قبل السلطات المغربية. إذ إن محاميا مغربيا هاتفني من المغرب ليقول لي إن أطرافا كثيرة في المغرب تقول إنني أنا من ألف الكتاب، إلا أنني نفيت الأمر.
- بعد ذلك تم الزواج... ما تفاصيله؟
فعلا تم الزواج في سجن القنيطرة حسب الطقوس اليهودية، رغم أنني لست يهودية الديانة. وقد حضره 10 أشخاص يهود، ومدير السجن طبعا، وحبر يهودي... وبعد الانتهاء من مراسيم الزواج، قلت لمدير السجن: «يمكنني الآن أن أزور أبراهام في إطار حق الزيارة...»، لكنه نهرني بلغة صارمة قائلا: «هذا يكفي... لقد فعلنا ما فيه الكفاية اليوم...». إلا أنني عدت إلى السجن الأسبوع الموالي من أجل الزيارة. ومازلت أذكر شكل البهو المخصص للقاء السجناء السياسيين و«الغرف» التي كانت تُبنى على عجل لخلق نوع من الحميمية داخل فضاء عمومي. أذكر أن البعض، الشباب على الخصوص، كان يمارس حقه الشرعي في ذلك البهو خلف ستار بسيط...! وقد احتفظت من تلك الزيارات بذلك المجسم الخشبي لسفينة بحرية (تشير إليه ضمن أثاث بيتها)، الذي اشتراه أبراهام في السجن من أحد سجناء الحق العام، الذين كانوا يصنعون أشياء بسيطة ويبيعونها للسجناء السياسيين.
- واستمرت الوتيرة على هذا الشكل دائما؟
نعم، إلى أن صدر قرار بطردي من المغرب للمرة الثانية في يوليوز 1991. والسبب هو اللقاء الصحافي الذي كان متوقعا أن تجريه الصحافية الفرنسية ميشيل كوطا مع الحسن الثاني، إذ التقيتها قبل اللقاء وطلبت منها أن تفاتح الملك في موضوع معتقل تازمامارت.. وبعد أن أجرت اللقاء، دعتني إلى محطة «تي إف1» لأشاهد مجريات الحوار.. فعلا، فاتحت كوطا الملك في موضوع حقوق الإنسان بالمغرب حين قالت له: «جلالتكم، لديكم مشاكل على مستوى حقوق الإنسان...»، إلا أن الملك نفى ذلك قبل أن تعود إلى ذكر معتقل تازمامارت وإن كانت نسيت كيفية النطق الصحيح بالكلمة. إلا أن الملك أدرك ما كانت تعنيه، فبدت على وجهه علامات الغضب. وتابعت كوطا حديثها بالقول إن لها شهادات على ما تقوله. قاطعها الملك قائلا: «إن الشاهد الرئيسي في هذه القضية شخص استغل طيبوبتي وتعاطفي. لهذا أنا أحذره من أن يطأ أرض المغرب ثانية». كلام الملك أدهش الصحافية الفرنسية، فسألته عن المقصود بهذا الكلام، فرد عليها الملك بقوله: «أعني السيدة السرفاتي...».
- وماذا كان شعورك عندما علمت بهذا؟
لا أخفيك أنني شعرت بالفخر، إذ يشرفني أن أكون شاهدة في قضية من قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان. إلا أنني لم أكن أعرف أن أي تحذير أو كلام صارم من الملك هو بمثابة ظهير شريف مقدس يستدعي النفاذ المعجل.. وقد أثار حديث الملك عني بتلك الطريقة احتجاجات كثيرة من قبل الكثير من الأطراف بفرنسا، وتلقيت الكثير من رسائل وعبارات التضامن. كما أن أبراهام قرر خوض إضراب عن الطعام احتجاجا على قرار الملك.
- هل يمكن القول إن هذا التطور للأحداث هو الذي عجل بالإفراج عن معتقلي تازمامارت؟
أعتقد أن الملك أدرك، فيما بعد، أن غضبه لم يكن في محله. مباشرة بعد ذلك، أمر بتحرير معتقلي تازمامارت. هنا، أذكر أن عزيز بينبين (من معتقلي تازمامارت) قال لي إنهم سمعوني أتحدث، وهم في السجن، عبر مذياع تدبروا الحصول عليه بطريقة من الطرق.. كما أنني أنا من كان يمد جيل بيرو بالمعطيات عن كتابه «صديقنا الملك» (1990)، وهي المعطيات التي كنت أحصل عليها، من هنا وهناك، خلال زياراتي المتكررة للمغرب بعد زواجي بأبراهام..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.