محمد زيان نقيب المحامين السابق والأمين العام للحزب الليبرالي المغربي والسياسي المثير للجدل يحكي في اعترافاته ل«المساء» عن طفولته وكيف كان مسيحيا يحمل اسم فيكتور مارتين ليصبح فيما بعد شيوعيا ملحدا، قبل أن يهتدي إلى الإسلام. في هذه الحلقات يتحدث زيان لأول مرة عن أسرار وخبايا «ضياع» موريتانيا من المغرب، وعن معتقل تازمامارت وعلاقة الحسن الثاني به وحكاية استقالته من الوزارة واتهامه بتهريب المخدرات وكيف كانت الدولة «تصنع» الأحزاب والزعماء. - كم كان عدد الأشخاص الذين كانوا برفقة السرفاتي في الزنزانة؟ أبرهام السرفاتي كان يتحرك في فضاء ثلاث زنازين مفتوحة على بعضها، وكانت مخصصة له وحده، حيث كان ينام في إحداها ويستعمل الثانية كمطبخ فيما يستعمل الثالثة كمكتبة، فيها مكتب ورفوف كتب وكمبيوتر، وقد تم استدعاء ابن عم أبرهام السرفاتي ليشرف على نقل المكتبة إلى بيته بالدارالبيضاء. عندما أيقظت السرفاتي أخبرته بأنه تلقى عفوا ملكيا وأنني سأشرف على تنفيذه وأنه يحق له أن يذهب أينما شاء، فأجابني بأنه لا يمكن أن يذهب إلى أي مكان بدون زوجته، فأخبرته بأني أضمن له ذلك، وقد اقترحت أن نجتمع بالمعتقلين ضمن مجموعة إلى الأمام لنعلمهم بأن السرفاتي سوف يغادر السجن، فرفض مدير السجن اقتراحي قائلا إنه لن يحضر المعتقلين، حينئذ أخبرته بأنه إذا لم يقم بإحضارهم سأمر عليهم واحدا واحدا لأخبرهم برحيل السرفاتي. وحين التقيت بهم قلت لهم: أبرهام سيخرج اليوم وأنتم ستخرجون بعده، إذا كنتم أذكياء فستتفقون معي وستثقون بي، فخاطبني أحدهم قائلا: أستاذ زيان، بالرغم من الاختلاف الذي بيننا فإننا نعرف أنك رجل كلمة وأنك تحترم وعودك، فقط أعطنا وعدا بأنك ستساعدنا على الخروج من السجن؛ فأقسمت لهم بأني سأقوم بإخراجهم. في السيارة، كنت أجلس في المقعد الأمامي قرب أخي الذي كان يقود، وفي الخلف كان السرفاتي والأستاذ حميد الأندلسي. إلى حدود هنا لم أكن أعرف أن السرفاتي سيتم ترحيله إلى فرنسا. وعندما غادرت السيارة أسوار السجن، وقفت أمامنا سيارة علابوش الذي كان حينها مديرا عاما للديستي، وسيارة أخرى جاءت من خلفنا، فرحت أسأل علابوش عما يحدث، ثم سألني السرفاتي بالفرنسية إلى أين سنأخذه، فأخبرته بأني مكلف بأخذه إلى عامل الرباط، ثم قال لي إنه يرغب في الاستقرار بالدارالبيضاء، حينها قلت له إنه بإمكاننا أن نناقش الأمر مع عامل الرباط كي يرتب هذه المسألة. ظللت أشير إلى علابوش من داخل السيارة مستفسرا عما يحصل، وهو يجيبني بإشارة لم أفهمها، كنت أحسب أنه يريدنا أن نسرع؛ وحين بلغنا النقطة التي سندخل منها إلى الرباط عبر الطريق الوطنية، لاحظت أن سيارة علابوش انعرجت نحو طريق فاس؛ فكرت قليلا ثم فهمت أنهم يريدوننا أن نتوجه نحو المطار. سألني السرفاتي: أين نحن ذاهبون؟ فأجبته: إلى المطار، أضاف لماذا؟ فقلت لا أعرف، ولكننا كنا سنعرف على كل حال. أتذكر أني قلت له: «أنا عندي تعليمات ملكية بأن آخذك حيث تريد وبأن أسلمك إلى الشخص الذي تختاره»، فأجابني: أنا أثق بك. وعندما وصلنا إلى المطار، وجدنا في انتظارنا عبد السلام مزايتي، والي أمن الرباط، وبجانبه علابوش، فسلمني رسالة موقعة من الوزاني، المدير العام للأمن الوطني آنذاك؛ والرسالة كانت عبارة عن قرار بالطرد، أعطيتها لأبرهام السرفاتي كي يقرأها، ثم قرأها بعده حميد الأندلسي، فسألني السرفاتي ماذا سنفعل الآن؟ فأجبته: مستحيل أن نفعل هذا، لن نذهب إلى أي مكان، سأقوم ببعض الاتصالات». قمت بعدة اتصالات، اتصلت بالديوان الملكي وطلبت أن أكلم الحسن الثاني لكنهم قالوا لي إنه مشغول، اتصلت بوزارة الداخلية وطلبت أن أتحدث إلى البصري، واتصلت بوزارة العدل، وحتى بالسفارة الفرنسية، لكن لا أحد كان يجيب، بينما علابوش ومزايتي كانا يصران على أننا مجبرون على تنفيذ الأمر. قلت للسرفاتي إننا ينبغي أن نبقى هناك حتى أجد حلا للمسألة. وبعد أن تحدث إليه الأستاذ الأندلسي، قال: حسنا، أنا موافق على الذهاب إلى فرنسا، فعلى كل حال ذلك سيكون أأمن لي من البقاء في الدارالبيضاء. - ابراهام السرفاتي قال هذا؟ نعم قالها. عموما، أنا لم أكن أحمل جواز سفري، ومع ذلك فقد خاطبني مزايتي قائلا: «نحن، كشرطة، بإمكاننا أن نسهل ذهابك إلى أي مكان». قلت للسرفاتي إنني لن أذهب معه، لكنه أبى أن يذهب بدوني، سألت مزايتي حينها عن الطائرة التي ستقلنا، فقال لي إنها طائرة مسافرين تابعة للخطوط الملكية المغربية، ثم سألته عن باقي المسافرين، فأشار إلى قاعة الانتظار حيث كان المسافرون يترقبون موعد الإقلاع، فما كان مني إلا أن أصررت على أن يركب كل المسافرين أولا، وحالما حدث ذلك ركبنا الطائرة أنا والسرفاتي والمحامي الأندلسي. - هل كان السرفاتي يستعمل العكازين أم الكرسي المتحرك آنذاك؟ كان يمشي على قدميه، لكنه كان يمشي ببطء. - ما أهم ما قاله لك السرفاتي على متن الطائرة؟ تناقشنا في مواضيع عامة، أذكر أنه قال لي إنه يعتبر روسيا بلدا متخلفا، وقال كذلك إنه ليس مع البوليساريو ولا مع الجمهورية الصحراوية، وأضاف أنه يساند فكرة الاستفتاء، وقال كذلك إنه يحترم موقف الحسن الثاني عندما اختار أن يقبل بمقترح الاستفتاء؛ فقلت له لماذا لا تقول بصراحة إنك ترغب في أن تكون نتيجة الاستفتاء هي إثبات مغربية الصحراء، فأجابني بأنه يرغب في الإبقاء على علاقات جيدة بالبوليساريو. وتحدثنا أيضا عن الخطأ الذي ارتكبه وزير العدل بنجلون حين «جلس» على ملف الجنسية المتعلق بالسرفاتي، ولم يتخذ فيه أي إجراء، وقد اعتبر السرفاتي أن المغرب عندما لم يمنحه الجنسية ارتكب في حقه نفس الخطأ الذي ارتكبته في حقه فرنسا، ثم عدنا لنناقش مسائل دولية، حيث قال لي إن الدولة المؤهلة لقيادة أوربا الشرقية هي أوكرانيا، لأنها كانت تتوفر على الطاقة المتجددة، فيما روسيا لم تعد مؤهلة لذلك. - هل كان يبتسم أثناء الحديث بينكما؟ نعم، كان يبتسم ويقول دعابات بين الفينة والأخرى، وأذكر أنه قال لي إن ذهابه إلى فرنسا سيكون مناسبة ليستعيد فيها عافيته، وإن ذلك سيكون أفضل من مكوثه في الدارالبيضاء. وعند وصولنا إلى مطار باريس أورلي، كان في انتظارنا حشد مكون من رجال الشرطة والصحافيين، وكانت برفقتهم زوجته كريستين. خرجت أنا أولا وذهبت إلى كريستين، فأخبرتها بأن زوجها قد وصل، ثم وشوشتُ في أذنها قائلا: «لقد تم فتح تازمامارت»، وبالفعل كان قد تم فتح تازمامارت مباشرة بعد ذهاب السرفاتي إلى فرنسا. وفي المطار نظمت للسرفاتي ندوة صحفية، وكم صدمني عندما أعرب عن شكره ل»فيديل كاسترو» و»هوشي منه» والقوى اليسارية في العالم، حينها علمت بأن هذا الرجل أصبح متجاوزا. أتذكر أن كريستين سألتني عما أفكر فيه، فأجبتها بالفرنسية بما معناه أن الحسن الثاني دائما يعطي نصف الأشياء ويبقي النصف الآخر في جيبه، وذلك ذكاء منه. - هل أدليت بتصريح خلال هذه الندوة؟ تلقيت سؤالا يقول: «ألا يعتبر الإفراج عن السرفاتي العلامة الأولى لانهزام نظام حكم الحسن الثاني؟»، فأجبت قائلا إن فرنسوا ميتران، الذي كان يحكم فرنسا حينها، هو من سيغادر كرسي الحكم أولا؛ وذلك ما حدث بالفعل. هناك معطى مهم، وهو أن زوجة ميتيران تلقت رسالة من شخص كان معنا على متن الطائرة. - من هو؟ سيرج برديغو (أمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، الذي كان حينها وزيرا للسياحة) كان يحمل رسالة من الحسن الثاني إلى دانيال ميتيران يقول لها فيها ما مضمونه: «لقد طلبت مني أن أفرج عن السرفاتي وها أنا ألبي لك رغبتك». - بعد الندوة الصحفية، إلى أين ذهبتم؟ ذهبنا إلى بيت السرفاتي، تناولنا وجبة الإفطار ثم عدت أنا والأستاذ الأندلسي إلى المطار ومنه إلى المغرب. - هل عدت لرؤية السرفاتي فيما بعد؟ نعم. - في إي سياق؟ أنا كنت أحافظ على علاقات جيدة بالجميع، فكنت أرى السرفاتي بين الفينة والأخرى، كما كنت أذهب لزيارة مومن الديوري. - كيف تفاعلت مع الحملة التي قامت لاحقا من أجل إرجاع السرفاتي إلى المغرب؟ لقد قابلت السرفاتي فيما بعد، وقلت له: «إذا قابلت محامي النظام الجزائري أو قمت بزيارة للجزائر أو صرحت بتصريح لفائدة النظام الجزائري على حساب المغرب، فسوف تعتبر خائنا من قبل المغرب ولن تتمكن من العودة إليه في يوم من الأيام». أنا لم أكن أستبعد إمكانية رجوع السرفاتي إلى المغرب، فتجربتي في السياسة علمتني أن جميع الاحتمالات ممكنة.
عزيز المنبهي: زيان يردد كذبة ادريس البصري نفى عزيز المنبهي، أحد معتقلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والحركة الماركسية اللينينية في السبعينيات، في بيان توصلت به "المساء"، ما جاء على لسان محمد زيان من أن الحسن الثاني تكلف بمصاريف علاجه في فرنسا. وقال المنبهي إن ما قاله زيان هو كذبة قديمة تم الرد عليها في استجواب سابق، وإن من اختلقها كان هو ادريس البصري الذي أدلى "بتصريحات كاذبة وساقطة ردا على الفضح والتشهير الذي تعرض له بخصوص رفضه تسليم جواز سفر لي للذهاب إلى فرنسا للعلاج من مرض خطير، غير ممكن علاجه في المغرب... مرض سببه التعذيب الوحشي الذي مارسه في حقي جلادو النظام"، وأضاف المنبهي أن كلام زيان "يعج بالكذب والتهريج والتسميم والمغالطات وتزوير التاريخ والحقائق... تجاه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتجاه الشهيدة سعيدة المنبهي وعائلتها وتجاهي بشكل خاص".