"العانس" أو "البايرة" حسب المصطلح الشعبي، هو ما يجمع فتيات "تجاوزن" سن الزواج. في الصحراء، تختلف نظرة المجتمع حول ظاهرة "العنوسة". أما النساء المعنيات بالأمر فمنهن من ترى أن الفترة عابرة، ومنهن من تعتبرها امتحانا في الحياة، ومنهن من استسلمت للأمر الواقع وقبلت أن تعيش "عانسا". لا يقال عانس فاطمتو*، فتاة تجاوزت الأربعين سنة، تشتغل خياطة تقول لهنا صوتك: "لن أتزوج فقط لأتخلص من وصف عانس. ورغم تأخري بالزواج إلا أن لدي عمل يوفر لي لقمة عيشي ويسمح لي بمساعدة عائلتي. بالنسبة لي الزواج ليس فقط أن تحظى الفتاة بزوج، بل هو مسؤولية وتعاون وتفاهم. ما أراه اليوم في المجتمع أفقدني الثقة في الرجال. حيث لم يعد الرجل يتحمل المسؤولية كما كان ولم يعد يعتبر المرأة جنسا لطيفا يجب مراعاته والحفاظ عليه". العنوسة تمرد وإذا كانت الشهامة والرجولة من أولويات "فاطمتو" التي لن تتخلى عنها من أجل لقب لا تعتبره مهما ، نجد أن من الفتيات من تمضي في حال تمرد تتجاوز سابقتها. الرباب، فتاة بلغت الثانية والثلاثين، حاصلة على شهادة الماستر، ترى أن العنوسة ليست بتلك الأهمية، بل يمكن أن تكون وسيلة للتمرد على قواعد المجتمع. تقول: "الفتاة في المجتمع الصحراوي لا يقال عنها عانس إلى أن تبلغ الأربعين .لكنني أعتبر الحصول على وظيفة ثابتة أهم بالنسبة لي". أما جميلة الموظفة، 32 سنة، فتعتبر ظاهرة العنوسة مستفحلة في المجتمع المغربي إذ تقول: "هذه الظاهرة استفحلت بالمجتمع الصحراوي، وقد يصبح لدينا مستقبلا نساء عجائز عوانس كثيرات ". العنوسة والوحدة بينما تعيش جميلة حالة من الخوف من أن ترتاد يوما دارا للعجزة، تعيش الباتول ذات 55 سنة، والتي تشتغل بالعمل الحر راحة وتصالحا مع الذات وتقول: "كان هاجسي هو الوحدة. توصلت بعروض زواج من قبل ولم أقبلها. بعد أن تقدم بي السن وبلغت الأربعين، حدد المجتمع وظيفتي في الزوجة الثانية، أو مربية لأبناء أرمل، الشيء الذي كنت أرفضه. أبناء الجيران وأبناء إخوتي هم أبنائي ولا يتركونني أحس بالوحدة." في نفس الإطار تقول "رقية " التي تبلغ من العمر الرابعة والثلاثين: "أنا مرغمة على قبول من يتقدم لي، ومستعدة لأن أتخلى عن الرومانسية والأحلام الوردية حتى لا يمر قطار الحياة وأصبح وحيدة. الأهم بالنسبة لي ولد أو بنت يكونان سندا لي في الحياة، الفتيات اللواتي تأخر بهن السن يكن مرغمات على قبول أي كان حتى لو كان متزوجا، أو أرملا أو عاطلا تعيله أحيانا". وتضيف: "الشائع أن بنات الصحراء يحرصن على مهور غالية، لكن الكثير من بنات الصحراء مستعدات لبناء حياة زوجية بما يتوفر من مهر، حتى إن العديد من شيوخ القبائل حددوا شروطا بمثابة أحكام تخص الجميع، إذ تخلوا عن الناقة كصداق وحددوا سقف المهور التي لا تثقل كاهل الفقير".