نساء في الثلاثين، وأخريات في الأربعين، أو حتى الخمسين، تحولن إلى «عوانس»، لأنه بالرغم من تقدمهن في السن ظللن بدون زواج، لأن البعض منهن كان قدرهن عدم مصادفة فارس الأحلام الذي رسمنه في مخيلاتهن... وحيدات يواجهن نظرة المجتمع السلبية لهن، ف«البايرة» كلمة اختارها المجتمع المغربي ليطلقه على كل الفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج، بعد فشلهن في إيجاد شريك الحياة المناسب، فتحولن في نظر هذا المجتمع الذكوري إلى رمز من رموز الفشل في الحياة. متابعة الدراسة أصبحت حقا أساسيا لا تتنازل عنه الفتاة المغربية، بل وأصبحت ترفض فكرة الزواج إلى حين التخرج، والحصول على عمل قد يرضي طموحها، سواء أكان هذا العمل حاجة ضرورية لإعالة أسرتها ورد الجميل إليها، أو لمجرد رغبة منها في تحقيق الذات والانتصار على المجتمع الذكوري الذي ينقص من قدرتها على منافسة الرجال في الحياة العملية. نادية مسؤولة تجارية لازمها الحظ العاثر في حياتها.. لم تجد زوجا يقيها نظرات الناس ونظرات المجتمع المنغلقة التي ترى المرأة بلا زوج كالسيارة بدون سائق «تعبت من نظرات وأسئلة الناس» تقول نادية وهي تتنفس الصعداء قبل أن تضيف «واش أنا لقيت الراجل ومابغيتوش». وصوفيا فتاة أخرى تحولت إلى «عانس» بعدما رفضت الزواج بسبب فشل قصة حبها. فالفتاة عندما تحب رجلاً حبًا شديدًا، وتكتشف في وقت لاحق بأنه كان وهمًا كبيرا في حياتها، وأن كلمات الحب، التي كان يمطرها بها مجرد كذب، فإن العنوسة تكون خيارا لها، لأنها حبست نفسها ضمن هذا الوهم، ولم ترد الخروج منه مهما كلفها الأمر. هن نماذج لنساء قررن خوض تجربة الجنس بدون زواج بعدما فشلن في خوض تجربة الزواج. لكن البعض الآخر منهن سيكتشف بأن الجنس والمتعة التي يحققنها لا تشكل مطلبهن الوحيد من الزوج المنشود.. بل الجنس ليس سوى جزء بسيط مما تحتاجه المرأة من الرجل في حياتها. فتيات اخترن لقب «العانس» بمحض إرادتهن تفاديا للوقوع في زواج محكوم عليه بالفشل من البداية.. لديهن شروط وضوابط لا يمكن التخلي عنها ولديهن أوصاف معينة في العريس لا يمكن التنازل عنها، وكل من لا يحمل هذه الصفات فهو عريس غير مرغوب فيه. تمر السنوات ويتقدم بهن العمر ومع ذلك لا يعرفن معنى التنازل. فتيات أخافتهن مسؤوليات الزواج والتزاماته وقررن الإضراب عن الزواج إلى أجل غير مسمى «أش بغيت بصداع الراس» تقول سارة، التي ترفض الزواج لأنها لا تريد أن تفقد التمتع بالحياة وبملذاتها. هن فتيات اخترن العنوسة بسبب رغبتهن في الحصول على الاستقلالية، أو حتى استكمال المسيرة الدراسية والحصول على عمل قار، لكن وبالرغم من أن المجتمع أصبح ينظر إلى استقلالية الفتاة المغربية بتسامح إلا أن موقفه سلبي من الفتاة العانس، يقول الباحث الاجتماعي، عبد اللطيف كيداي، «فليس هناك تغير جذري في موقف المجتمع من الفتاة العانس، فبعض الآباء وخاصة الأمهات يستعينون بالشعوذة والأولياء الصالحين لدفع هذا النحس وسوء الطالع ولجلب عريس لابنتهم».. وسواء وجدت الفتاة نفسها مجبرة على وضع تاج «العنوسة» أو اختارت طوعا وطواعية هذه الوضعية، فإن المعاناة تظل واحدة «الشعور بالفراغ والوحدة يقتل الإنسان، وحتى عندما أمرض لا أجد من يرعاني أو يصطحبني للمستشفى» تقول زهيرة، التي ندمت على رفضها السابق لطلبات الزواج، في وقت لا ينفع معه الندم» «ما الذي سأفعله بشهادة ومنصب» تقول زهيرة بحنق، ولم تستطع إخفاء غضبها من دخولها في خانة العانسات «لم أرضع طفلاً، لم أضمه إلى صدري، لم أشك همي إلى رجل أحبه ويحبني» تضيف زهيرة. الأرقام الرسمية الصادرة في هذا الصدد أصبحت مقلقة، فالعنوسة أضحت تهدد الهرم السكاني للمغرب، وساهمت في انخفاض الخصوبة في السنوات الأخيرة؛ أكثر من 60 في المائة من المغربيات بين 20 و24 سنة غير متزوجات، وأكثر من 28 في المائة من المغربيات ما بين 30 و34 سنة «عوانس». فالأشخاص غير المتزوجين يقضون بقية حياتهم عزابا، كما جاء في أرقام المندوبية السامية للتخطيط. ففي سنة 2010 مثلا بلغت نسبة العازبين البالغين 50 سنة 5.8 % بالنسبة للرجال و6.7 % بالنسبة للنساء أي أن هذه النسبة بالنظر لما كان عليه الحال سنة 1994 تضاعفت مرتين بالنسبة للرجال و7 مرات بالنسبة للنساء. فالعنوسة تسجل في وسط الفتاة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة في القطاع الخاص وحتى الإدارات العمومية، هذه الأخيرة تسجل نسبة 38.51 من الموظفات غير المتزوجات، مع العلم أن النساء العاملات في القطاعات الحكومية لا يمثلن سوى 7.7 في المائة من مجموع العاملات في المغرب. هذه الوضعية استغلها البعض لإنشاء تجارة جديدة، حولوا مهنة «الخاطبة» التي انتشرت في عهد أجدادنا، إلى وكالات تسعى إلى البحث عن شريك العمر من بلدان مختلفة، ولا يكلف الأمر أكثر من 1200 درهم مغربية لإيجاد الشريك. في حين أن بعض الجمعيات، تشجع الشباب على الزواج لمحاربة العنوسة. وقد جاءت فكرة إنشاء هذه الخدمة التي تعنى بتنمية أوضاع المرأة نتيجة عزوف الشباب عن الزواج بسبب غلاء المعيشة والبطالة» فارتفاع تكلفة المعيشة وكذا تقاليد الزواج تثقل كاهل الشباب المغربي الذي يرغب بالزواج، ومنه جاءت فكرة الجمعية بتنظيم حفلات زواج جماعية» تقول وفاء بن عبد القادر، رئيسة جمعية كرامة في طنجة في تصريحات ل«المساء». فجمعية كرامة تسهر على تنظيم مهرجانات للزواج الجماعي، وعلى توفير دورات تكوينية في التربية الأسرية للشباب. بهدف تشجيع الشباب الذي أصبح يعزف عن الزواج بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة أو حتى مصاريف الزواج.